سعيد الصالحي
انقطعت الكهرباء على حين غرة، وكذلك لم أجد قطرة ماء واحدة في صنبور المياه، ولأني متأكد من أنني قد أديت فروضي ودفعت ما علي، أدركت أن الانقطاع نتيجة عطل فني، وقبل أن أتصل على خدمة الجمهور في شركة المياه أو الكهرباء، اندفعت نحو هاتفي كالمجنون لاتصل على من يقبض بيده على خدمات البناية -حارسنا المبجل- وبعد عدة رنات جاء صوته الرخيم عبر الأثير، وبعد السلامات والتحيات سألته عن سبب انقطاع الماء والكهرباء دفعة واحدة، فطمأنني بألا أقلق وانه سيكتشف المشكلة وسيحلها في غضون دقائق، لأنه حريص على حراسة البناية وسلامة مقدراتها في كل الظروف، وهو يعرف واجبه تماما.
جلست لعدة دقائق انتظر عودة النور وعودة الحياة إلى الصنبور لكنهما لم يأتيا بعد، عاودت الاتصال على حارسنا اللبيب، لكنه هذه المرة لم يرد، وكعادتي افترضت حسن النية، قلت في نفسي ربما كان مشغولا في حل مشكلتي المعقدة، فوقفت على شرفة المنزل لأدخن سيجارة تعنيني على الصبر وحرق دقائق الانتظار، فوجدت الحارس في الشارع يغسل إحدى السيارات، فناديت عليه فالتفت إلي وأشار لي بيده بأن أنتظر قليلا ريثما ينهي مهمته، فأشرت بيدي له أن يستعجل، فأومأ برأسه وعاد ليكمل غسيل السيارة.
مرت الساعات وحارسنا يفعل كل شيء إلا حراستنا وحل مشكلتي، فقررت أن أتصرف بنفسي وأن أحل مشاكلي لوحدي، فنزلت إلى حيث ساعة الكهرباء وعلى الفور عرفت عداد شقتي لأنه القابس الوحيد الذي كان يعاكس الآخرين، رفعته إلى الأعلى ثم عدت إلى الأعلى فصعدت المياه والكهرباء إلى الأعلى وعادت الحياة إلى طبيعتها.
هذه المغامرة التي عشتها لعدة ساعات يعيشها الكثير منا كل يوم، فمهنة الحراسة لم نكن نعرفها فيما مضى إلا في الأفلام والمسلسلات المصرية، وكانت الشخصية النمطية لبواب العمارة أشبه بالشخصية الكاركتيرية أو التكميلية للمشهد، فما بالها اليوم قد أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، والسؤال الذي يطاردني دائما هل نحن بحاجة حقيقية لهذه المهنة في بناياتنا؟ أم أنها أصبحت مظهرا استهلاكيا آخر من المظاهر التي باتت تتحكم وتسيطر على حياتنا؟
فإن كانت هذه المهنة حاجة ملحة ومطلبا لحياتنا، فلماذا لا نستغلها لحل مشاكل البطالة وتأمين السكن لابناء الوطن؟ هؤلاء الابناء الذين لا يستحون من العمل الشريف واللقمة الناتجة من عرق الجبين، وكذلك لو نظرنا إلى عدد الاعمال التي يقوم بها الحارس لعجبنا من مواهبه المتعددة، فهو حارس، ويغسل السيارات، وسمسار شقق وعقارات، وخبير في خدمات الصيانة، ويعمل في خدمات التوصيل، والاهم من هذا وذاك أنه يعرف كل شيء عنا وربما يعرف كل ما يدور في الحي، كيف لا وهو العين الساهرة. وهو من يقرر لمن ومتى سيورث منصبه، فيعين خليفته القادر على دفع ثمن المنصب عندما يقرر حارس بناياتنا الرحيل.
وأن كان الامر يسير على هذه الشاكلة، فلماذا تترك مهنة الحراسة في البنايات بدون تنظيم من أصحاب الشأن في أجهزة الدولة؟ ولماذا لا يتم حصر هذه المهنة بابناء البلد؟ فالمواطن اليوم في بلادنا يتقبل كل أنواع العمل، وأنا هنا أتحدث عن المواطن الحقيقي والطبيعي وليس ذلك الشخص الذي لن يعمل شيئا وحتى ولو منحته أعظم عمل في الدنيا، فنحن لسنا بحاجة إلى عمدة للحراس لحل مشاكلهم وصراعاتهم المتعلقة بأماكن النفوذ والتلاعب بالأجور، وإن كان لا بد من وجود شخصية كتلك الشخصية فلماذا لا يتم تعيينها من البلدية أو الأمانة؟ أو لماذا لا نقوم بانتخابها بدل أن يتم اختيارها من قبل الحراس بطريقة أكثر سرية من طقوس المحافل الماسونية؟
في معظن عمارات بلادنا الحديثة شقة صغيرة للحارس يسكنها دون أجرة، أليس من العدل والرأفة أن يسكن هذه الشقق الصغيرة ابناء بلادنا الذين لا يجدون عملا وترهقهم الايجارات؟ فكم من مسكن مجاني وفرصة عمل سنؤمنها لابنائنا بالاضافة إلى الدخل الجيد الذي توفره، فدعونا نفكر لمرة واحدة بأن الشغل ليس عيبا وان الحلول الكبيرة متوفرة دائما ولكنها تتستر وراء قشة.
دمتم بخير والله يسترني من حارس عمارتنا.