عدنان نصار
ابتداء، نسجل التقدير الكبير لدولة جنوب أفريقيا التي قدمت نموذجا بتقديم شكوى ضد “اسرائيل” بما ارتكبته من مجازر صهيونية فظيعة بحق أبناء قطاع غزة في أعقاب السابع من أكتوبر..،خطوة جنوب أفريقيا ، عجزت عنها الدول العربية مجتمعة ، التي من الممكن أن تقدم على ذات الخطوة في الشهر الأول من العدوان الصهيوني المجرم ..لكن (!!!).
المتتبع لرد الاحتلال الاسرائيلي في جلسة محكمة العدل الدولية صباح الجمعة بتوقيت غرينتش ، يسمع ويشاهد حجم الكذب المذهل الذي مارسه وكيل “اسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية ، الذي قدم نماذج من الكذب الفاضح والصارخ في محاولة منه الدفاع المستميت عن استعار الاحتلال الاسرائيلي المجرم ..
الكذب الاسرائيلي ، لم يتوقف عند حدود المنطق السيكولوجي او العقل البشري الأممي الذي يدرك جيدا في غالبيته العظمى ان “اسرائيل” ووكيلها في محكمة العدل الدولية ،يمارس بفجاجة وغباء كذب صارخ واتهامات للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر ، بانهم اغتصبوا نساء ، وقطعوا اثداءهن أثناء المضاجعة وفق توصيف وكيل اسرائيل ، وحرقوا الأطفال والرضع أمام امين ذويهم ..وأشياء أخرى لا يمكن لأي عاقل او ممتلك لذرة عقل بشري ان يصدق هذه الاتهامات ، أو يقتنع للحظة ان عناصر المقاومة الفلسطينية قد ارتكبت مثل هذه الأفعال.!!
اثق تماما ، ان المجتمع الاسرائيلي نفسه ،لا يصدق هذه الروايات ، ولا حتى وكيل اسرائيل في محكمة العدل ..واذهب إلى أبعد من ذلك :حتى وزراء حكومة الحرب الصهيوني أنفسهم لا يصدقون هذه الأفعال ، ويدركون جيدا انهم يكذبون بشكل مهين لذاتهم افرغتهم من ما تبقى من محتوى الكرامة في مجالس الصدق الدولي ..، وبنفس القدر من الإهانة لذاتهم ، يمارسون “المسكنة” والتوسل بشكل لا يخلو من محاولة اكتساب استعطاف دولي أيضا بشكل مهين ومذل.
ما قدمه وكيل “اسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية ، صباح الجمعة الفائت ، تعدى مواصفات الكذب إلى “الذل” ، وتخطى مسار السياسة إلى “المهانة” ، وقفز وكيل “آسرائيل” والناطق بإسمها في العدل الدولية ، في الهواء في محاولة بائسة ويائسة لإستدراج التعاطف العالمي ، رغم معرفة هذا العالم وفي مقدمتها أميركا راعية القتل والدمار في المنطقة برمتها ، ان “اسرائيل ” تكذب بشكل فج ووقح ، غير أن جزء من هذا العالم الداعم لاراقة الدماء في قطاع غزة ، يفتقر إلى الأخلاق السياسية ، كما يفتقر إلى العدالة الدولية .
في علم النفس ، يمكن توصيف من كتب المرافعة الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية ،بأنه خارج إطار الإدراك الذهني ، ومصاب بحالة مرضية :”الشيزوفرانيا” /إنفصام الشخصية ، وهو اقل ما يمكن وصفه بهذا الوصف ، لافتقار مرافعته لأي صدقية يمكن أن تمر على العقل البشري ..أمام هذا الكذب ، يطل علينا رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو بتصريحات ممجوجة وكاذبة وهزيلة بوصفه ان جيش الاحتلال هو “الجيش الأكثر أخلاقية” في العالم ، وهو وصف بطبيعة الحال يضع نتنياهو أمام حالة مرضية فريدة ومستعصية ربما تتخطى مرحلة “الشيزوفرانيا” إلى ما هو أخطر من أي حالة مرضية عرفها قاموس الأمراض النفسية .
لا جدبد من كذب في المرافعة الهزيلة التي تدل على الهزيمة الاخلاقية والإنسانية عند الاحتلال وساسته وجيشه ، وهي بالطبع هزيمة تندرج في خانة المهانة والذل التي دللت عليها مفردات المرافعة الفاقدة للصدق وأخلاق “الدول” وكرامتها ..فالمرافعة اصلا لم تقدم جديد ، بل كانت تكرار لجملة تصريحات كاذبة مارسها بنيامين نتنياهو في اعقاب السابع من أكتوبر من كلام ممجوج وكاذب .
الصعوبة التي تواجهها “اسرائيل” تضعهم لأول مرة في قفص الاتهام ، وتوسع دائرة عزلتهم الدولية ، وتحكم السيطرة على المأزق الذي يعاني منه الاحتلال ، إذ لأول مرة منذ إقامة الدولة العبرية على أرض فلسطين العربية تجد “اسرائيل” نفسها أمام مسائلة قانونية دولية ، وهذا الأمر يخيف الدولة العبرية بصرف النظر عن قرار المحكمة النهائي .
جنوب أفريقيا ، وضعت العالم برمته على محك العدالة الدولية ، وخطوة جنوب أفريقيا تقع في خانة الواجب الدولي الاخلاقي والانساني ، بعد أن عانت هي نفسها من أفعال مماثلة عند اتباع جنوب أفريقيا سياسة الفصل العنصري التي قاد النضال ضدها على مدى نصف قرن الثائر العادل نيلسون مانديلا الذي أمضى ثلث عمره في سجون الفصل العنصري .
هذا التحريك القضائي الدولي ضد “اسرائيل ” على يد دولة جنوب أفريقيا ، لم تستثمره الدول العربية والاسلامية بما يتفق مع حجم الجريمة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني عموما ،وقطاع غزة على وجه الخصوص ..كنا نظن ان تحريك القضية الدولية قد تحرج دول غربية واسلامية ، وتدخل في منازلة المعركة القضائية لتساند دولة جنوب أفريقيا ، بشكل أقوى مما هو عليه الآن ، وبقوة عربية وإسلامية تقدم أدلتها ضد إسرائيل وما ترتكبه من جرائم ابادة جماعية ..غير أن مجريات المحاكمة حتى اللحظة لم تجد مساندة عربية و إسلامية ، كافية لتضييق الخناق على الاحتلال في معركة قضائية دولية .
“اسرائيل” التي كانت “مرعبة” اصبحت مرعوبة ، بعد أن سقط قناع قوتها في قطاع غزة ،الذي كشف ان الاحتلال عبارة عن “دولة ورقية” قابلة للكنس لو توحدت الارادة العربية الرسمية ، ووجدت العزيمة السياسية السيادية لذلك..، وهذه واحدة من الحقائق الموجعة للوجدان السياسي الشعبي العربي ، الذي يعاني منذ 75 عاما من البروباغندا الاعلامية الغربية وبعضها عربية ، سوقت الاحتلال على أنه “جيش لا يقهر ” .!!
ننتظر المحاكمة الدولية لمجرمي الحرب والابادة الجماعية في قطاع غزة..، ونوجه التحية والاكبار لدولة جنوب افريقيا الصديقة المساندة للوجدان الإنساني والمناصرة للعدل الأممي..جنوب أفريقيا التي نكأت الجرح الرسمي العربي ، وفقأت العيون الوقحة .!!
كاتب وصحفي اردني..