كل الشكر إلى د. عقلة القادري مدير مديرية ثقافة جرش وإلى ابن العم الدكتور علي عبدالكريم الحوامدة والأستاذ الجامعي والناقد المسرحي د. مفيد حوامدة وإلى الصديق والأستاذ الجامعي د. عمر ربيحات راعي الأمسية الشعرية التي أقامتها مديرية ثقافة جرش التابعة لوزارة الثقافة وإلى الصديق د. فؤاد عبدالمطلب ود. محمد أمين الحوامدة وكافة أهالي جرش وللشاعر زياد السعودي ولكل من حضر الأمسية الشعرية ليلة أمس في قاعة بلدية جرش ولا يفوتني الشكر مجددًا للدكتور علي الحوامدة الذي قدمني بكلمات بليغة وبنظرة ثاقبة وعميقة لقصيدتي ولمفهوم الشعر
>> أدرج القصائد التي قرأتها هنا ..
أعطاني سحرَ الكلمات
وكَلَّمَني تكليما
يا ألله
هَلْ يلقي عبدك موسى
في الناس نبَّوته وعصاه
بيضاءُ يدي
والطورُ طيورْ
سأشق البحرَ
وأرفعُ عن أرض الكنعانيين الجورْ
هارون أخي
والشعر شقيقي الأوفى
ولساني لا بد يدورْ
إني للرب الأقرب…منذور
مذ ألقتني أمي في اليمَّ
ومذ منحتني زوجة فرعون النورْ
***
غريبة عني حلب
غريبة عني حلب
جئتها عاشقا
فما عرفتها
ولا عرفتني
ولا مسَّدت شعرَ الغريب
ولا أدخلتني قلعتها الحصينة,
وحين عدتُ للشام
عاتبني سيف الدولة
قلت: لا أتقن حرفة المتنبي !
قال : من يعلو على صوت أبي الطيب
من يمسح من كتاب الشعر ريشتَه ؟؟
قلت :
ومن يرفع كُمَّه عن مائدة كافور ؟
///
بعيدة عني حلب
واللاذقيةُ لم تعرفني
قلت: يفعلُ البحرُ أكثرَ في ساحله ,
وحين عدتُ إلى حمص
كانت بانياس تلوح في البعيد
بينا شاطئها يأسى
ويأخذ على الموج بعضَ التفاعيل ؟؟
///
بعيدة عني حلب
الفرات على مرمى قصيدة
مرّ النسيم على أرض الجزيرة
مرّ النسيم
لكنه لم يفعل في جسدي بعضَ التفاعيل !
///
غريبة عني حلب
فستانها لم يعد صالحا للسهرة
وعملتي قديمة لا تقبلها الحانات
شئتُ أشتري عكازا
فاعتذر لي التاجر الحلبي :
خبأتُه ليد الساحل السوري
قال : لدي بعض الزبيب وصابون الغار
قلت : اشتريته من كَسَبْ
ولم يفعل في جسدي تلكَ التفاعيل !
///
بعيدة عني حلب
دخلتُ حمَّامَها العثمانيَّ
تنشقتُ رائحةَ سائحةٍ ألمانية
لم ينعشني بخارُها
لم يبلِّل روحي مَرْمرُها
وأوهت روحي بعض التفاعيل !
///
يممتُ أرضَ العراق
أنكرتني الكوفة
لم تقبلْ صلاتي كربلاء
….
واصلت جنونَ القرمطي …
وحين وصلتُ شطَّ العرب
لم يعرفني الفراهيدي
قلت :ربما ضيَّعَ الشيخُ صنعته في أسواق البصرة
أو تاه في بحر الخَبَب
لكنه خلّى تمثال السيَّاب
شاهداً على بعض التفاعيل !
///
قريبة مني
حلب
فمن يعيدني
إلى الرملة
أتبع آثارَ خطوي
إلى النيل
من يبيعني حمامةَ أبي فراس
ويمنح رحلتي بعض التفاصيل ؟
عمان 6/2000
حكمتي القديمة
لي حكمةٌ ناقصة
تنام في جيبي
تغيبُ طويلًا دون أن تشعرني بوجودها
أحيانًا …
تحك بإظفرها جلدي
ترفع رأسها كلما هُزمتُ من جديد..
أردُّ لها التحية
أضغط فوقها بشدة
نامي مجددًا ..نامي يا حكمتي
ما زلت أحب أخطائي
اتفيأ تحت ظلالها
وأمضي بها إلى طرق أخرى..
لي حكمةٌ كاملة
صُغتها من ركاكة الحٍكم
ومن جرأة الموج على الوثوب
ونادرًا ما أفتح عليها صنبور المياه
أو أظهرها لعين الشمس
لا أريد تنظيفها من صدأ الخسارات
وضحالة البشر.
كم مرة أجلتُ فتح دفتري القديم
وكم مرة تغاضيت عن فتح دفتري الجديد
لا أحبًّ تَقليبَ العَناء
كمن يعيد النظر في تجاربه الفاشلة
لا أحب رؤية نفسي عاريًا منها
ولا أحب التعلم على كبر.
كانت لي حكمةٌ مبتورة
وطيبة شاسعة
وأحلام تسحق الظنون
وبذور قصائد كثيرة على شقتي
وما أن لوحت لها بيدي مناديًا:…
آه يا حكمتي القديمة…
حتى حنت رأسها
وأجهشت في بكاء طويل.
اسطنبول 28-9-2022
قاطع طريق..
كمنْ يقصُّ أَثَرَ غيمةٍ في السماءِ
كان يحرثُ الريحَ،
بمحراثٍ من يأس.
الطريقُ استمدتْ عزمَها من سعة البرق،
القاطع مرَّ بقريةٍ صغيرة؛
مرَّ بحفنة حصادين يغمرون الأرضَ بالحركة.
القاطعُ توقفَ يبحثُ عن سبب لإكمال المسير.
القمح نادى قاطع الطريق.
أصحابُ البيادر رَمَوا أغمارهم فوق الغيمة..
قاطع الطريق صار سنبلة.
*
تلك السيدة مشغولة بنسج شالٍ مطرز بالصمت،
لفّت خيوطها على شعر البناتِ،
تجلّى الليل بقمر وَضيءٍ،
تلعثم الحزنُ
قرب أيقونة العذراء؛
مَنْ مِنكُنَّ يا بنات وصلت للكمال؟
مَنْ مِنكُنَّ يا بنات حاكت شَرشفَ الموت بيدها؟
مَنْ مِنكُنَّ يا بنات..
كانت تلك السيدةَ المشغولة بنسج خيالٍ مطرز بالنجومْ؟
*
كثيرةٌ أشجار الكلام الجارح،
كثيرة حِكَم العجوز الطيبِ،
كثيرة تأويلات القصيدة،
والشاعرُ إذ يعبر حاجزَ الخَطابةِ
يرى روحَه مغمورةً بأشجار كثيرة،
وحطابين مذهولين
عن سماع روايات التقهقر.
*
أرغب كما يرغب الجريحُ
بضُمَّادٍ وإبرة بنجٍ؛
أرغب كما يرغب طائرٌ،
بقبضةِ ريحٍ يحملُها بين جناحيه؛
أرغبُ كما يرغب الجبلُ
بزحزحة الشمس قليلاً،
ومبادلة السماء
بوظيفة التسكع مع صديقاتِه النجمات.
*
ليس شرطاً أن تهطلَ الأمطار حين تعطش البقراتُ.
الكاتب المغروس في دفتر المذكرات
لم يجدْ علةً لخروج آدم من الجنة
مباشرةً بعد مأدبة الغداء.
فكر الكاتب المنهمك في كتابة التأريخ:
(كيف انقضت المسافة الزمنية بين الجريمة والولادة
كيف انخلع قلب اليقين،
وانزلقت الجنة، ببساطةٍ، من بين يديْ حواء
كيف كان شكل البرق والرعد هناك
كيف كانت تهطل الأمطارُ
وحامض الكبريتِ، كيف كان يتطبب به المجذومون
وتلك الأدوية المكدسة في صيدليات السماء،
من نهبها قبل أن يُحقَنَ آدم بحقنة الدوخانِ،
ويُرمى بين الصخور).
لعلَّ الكاتبَ لم يشأ أن يكمل النبش في أرض المعصية،
يُرمى بالخيانة،
يهدر دمه
أو تطلق عليه النيران!
فكَّرَ الكاتب، لحظةً،
ألقى بالقلم جانباً،
نظر للأوراق المكتوبة،
همَّ بتمزيقها،
لكنَّ صوتاً خافتاً جاءه من سماء بعيدة:
لا تَرمِ الأوراقَ؛
لن يقرأها أحد،
أكملْ مسيرتك الذاتية في تعريف السجين بحقِّهِ في طلب الإعدام.
*
قاطع الطريق لم يجد طريقاً يقطعُه،
توقَّفَ قليلاً،
تساءل: أين ذهبت خطواتي؟
أين آثار أقدامي؟
أين اختفت الطريق؟
كان قاطع الطريق نائماً،
كان الحلم لا يسير في طريق معلوم،
قاطع الطريق واصل إكمالَ طريقِه السرية
في تنظيف الغيوم من قُطَّاع السماوات.
عمان 3\11\2007
كسيرةِ النائمِ في السكون
أغرزُ الحروفَ في لحم الورقْ
أكتبُ مأخوذاً بصورة النقوش الفرعونية
عتيقاً مثلَ فسيفساء مادبا
متأهباً كما جيشِ كسرى..
كسرى
……كافٌ وسين
أعمى يرى
في خَرس العتمة
قمراً مخفوقاً بالطين
راء وسين
ويدٌ تعبث بالأفلاك،
بقرى الصعيد
بتاريخ الأسى
وتاريخ العبيد.
ياءٌ وسين
غادَرني الحلمُ فتىً
وغادرني اليقين.
سيفٌ وصلاةْ
كلما شبَّت الحرب
تذكرت ألا إله إلا الله
أوشك الرمل أن يطمر حصاني
وأن أنسى الصلاة؛
صليتُ وحدي
وحدتي نجاة.
خيلُ الروم حفرتْ على طريق القلب خطى الناسك العجوز
بين رحلة الشرق
وغواية الغرب
حدجتني (كونتيسةٌ) إسبانية
بنظرة صليبية
لم يرتجفْ وثني
ولم يلتقطني السيارة.
*
أصبغُ ريشَ الهواء
أصف جثامين الطيور
أعدُّ خطى القتلى
المدينةُ نتاج الضغينة.
*
اليافعُ في خضرته
شجرٌ مكسورُ الخاطر
مصلوبُ السبب.
*
كسيرةٌ يدُ الذكرى
كسيرةٍ ظلَّلها الجحود
كسيرةٌ بلا عرج
متاهة المشَّاء
كسيرةِ النائمِ في السكون
الذاهبِ في الوجوم
الساكنِ في العدم.
كسيحةٌ بلادي
لها حشرجة الناي المذبوح
رنينُ الهوية
عميقةُ الأثر
لا تحتاجُها العقيدة
يحتاجها الحطاب.
*
أمضي حراً من أساي
حراً من شفاهيتي
حراً مني
ومن كلماتي.
عِلَّتي آسرةْ
قلبي عليلٌ
والرؤى حاسرةْ
بَللٌ أصاب الكون
سالَ قلب القاهرةْ
آخيتُ المسيح
مسَّني جنون الناصرةْ
ما كنتُ مشغولاً
كانت جروحي نافرة
خبأتُ في كهف السماء منازلي
ومضيتُ أبحث تائهاً عن آخِرة!
الليلُ مصباح العمى
والمؤمنون قياصرة.
كسيرةٌ حكمة المهزوم
تمشي على مَهَلِ…
سيحدثنا الرمل عن سيرة الرمل
سيحدثنا العنكبوت عن قوة النسيج
وحكمة الهوان.
ملكٌ على تاج الأبد
هذا جنوني بلاد
وضيائي مُصابٌ بالرمدْ
صادني النوم وأنا أحلم بالكمان
بإلهة إغريقية
تحملني بعيداً عن إعصار إيجة
تردُّ لغايتي الصبابة
ولأمتي الرشدْ.
من علَّم الأرضَ الغزل
من أَلْبسَ التاريخَ طاقيةَ الإخفاء؟
مبهوتاً بالأزل
أكتب سيرةَ المفجوع
في أرضٍ لم تزل
تمنح القلبَ دواء الضغينة
ولا تعطي العدو مداد الخجل.
من علَّم الأرض الغزل
لأقي بساتيني العفونة
وأقي جراحي العطب
شَفَّني البوح
ونام كرمي عارياً
يا بلادي
لست موسى الفرعونيَّ
ولستُ شُعيباً
إنني أنثى الرجاء
ضيَّعتني أمي في سوق الصرافين
وحين عدت للشام
كانت سيناءُ محبوسةً في قبضة الهكسوس.
رجاءً لا توقظيني
من هلوساتي
لا تُدخليني
دوار الأبجدية
ما قتلتُ أخناتون
ولا خنتُ كليوباترة
ما بعت المسجد الأمويَّ
ولا زوَّرْتُ تاريخ بترا
أنقى من البياض كنتُ
وكانت صروحي عامرة
قلبي اشتغال الكلمات
بتأثيث الحاضرة
عمَّرت خرابَ الكون
وما بعتُ رفاقي
ولا غازلتُ عاهرة
لكن المغول أفسدوا الناس حولي
وما عاد ينفعني اليقين
ولا سورة التحرير،
أطوي البلادَ طياً
وأعود من نقطةٍ خاسرة.