حذرت جلالة الملكة رانيا العبدالله من اعتماد الإنسانية المتزايد على التكنولوجيا، ودعت إلى تركيز أكبر على تحسين حياة الأكثر ضعفاً. جاء ذلك خلال مشاركتها بقمة “الويب” في لشبونة بالبرتغال اليوم بكلمة رئيسية لجلالتها، ويصادف هذا العام مشاركة الأردن للمرة الأولى في القمة السنوية التي تعتبر أكبر نشاط تكنولوجي في أوروبا ومن بين الأكبر في العالم. وأوضحت جلالتها أن تمسكنا بالتكنولوجيا ليس مجرد عادة، بل نوع من الإدمان. مشيرة إلى نتائج تقرير النظرة العالمية الرقمية لعام 2022 في أنه خلال العام الماضي، ارتفع المتوسط اليومي للوقت الذي نقضيه على الانترنت بواقع أربع دقائق في اليوم، وجمع تلك الدقائق على مدار عام ستصل إلى يوم كامل، لكل شخص. وتساءلت جلالتها: إذا أخبرنا أحد بأن لدينا يوم إضافي كل عام، هل سنستنتج أن أفضل ما يمكننا القيام به من أجل أُسرنا ومجتمعاتنا وعالمنا، هو أن نعيد استثمار تلك الأربع وعشرين ساعة الإضافية أمام شاشاتنا؟. وقالت جلالتها “يُقلقني من أننا نستخف بقيمة أغلى عملة في عالمنا: وقتنا. ويُقلقني أنه حتى مع تطور الواقع الافتراضي مع الأيام، إلا أننا نتجاهل احتياجات واقعنا الفعلي”. ودعت جلالتها الحضور لاسترجاع الدقائق الأربع الإضافية التي تُقضى على الانترنت يومياً، وأشارت إلى أن الدقيقة الأولى يجب أن تذهب “من أجل حشد تعاطف جماعي… بدءاً من اليقين أن كل إنسان له نفس القيمة”. وأشارت جلالتها إلى أنه في الوقت الذي أظهرت فيه استجابة العالم لأزمة اللجوء الأوكراني ما يمكننا تحقيقه عبر العمل المشترك، كان هناك اختلاف ملحوظ “في السخاء واللهجة والاهتمام” مقارنة بالاستجابة لأزمة اللجوء من دول مثل سوريا أو جنوب السودان أو ميانمار. واقترحت جلالتها استثمار الدقيقة الثانية المسترجعة في “بناء مفهوم جامع للحقيقة”، موضحة أن السرعة الكبيرة التي تنتشر فيها المعلومات الخاطئة والبيئة التي تكافئ النزاع على حساب المصداقية، أضعفت ثقتنا وقدرتنا على استيعاب فروقاتنا. ودعت لمراعاة وجهات النظر الأخرى قائلة: ليس هناك طريقة صحيحة واحدة لفعل الأمر الصائب أو للحصول على النتائج الصحيحة. هنالك دائماً طريق ثالث، وإيجاد ذلك الطريق لا يعني أنه تضحية أو تنازل. أحياناً يعني أخذ الأفضل من الخيارين لإيجاد شيء جديد يمكن للطرفين الاقتناع به. وعرضت جلالتها استخدام الدقيقة الثالثة “لاسترجاع سيادتنا الإنسانية”، على أساس أننا نعتمد أكثر وأكثر على أجهزتنا ليس للإلهاء فقط ولكن من أجل التوجيه. وقالت جلالتها “كلما فوضنا الذكاء الاصطناعي أكثر لاتخاذ القرارات، كلما قلت الخيارات التي نتخذها لأنفسنا. عن قصد أو بغير قصد، نحن نتخلى عن عملية تفكيرنا وميزة بعد نُظرنا، وتلك مجازفة”. وأضافت “في عالم معقد، نحتاج لضبط قدراتنا البشرية جيداً، بحيث يمكننا أن نقرر من بين الخيارات غير المثالية، والتكيف مع المتطلبات غير المتوقعة”. وأضافت جلالتها “كلما تقدم الناس في العمر وأعادوا النظر في حياتهم، قليلون سيخبرونك أنهم تمنوا لو أنهم قضوا وقتاً أطول أمام شاشاتهم أو خلف مكاتبهم. لكن الأكثرية يتمنوا لو أنهم قضوا وقتاً أطول مع الأشخاص الذين يعنون لهم”. وبعد كلمتها، شاركت الملكة رانيا في جلسة حوارية مع الصحفي فريدريك بلايتغين من شبكة تلفزيون “سي ان ان”، حيث جرى نقاش عدد من القضايا من بينها الاستجابة العالمية غير العادلة لأزمات اللجوء حول العالم. وقالت جلالتها “يسهل بشكل مخيف على العقل البشري ألا يكترث بمعاناة الآخرين، خاصة عندما لا يشبهوننا، أو عندما تكون أسماؤهم صعبة أن ننطقها”. مضيفة “ذلك الشكل من التعاطف الانتقائي، وذلك التعاطف الاختياري له تبعات جغرافية سياسية حقيقية ومأساوية، لأنها منطقة عمياء في إنسانيتنا، تؤثر على أين ننظر وماذا نرى”. مشيرة إلى أنه قد يكون أمامنا أزمات لجوء أكثر نتيجة لتغير المناخ الذي “قد يسبب نزوح أكثر من 200 مليون شخص بحلول عام 2050”. ودعت جلالتها المجتمع التقني إلى لعب دور فعال في التخفيف من معاناة اللاجئين وقالت: “من أقوى ميزات التكنولوجيا أنها تتخطى الحدود في الوقت الذي يستمر عالمنا للأسف في رفعها. فيواجه اللاجئون عوائق قانونية وثقافية ولغوية واقتصادية يومياً. ويمكنكم جميعاً أن تطوروا حلولاً يمكن أن تساعد في التغلب على تلك العوائق”. والتقت جلالتها بممثلي عدد من الشركات الناشئة الأردنية في المشهد التكنولوجي المحلي والعالمي في مجالات الألعاب وأنظمة المعلومات الطبية والذكاء الاصطناعي والحلول القائمة على الطائرات بدون طيار والمونتاج المعتمد على السحابة. وتشارك هذه الشركات الأردنية الناشئة في القمة ولأول مرة ضمن برنامج ” جوردان سورس – Jordan Source”، وهو برنامج أُطلق تماشياً مع رؤية سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، وتنفذه وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة. ويهدف البرنامج إلى ترويج الأردن كوجهة نموذجية للاستثمار والابتكار في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتعتبر قمة “الويب” التي أطلقت للمرة الأولى في عام 2010 أكبر حدث تكنولوجي في أوروبا ومن أكبرها على مستوى العالم. وتقام هذا العام من الأول وحتى الرابع من تشرين الثاني تحت شعار “الجيل القادم من القادة”، واستقطبت القمة أكثر من 100 ألف شخص من العالم.