أ. د. بـــــــلال أبوالهــدى
الحليم، من أسماء الله الحسنى، وهو من صيغ المبالغة، ومعناه: الذي لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم وعلى ظلمهم لبعضهم البعض ولانفسهم. سبحان الله كم الله حليم وصبور على عباده رغم علمه بتفاصيل ذنوب عباده (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (الفرقان: 58)). ولو عجل الله العقاب لعباده الظالمين والمذنبين ما ترك على ظاهر الأرض وباطنها من مخلوق يدب عليها او فيها أو يدب على ظهرها بالترتيب (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ, وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (النحل: 61، فاطر: 45)). لقد فضل الله بني إسرائيل عن العالمين (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وكان (البقرة: 47 و 122))، وما زال الله حليما في تعامله معهم حتى وقتنا الحاضر، رغم معاداتهم لجبريل عليه السلام لانه نزل بالديانة الإسلامية والقرآن الكريم على محمد بن عبد الله ﷺ لانه عربيا وليس من بني إسرائيل كما كانوا يتوقعون (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة: 97)).
كما عادوا الله (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (المائدة:64))، وملائكته ورسله وبالخصوص جبريل كما اسلفنا وميكال لانه ملك الرزق، لا يريدون أن يرزق الله أحد غيرهم من غير جلدتهَم (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (البقرة: 98)). نعم، عادوا الله وجبريل بإعتراضهم على نبوة محمد ﷺ وعلى ميكال لتوزيع رزق الله على غيرهم. ولم يتجرأوا بالإعتراض على ملك الموت لانه يقبض أرواحهم (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (السجدة:11)). بالتأكيد لا يحق لنا الإعتراض على امر الله كقولنا مثلا: لماذا لم ينزل الله عقابه في بني إسرائيل منذ سنين واجل عقابهم في الدنيا حتى يقرب وعد الآخرة (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـَٔلُونَ، وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (الانبياء: 23، الإسراء: 104)). وربما يريد الله بعد ان شتتهم في جميع بقاع الأرض يجمعهم في فلسطين ليسهل عقاب الله منهم عن طريق عباد الله الجبارين ( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (المائدة: 22)).