د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سوياً في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
شبكات التواصل الاجتماعي كنظام اجتماعي
تثير شبكة الانترنت نقاشات وحوارات كثيرة ومتعددة لدى العاملين في الوسط الإعلامي والعلمي والأخلاقي؛ نظراً لمميزاتها المنفردة في عالم الاتصال، إذ تُعدُ مصدراً مهماً من مصادر الأخبار والمعلومات والعلم والمعرفة العالمية؛ وبكل تأكيد يستطيع الشخص من خلالها أن يصل إلى مواقع لا أخلاقية، وإباحية، ومتطرفة فكرياً، ومعرفياً، حيث توفر الانترنت غزارة في المعلومات نسميه علمياً بالعمق المعرفي، في شتى المجالات.
ومما يبرز خطورة شبكات التواصل الاجتماعي، رغم فوائدها التي لا تحصى، فقد ساعدت في وسهلت عملية الفهم الاجتماعي لبيئات، أو شعوب بعيدة جغرافياً، ومتباينة ثقافياً. لكن المؤسسة الإعلامية تعدُ في وقتنا الحاضر تعدُ أبرز، بل وأهم مؤسسات البناء الاجتماعي، فهي تتسابق في تنشئة الأجيال؛ مع الأسرة والمدرسة كمؤسسات بناء اجتماعي، وهي تتفوق عليهما في كثير من الأحيان، نظراً لتراجع دور الأسرة والمدرسة في الحياة الاجتماعية، ومن هنا يمكننا معرفة الخطورة الكبرى لوجودها في المجتمعات، والتي تتوازى مع الأهمية الكبيرة للمؤسسة الإعلامية – شبكات التواصل الاجتماعي – في أي مجتمع، والتي أصبحت دون منازع المؤسسة الاجتماعية الأكثر تأثيراً في المجتمعات، فالإعلام هو نظام اجتماعي، وهو حاجة اجتماعية تعكسُ، خبراتٍ مختلفةً، ومتنوعةً، وهو الخيط الذي نحبِكُ بمضمون وسائله المختلفة نسيج المجتمع، ومن خلاله يصبح المجتمع مترابطاً.
ولذلك فإن الشخصية الإنسانية تعبر نتاجاً للتفاعل الاجتماعي، بين مكونات ومؤسسات البناء الاجتماعي؛ والحال نفسه ينطبق على المجتمعات الافتراضية التي أصبح من خلالها بعض الناس يسمون أنفسهم ب”المؤثرين” من خلال تفاعلهم رقمياً عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
الإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي
خطورة الإدمان واحدة
زيد خطورةً استخدام منصات التواصل وتطبيقات الاتصال، أن الشخص الذي يتعامل معها يعتمد على نفسه مباشرة لإشباع رغباته واحتياجاته بالاتصال مع من يريد، والتفاعل مع كل العالم، سواء أعرف الطرف المقابل أم لم يعرف، متجاوزاً كل أنواع الحدود، الجغرافية، والسياسية، والثقافية، والدينية، واللغوية، حيث الحرية المطلقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وسرعة الحصول على المعلومة فاقت سرعة الضوء في إرسال واستقبال المعلومة.
وبالمقابل فإن شبكة الانترنت – مواقع التواصل الاجتماعي- تزخر بالعديد من المواقع، التي تديرها جهات حريصة على تدمير منظومة الأخلاق العالمية، وتنفق في سبيل ذلك بسخاء، لتدمير إحدى أهم مؤسسات البناء الاجتماعي في العصر الحديث، ألا وهي المؤسسة الإعلامية، وتجعل التعامل معها من أسهل الأمور في حياة البشر، وخاصة المواقع التي تبث أفكاراً منحرفة، أو أفكاراً متطرفة، أو إباحية تجرف الشباب، والمراهقين، وحتى كبار السن من الجنسين وتجعل منهم مدمنين.
اللي شبكنا يخلصنا
هذه الثقافة الإلكترونية تزامنت مع مخاطر كبيرة، وقد تسببت بنوع من التفكك الاجتماعي، إذ يقضي معها كثيرٌ من الناس دون رقيب، أو حسيب، أو معاونة أحد، أوقاتاً لا يقضيها في أي عملٍ آخر؛ وتسببت بما يمكن تسميته بظاهرة الادمان على شبكات التواصل، وتطبيقات الاتصال؛ حيث يقوم الشّخص المدمن للإنترنت باستخدامها بشكلٍ مفرطٍ يوميٍّاً؛ استخدام يتعارض مع حياته اليوميّة ومع الواجبات والوظائف التي عليه القيام بها، ويسيطر هذا الإدمان أحياناً كثيرة سيطرةً كاملةً على حياة المدمن، ويجعل الإنترنت وعالمه أهمّ عند المدمن من العائلة، والأصدقاء، والعمل، ويؤثّر سلباً عليه، ويخلق عنده نوعاً من التّوتّر والقلق. وعلى رأي عبد الحليم حافظ اللي شبكنا يخلصنا، ولا يخلص المجتمعات الحالية من مخاطر شبكات التواصل، إلا عصفور الحب بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة المراد حرمانها من التواصل، أو قرار تصدره جهة لا ترغب الناس بالتواصل بحرية في أمور تزعجها، قطع التيار الكهربائي ربما هو الفرصة الوحيدة التي أصبحت تجمع عديد العائلات في مجتمعاتنا.