د. علي منعم القضاة
انجاز :القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، بعد عزوفي فترة عن الكتابة، أعود لكم كي نتذاكر سويا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
من هم المؤثرون؟
يعدُ الحديث عن موضوع من يسمون أنفسهم (مؤثرين)، حديثاً آنياً وهاماً في الأوسط الإعلامية؛ ولا شك أننا نعيش في عالمٍ يشهدُ ثورة تكنولوجية فائقة جداً، ومذهلة جداً على كافة الصُعُد، ومنها ما أحدثته هذه التكنولوجيا من ضجة عظيمة في أوساط الإعلام،والإعلاميين بسبب اختراع(Tim Berners lee)(تيم بيرنرز لي) لشبكة الإنترنت، وجعلها مشاعاً لجميع الناس عام (1992). الشبكة التي أصبحت فيما بعد من ضرورات الحياة اليومية للحياة في المجتمعات العصرية،وغدا التعامل فيهاحتمياً على كل البشر، بصرف النظر عن تعدد لغاتهم، وتنوع ثقافاتهم، وتباين دياناتهم،وبعد المسافات فيما بينهم،….
ابتداءً يجب على من يطلقون هذه التسميات، والمسميات دون فهم حقيقي لمكنوناتها؛أن يعرفوا للناس هذه التسميات، والمسميات الحقيقية، أو أن يكونوا على وعي تام، ولديهم الإجابة الواضحة لعدة تساؤلات، من أبرزها: ما هو الأثر؟، وتعريف كيف تجري دراسات الأثر؟، وكذلك بيان صفات هؤلاء (المؤثرين)؟!،وتوضيح الآثار التي تركها هؤلاء (المؤثرين)في مجتمعاتهم؟!، وفي المعرفة الإنسانية؟!،وما مدى أهمية وجودهم في المجتمعات التي يُقال بأنهم مؤثرين فيها؟!،وما هي مجالات التأثير التي يدعون – باطلاً- أنهم مؤثرون فيها؟!، وأخيراً؛ ربما التساؤل الأقل أهمية؛ كم هي أعمار هؤلاء حتى أصبحوا مؤثرين في مجتمعاتهم؟!.
وسيلة الاتصالالوحيدة
حولّت شبكة الإنترنت كل وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية، واختزلتها في وسيلة اتصال شخصية واحدة ومباشرة؛ فلم يعد الشخص يحتاج إلى جهاز تلفزيون، ولا محطة إذاعة، ولا صحيفة ورقية؛ كي يقرأ بها آخر المستجدات، ولا حتى سينما ليشاهد ما يفضل من أفلام، ولا تحتاج أيضاً إلى أوقات إضافية بعدالدوام؛ لتذهب إلى إحدى المكتبات العامة؛ لقراءة كتاباً مختلفاً تجد فيه ضالتك العلمية أو الثقافية، كل هذا أصبح في متناول اليد، وبإمكانك الحصول عليه من شاشة هاتفك الذكي (Smart Phone). وإن النظرة المستقبلية لها تقول: إن الجمهور مع مرور الزمن سيتوجه إلى الإنترنت للحصول على الأخبار والمعلومات والإعلانات ومصادر المعرفة المختلفة متخلياً عن الوسائل الأخرى.
أسمع جعجعة ولا أرى طِحْنَاً
أقول وفي ضوء دراستي للواقع، والاطلاع على من يسمونهم بالمؤثرين، والذين لا يحمل معظمهم أي صفة تجعل منهم قدوة، وليس لديهم حجة، ولا منطق يتحدثون به في المجتمعات، وكل ما يقومون به عبارة عن تصرفات هوجاء تخالف قيم وأعراف وعادات المجتمعات الأصلية، يجدون من حولهم مجموعة من النفعيين، يسمون أنفسهم (إعلاميين)؛ والإعلام منهم بريء كبراءة الذئب من دم سيدنا يوسف عليه السلام!!، وأظن أن كثيراً منهم قد خرجوا عن قيم ومعتقدات المجتمعات، مدفوعين بغباءٍ منهم؛ من قبل أناسٍ من خلف الكواليس يعرفون ما يريدون من مجتمعاتنا؛ أهدافهم مدروسة، وخططهم واضحة المعالم؛ نحو أشياءَ يقوموا بها، وتُثار حولها ضجة إعلامية، ليغطوا على عقدة نقص لديهم، ويشعروهم بأنهم مؤثرين وهم لا وجود حقيقي لهم في المجتمعات، ولا أثَرْ. المؤثرون في المجتمعات يجب أن يكونوا أشخاصاً لهم مكانتهم وعندهم تاريخ معروفٌ وواضحٌ للجميع، في مختلف المجالات: (اجتماعية، سياسية، علمية، طبية، ثقافية، دينية، إعلامية، تربوية،…). نعم إنني أجزم بأننا جميعاً نسمع جعجعة، ولا نرى لمعظم هؤلاء (المؤثرين) من أثرٍ إيجابي في حياة الناس.
فلنتوقف ملياً
ولذلك كله أعتقد أننا يجب أن نتوقف ملياً عند من نسميهم: مؤثرين، أو إعلاميين، أو ناشطين اجتماعياً؛ لأن أي شخص لا عمل له يمكن أن يقضي سحابة يومه على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تطبيقات الاتصال، يبث أشياءَ لا علاقة لها بالواقع، ولا بالأخلاق، وينطبق عليها المثل القائل: (مهارةٌ لا تفيد أحداً).
ولذلك فإن الباحث في نوعيات الأشخاص المُتأثرين بمن يطلقون على أنفسهم (مؤثرين)، سيجد معظم المعجبين والمتابعين لهم من الفارغين ثقافياً واجتماعياً وربما أخلاقياً، ولن تجد أي قامة علمية، أو إعلامية، أو ثقافية، أو اجتماعية، تقتدي بهم، أو حتى تسمع لهم. ومما يزيد الطين بِلَةً أن إعلام الحكومات الرسمي في معظم حكومات العالم الثالث يشجعهم؛ لأنه إعلام لا يسير على بصيرة ولا على هدى، ودون خطط حقيقية، ولا يعرف استراتيجية؛ بل ربما تسأل معظم وزراء الإعلام في العالم العربي، -من غير المهنيين- عن الاستراتيجية فلا يعرف معناها، أو تفسيرها!!.
نخلص إلى القول؛ إنه يجب التوقف ملياً حول إطلاق المسميات، مؤثرين، أو إعلاميين، أو ناشطين اجتماعيين.