د.حسام العتوم
يُستقى من خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير في مدينة ستالينغراد – فولغاغراد حاليا، وبمناسبة مرور 80 عاماً على موقعة ومعركة ” ستالينغراد ” البطلة التي قادها الزعيم السوفيتي المعروف جوزيف ستالين وقائده الميداني البطل جيورجي جوكوف ومساعده الكسندر فاسيلينسكي وسط عملية طاردة للنازية الألمانية أطلق عليها وقتها ” أورانوس ” معاني دقيقة واضحة قارنها بوتين بحرب ” كييف ” والغرب الأمريكي مجتمعا على بلاده روسيا العظمى، خاصة بعد تجهيز المانيا لدباباتها الحديثة ” ليوبارد ” لإرسالها لأوكرانيا لتشترك في الحرب الروسية – الأوكرانية ومع حلف ” الناتو ” بالوكالة الجارية الآن ومنذ 24 شباط 2022 على شكل عملية عسكرية روسية خاصة استباقية دفاعية تحريرية غير احتلالية قوبلت بحرب غربية شرسة مفتوحة عبر العاصمة الأوكرانية ” كييف “، فلقد استذكر بوتين ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية التي فرضت على بلاده روسيا وعلى بلاد السوفييت، وانتهت الى نصر ساحق على النازية الالمانية وخسران من 27 الى 28 مليون شهيد، وكيف يراها تتكرر في الحرب الأوكرانية التي فرضت من جديد على روسيا ولم تختارها، وتحركت صوبها بقرار جماعي لقصر ” الكرملين ” دفاعا عن المواطنين الأوكران والروس في شرق وجنوب أوكرانيا الرافضين للإنضمام لـ ” كييف ” قسرا وللغرب الأمريكي الاستعماري بحجة المحافظة على سيادة أوكرانيا بينما يضمرون العكس أي الأستعمار .
ولاحظ بوتين بأن خطوة ألمانيا العسكرية غير المسؤولة تذكره بيوم أطل فيه قائد النازية الألمانية “أودولف هتلر ” عام 1941 مهاجما بلاده والسوفييت، وبأن هتلر يظهر من جديد، وبأن الخسارة البشرية السوفيتية المليونية وقتها ستنسحب على الغرب، وسوف يكرر النصر الروسي الكبير من جديد حالة تطور الحرب الأوكرانية الجارية وسط اصرار الغرب على استمراها الى حرب عالمية ثالثة نووية مدمرة، وأكد بوتين القول بأن الغرب الذي يراهن على نصر في ارض المعركة لا يعرف روسيا، وبأن القادم سيزداد سوءً عليهم، ولازال الروس يتحركون في مرحلة العملية ولم يطوروها بعد الى حرب حقيقية قاسية، ولمن لا يعرف كواليس الحرب هذه يذهب للتمسك بالدعايات الغربية الاعلامية المغرضة (والكلام هنا لي)، فالحرب الروسية دفاعية حقا، ولا تستهدف أوكرانيا بقصد احتلالها في زمن هي فيه مساحة روسيا الإتحادية قرابة الـ 18 مليون كيلومتر مربع، ولا تستهدف الأوكران بقصد قتلهم، ولا تستهدف البنية التحتية الأوكرنية بهدف تدميرها، لكنها الحرب التي فرضت عليهم، وتم جرهم اليها، وفي الحرب يحدث كل شيء، لكن روسيا متمسكة بأخلاق الحرب، وبالقانون الدولي الإنساني في التعامل مع أسرى الحرب، تواصل روسيا اعادة البناء في منطقة ” ماريوبل ” الحدودية ” داخل ” الدونباس ” والحرب دائرة .
وبطبيعة الحال ثمة فرق بين شخصيتي بوتين وستالين، فالأول أي بوتين قائد سياسي بالدرجة الأولى رغم أنه يقود الجيش والبحرية في بلاده، والثاني أي ستالين عسكري وعرف بقساوته حتى مع شعوب بلاده السوفيتية، وفي نهاية المطاف الذي يهمني هنا هو اصرار الرئيس بوتين على تحقيق نصر تفوق قدراته العسكرية الجاهزية العسكرية السوفيتية أضعافا مضاعفة، وفي الوقت الذي حارب فيه السوفييت بقيادة روسيا النازية الالمانية التي هاجمتهم مباغتة من دون امتلاكهم للقنبلة النووية وقتها، جرى حديث رسمي روسي لاحق بأنهم لو امتلكوها حينها لما استخدموها لأسباب أخلاقية، ومنذ اختراع السوفييت لقنبلتهم النووية عام 1949 في عهد نيكيتا خرتشوف لم يستخدموها في كل الحروب التي فرضت عليهم، وروسيا قوة رادعة لا هجومية، لكن احتمالية تطور الحرب الأوكرانية المفتوحة لحرب نووية ثالثة مدمرة ستجبر الروس على مواجهة أي اعتداء نووي عسكري بمثله وأقسى وبسرعة تفوق سرعة البرق، لكن روسيا كما الغرب وأمريكا وحلفهم “الناتو” ملتزمة بالخط الساخن، وتفتح الطريق للقاءات الاستخبارية العلنية الروسية – الأمريكية رفيعة المستوى ذات المضامين السرية لضمانة الأمن والاستقرار العالمي، وبينهما .
والواضح هو بأن غرب أوكرانيا والغرب الأمريكي وأجهزتهم اللوجستية الخبيثة لا ترغب بالإعتراف بالهزيمة وبقبول النصر الروسي الذي تمكن حتى الساعة من السيطرة وعبر صناديق الاقتراع والحماية العسكرية الروسية على الاقاليم الأوكرانية الخمسة ( لوغانسك، ودونيتسك ” الدونباس ” وزباروجا، وجانب من خيرسون ) الرافضة منذ البداية للإنضمام قسرا لنظام “كييف” البنديري الأزوفي المتطرف، وللغرب الأمريكي، ولحلف “الناتو” المعادي لروسيا، وفضلوا الانضمام للسيادة الروسية علنا، وتخطيء “كييف” مجددا الاعتقاد بأنها قادرة وبمساعدة الغرب على اعادة الاقاليم التي خسرتها الى الأبد، وماذا سيحدث بسكان الاقاليم المنفصلة لو تحقق حلم فلاديمير زيلينسكي وقادة الأجهزة الاستخبارية والسياسية الغربية يا ترى غير تجدد المذابح الجماعية لهم؟، ولم ولن تقبل روسيا بتمدد حلف ( الناتو ) تجاه الاراضي الاوكرانية لتهدد امنها واستقلالها وسيادتها، والمطلوب من الشعب الأوكراني الملتف حول العاصمة “كييف” أن يقول كلمته عبر صناديق الاقتراع لينتج نظاما سياسيا أوكرانيا عقلانيا يشبه نظام الرئيس الأوكراني المعزول فيكتور يونوكوفيج، ومن سبقه من رؤساء وأنظمة سياسية أوكرانية معتدلة، وروسيا بالمناسبة لم ولن تمانع انضمام أوكرانيا التي تمثل العاصمة ” كييف ” للإتحاد الأوروبي، لكن من حقها رفض اقتراب ” الناتو ” من الأراضي الأوكرانية المحاددة من الجنوب لأراضيها وسيادتها.
وشخصيا انا من دعاة السلام، ومع وقف الحرب والذهاب الى الحوار والتفاوض، ومن زاوية قوة روسيا في ميدان الحرب، والتي هي صاحبة الحق والمظلمة، وفي زمن لا أحقية لـ “كييف” بحرب هوجاء، ولا للغرب الأمريكي المتهور، والنصر واضح حليف روسيا الاتحادية ولن يكون يوما حليفا لغرب أوكرانيا أو للغرب المساعد لها، وأنصح كما خبراء السياسة والعسكرة في روسيا الغرب عدم اختبار صبر روسيا لكي لا تنفلت تقلبات الحرب عن عقالها وتذهب لحرب نووية خاسرة أولا لمن يبدأ بها، وروسيا اليوم قطب أكبر من دولة، وهي فوق نووية وفضائية، وتحتل الرقم واحد في القوة النووية المتوفرة أيضا في الولايات الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وأكثر الدول الغربية تضررا من أية حرب نووية قادمة -لا سمح الله – هي المانيا التي لا تملك شيئا نوويا عسكريا أو سلميا، وروسيا لا تحارب الأوكران ولا هدف لديها لاحتلال أوكرانيا، ولا تحارب الغرب ولا تدفع بدباباتها صوب حدودهم، لكنها تحارب ومن زاوية الردع لا الهجوم التطرف وعودة النازية من جديد، ولا مكان للمزاح مع روسيا عسكريا بعد اليوم، والأمور وصلت الى خطوطها الحمراء، وصبر روسيا قد يخرج عن مساره حالة التطور السلبي للحرب تجاه التهور النووي الخطر, ولم ترفع روسيا حسب رئيسها بوتين حتى الساعة شعار الوصول لبرلين مجددا.