د.حسام العتوم
في الحرب الأوكرانية الدائرة رحاها الآن ومنذ تاريخ 24 شباط 2022، وحتى قبل ذلك يبحث الرأي العام عن شخصية رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين الذي أذهل العالم بقوة شخصيته ونهوضه في بلاده في السلم وفي الحرب، وفي الحروب السابقة والأزمات المحلية والاقليمية والدولية، فمن هو بوتين، وكيف صعد للسلطة، وإلى أين هو ذاهب ببلاده ؟ وماذا يخطط العالم لروسيا القطب والدولة العظمى؟
والمعروف هو أن بوتين ولد عام 1952، وقصة ولادته في مدينة ليننغراد التي أصبح اسمها (سانت بيتر بورغ) تمتد إلى نهايات الحرب العالمية الثانية 4145 عندما عثر والده (فلاديميروفيج) على والدته (ماريا) وسط عربة ناقلة لجثث وجرحى الحرب، وعاش بداية حياة الانسان البسيط والفقير، ولم يكن يوماً ثرياً، ودرس القانون في ليننغراد، وعمل في سلك جهاز مخابرات بلادة (KGB) سراً في المانيا الشرقية في مدينة دريزدن، ثم علناً في روسيا حتى تاريخ عام 1991، وتدرج في الأمن الداخلي إلى رتبة مدير جهاز المخابرات الـ (FCB)، وعمل قبل ذلك في ديوان الرئاسة في موسكو برتبة نائب ونائب أول بحكم طبيعة عمله، وعمل رئيساً للوزراء، وقائماً بأعمال رئيس البلاد عام 1999، وأصبح رئيساً لروسيا منذ عام 2000 وحتى الآن لحاجة روسيا إليه، ونقل الفترات الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنوات، وفي عام 2024 المقبل سيتم تصفير الدستور، أي عدم حسبة المدد الزمنية السابقة ليستمر في الحكم ان رغب بذلك حتى عام 2036، بسبب اكتشاف روسيا عدم وجود بديلاً له حتى الساعة.
وعُرف بوتين بالوطني والقومي حتى النخاع، ولم يبحث عن الثراء الشخصي يوماً رغم تعرضه لحملة مغرضة من معارضيه، وفي مقدمتهم المعارض السجين منذ عام 2021 اليكسي نافالني، وهو من قبل بموضوع اقليم “الاسكا” ولم يعترض عليه بسبب عملية البيع والشراء، وبحكم ما تمتلكه روسيا من مساحةً جغرافية شاسعة أكثر من 18 مليون كلم²، لكنه لم يقبل التطاول على سيادة بلاده روسيا عبر أوكرانيا، ورفض التفاوض مع اليابان على جزر ” الكوريل ” التي سيطر عليهن الاتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بعد اعتداء اليابان عليه، ورفض بوتين قبول صورة اعتداء نظام ” كييف ” على المواطنين الآمنين الروس والأوكران الناطقين باللغة الروسية منذ انقلاب عام 2014 في الاقاليم الأوكرانية الخمسة التي دخلت السيادة الروسية طوعاً مؤخراً عبر صناديق الاقتراع والرقابة الدولية والحماية الروسية العسكرية والأمنية مثل (لوغانسك، ودونيتسك ” الدونباس “، وزاباروجا، وجانب من خيرسون) إلى جانب سيطرة جديدة على منطقتي” سوليدار وباخموت” على مشارف العاصمة ” كييف” .
والحس الأمني عند بوتين عالي الشأن كما هو ملاحظ، فلقد التقط اشارة المؤامرة الغربية على بلاده روسيا مبكراً وحلل جهاز مخابرات بلاده الداخلي والخارجي على ما يبدو ” شيفرة ” الحرب الأوكرانية التي اختارها الغرب لـ ( كييف ) بعد اقناعهم برفض الحوار مع موسكو مباشرة وعبر اتفاقية ” مينسك”، ويواجه الرئيس بوتين وقيادة بلاده تصعيداً للحرب من جانب الغرب بعد التغرير برئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، وابقائه غارقاً في مستنقع الحرب المدمرة لبلاده أوكرانيا، وترسيخ مشروع جديد داخل غرب أوكرانيا يدفع بإتجاه نشر مصانع عسكرية بالتعاون مع الغرب لضمانة ديمومة الحرب وليس بهدف التخفيف على ” كييف ” لكي لا تستمر بإستجداء الغرب بحثاً عن السلاح والمال، والقيادة الروسية بقيادة بوتين وأجهزتهم اللوجستية هي من اكتشفت خيوط نشر مراكز بيولوجية أمريكية ضارة بالتجمعات البشرية السلافية والسوفيتية والروسية، والتأسيس لصناعة قنبلة نووية تهدف للضغط على ” موسكو ” لتقبل بشروط ” كييف ” الخارجة عن المنطق الروسي، والشروع بصناعة قنبلة نووية منخفضة القوة أيضا للمضي بإستنزاف روسيا، والتطاول على مشروع الغاز ” نورد ستريم 2″، وتفجير جسر القرم، واغتيال الصحفية الروسية داريا غودينا .
ويبدو أن موديل العملية العسكرية الروسية الخاصة الإستباقية الدفاعية التحريرية غير الاحتلالية التي هندستها القيادة العسكرية الروسية بقيادة بوتين لم ترق للغرب، وحولوها إلى احتلالية، وحول الغرب تعاطفه مع استقلال أوكرانيا عام 1991 إلى استعمار في المقابل، واقنع الغرب نفسه وحلف ” الناتو ” المعادي بضرورة غزو روسيا عبر الأراضي الأوكرانية بالوكالة، وأصبحنا نرى أصدقاء روسيا أعداء لها، فلقد كان الرئيس الفرنسي ماكرون صديقاً لروسيا، وكانت مستشارة المانيا ميركل وشولتز الحالي صديقان أيضاً، وفي ” جنيف ” كان الرئيس جو بايدن يوزع ابتساماته على الرئيس فلاديمير بوتين، فكيف أصبح موقف بايدن من العملية الحرب بعد ذلك وحتى الآن؟ دعونا نتأمل! وقابل المعادلة هذه حرص روسي تقدمه الرئيس بوتين على الحوار حتى في زمن الحرب، ونجاحات روسية عسكرية على الأرض ووسط ميدان المعركة ملاحظة وبقوة، ودخول دبابة (آرماتا 15) الروسية الحديثة متعددة الاستخدامات للخدمة في ميدان الحرب، وزمام العملية العسكرية الروسية غدت بيد وزارة الدفاع الروسية في موسكو مباشرة، وتفوق يسهل رؤيته لقوات ” فاغنر ” الأمنية الروسية، وللقوات الشيشانية الخاصة المقاتلة والحاصلة على المرتبة الأولى على مستوى العالم، والجميع في بلاد الروس والسوفييت يقرون بأن زيلينسكي وقع طعماً لسنارة الغرب، وتم غرسه في وحل حرب لن يخرج منها سالماً وبلاده أوكرانيا، وكلما طالت الحرب، كلما اشتدت قساوة على الأوكران في العاصمة ” كييف ” .
ولقد اختار الغرب (البراباغندا) المبرمجة لمواجهة روسيا لكي لا تنتصر، ولكي لا تنهض أكثر، لكنها انتصرت حتى لو لم تنتهي الحرب، وتنهض اقتصادياً وعسكرياً رغم الحرب، وتوطين ” الناتو ” في الاراضي الأوكرانية جنوب روسيا أصبح مستحيلاً، وروسيا فوق النووية تعرف ماذا تقول، والعالم بالنسبة لروسيا ليس الغرب، ولا القطب الواحد، وانما الاقطاب المتعددة، المتوازنة، والمتعاونة، والداعية للسلام من أجل التنمية الشاملة للبشرية جمعاء، وعندما عرضت روسيا بوتين على أمريكا عام 2000 دخول ” الناتو ” انما قصدت وبنوايا طيبة اسدال الستارة على الحرب الباردة وسباق التسلح، وليتعافى العالم من الأزمات والحروب، واستيراد أوكرانيا الغربية للسلاح الغربي لا يصنع لها النصر، بل يضع السلاح الغربي كله تحت مرمى الجيش الروسي، وهو الأمر الذي دفع بالغرب لكي يتردد بتزويد ” كييف ” بسلاح صاروخي بعيد المدى أو بطائرات (اف 16)، وهجوم روسي عسكري جديد نشط.