كتب : أ. د. كميل موسى فرام
الحياة مدرسة نحن طلابها، نأتي اليها أطفالا ونكبر لنتعلم في أروقتها دروسا، بعض أشخاصها يسلحوننا بالحكمة والقلانية وأسس التفكير، نسير على خطاهم لنحقق نجاحاتهم، فهناك امتحان في كل مرحلة ومحطة، كل ضمن ظروفه التي تسمح بالانتقال عبر مساحاتها، يجد البعض منا طريقه سالكة، مرصوفة،لا يصرف اليها عناء، بينما نجد على الطرف الاخر من المعادلة، صعوبات وعثرات، فيها امتحان للصبر والتكيف، والقبول بالنتيجة، والمسافة بين معطيات المعادلة ومخرجاتها، تتباين رياضيا بمطلقها وجذرها، ببسطها ومقامها، حيث مواقف الحياة العملية، وهي المرحلة الاعدل لاجتياز حاجز الصعب، تمهيدا لتحقيق الهدف والطموح؛ تتجمد على بوابته الاهداف برفض الصعب والمستحيل والاستسلام وتنصهرالطموحات، الا إذا كان التصميم والتحدي حاضرًا.
نزار جمال حداد؛ العالم الذي استطاع أن ُيَغِّمر في حصاد عمري ساخن ليجمع ثروته العلمية التي أصبحت سلاحه الذي يحميه من غدر، ويمنحه القوة للتقدم، هو مثال للاحتذاء، فوصوله لاعلى المراتب بعصامية واجتهاد، دون الاعتماد على إرث عائلي، او القفز عبر بوابة الحظ لنجاح مرحلي، حفر بصفر الكتاب والدفتر، طّوَع الحرف والكلمة، اغترب لاجل العلم والمعرفة، محافظا على مبادئه التي تربى عليها ليحقق النجاح والاحترام، ويعود للوطن حاملا شهادة الدكتوراة بعلم النحل وأسراره، ليصبح الباحث والناشر، المرجع ومحط الاستئناس على المستوى العالمي والاقليمي والوطني، حاول أن يدخل البوابة الجامعية اعتمادا على تحصيله، ليصطدم بواقع مرير، الغني بالعوائق ، ليتدرج في المركز الوطني ، فتحت له طريقا آخرًا والمبررات الهشة التي تمنعه، لكن إرادة له التي نؤمن بها جميعًا للبحوث الزراعية عبر مسيرة علمية وعملية، ليصبح الرجل الاول بجهده وكفاحه، فهو الشخص الذي بدأ حياته من الصفر ووصل بفضل اصراره واعتماده على نفسه الى القمة، وهو الرجل الذي لم تصل إليه السلطة، وإنما هو من وصل إلى السلطة بأدائه واخلاصــه ونتائجه التي منحت الوطن درجة تميز باحتضانه؛ الشخصية التي لم تعتمد على تعليم بالمدارس أو شهادة جامعية لتكتسب خبرتها، إنما اكتسبتها من مقاومتها لصعوبة الحياة ومن سقوطه .وقيامه وعدم انكساره، بشخصية صلبة جدية ومدركة بمجال العمل جميعنا ُيدرك بأن الموت حقيقة غير خلافيه يصعب التحكم بتوقيتها الا لمن تطوع بالانتحار، أو استخلص من ذاته عبئا على البشرية، بل ونعمة ربانية تمثل المحطة الاخيرة لحياتنا، وموت الوالدين قد يكون الاصعب لأي منا مهما كانت ظروفه وأحواله، ولكن للحكاية هنا أمر مختلف، فنزار فقد والدته؛ المربية التربوية الفاضلة قبل شهرين من الزمن بظروف مرضية ومعاناة، انتصر فيها المرض بالرغم من الجهود التي ُبذلت، وما أن استفاق من صدمته، ليجد والده التربوي المؤسس، صاحب مدرسة التحمل بعد شهر ونصف قد أصر على اللحاق بزوجته وفاء لعهد وعدم قدرة على تحمل الفراق؛ ظروف مأساوية تطلبت الصبر والتحمل، بل امتحان نجح فيه بالدرجة الكاملة لأنه المؤمن الذي يرضى ويقتنع، وربما هناك عبرة مستخلصة للوفاء والاصرار على تسجيل الدرجة الكاملة بالنجاح بعدم الخلط بين الظروف الشخصية والوظيفية، وتجلت ببذل جهود مضاعفة بمرض والده بالتزامن مع أيام المهرجان الوطني للزيتون، فكان الحاضر دائما للوقوف على سلاسة التسوق طوال فترة النهار حتى منتصف الليل في جميع أركان المهرجان، ليذهب للمستشفى لرعاية والده حتى الصباح، بالتناوب مع شقيقه؛ جهود لا يمكن لفرد تحملها، إن لم .يكن عصاميا ومخلصًا .
نزار حداد مدرسة في العمل و خدمة الوطن، إن أراد أحٌد التحّدث، أو الكتابة عن أحٍد ما، فال بّد له من أن يتناول سيرته الاخلاقية، والروحية، والادبية، والعلمية، وكل ما هناك من ممّيزات يتمتع بها ذاك الفرد، إنه الرجل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه، الصلب والصدوق في زمٍن قّل نظيره، وهو الذي تعالت نفسه عن المادية وشموخ عهدها، والتكاذب والتمّلق بين الناس على أنفسهم، وعلى بعضهم البعض. أثبت بأدبياته بأن المال وتوأمة الجهل قد يكونان العدو الاول إن أصبحا الهدف والغاية بأية وسيلة كانت، حارب ويحارب إلحقاق الحق، غيرآبه بنظريات المؤامرة،لأن الصدق ونتائج العمل تتحدث عن ذاتها، وهما طريق النجاة والنجاح والتحليق بمنطاد فوق هضاب السعادة التي ننشدها، فهو يعيش مع الارض وترابها، يمتزج فيها وتضاريسها، يؤمن بأن معركة النجاح وتحقيق الذات تسيران بخط متواز على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي، مدرك ومقتنع بأن التاريخ لا ينصف الشجعان ، لكنه لن يستطيع ان ينكر عليهم عطاءهم، وإذا أراد التحّدث عن الطبيعة، وكُّل ما هو جميٌل في هذه الدنيا أحيانًا ، ولكنه حٌق إلهي من حقوق الطبيعة الالهية وما عليها، فلا بّد من الاعتراف بأن الموت أحد أوجهها الاشد إيلاما مذكرا بالتوازن بين الموت والحياة، صديقي الذي أفتخر بمعرفته، فالصداقة تتوارثها الاجيال برياط المحبة، لن يمحوها الزمان، ولا الاشخاص الذين يمرقون على الدنيا ولا يحسبون حسابًا .واليوم هو الاب الشرعي للغد الافضل ..وللحديث بقية