د.منصور محمد الهزايمة
حدود وألغام
د.منصور محمد الهزايمة
يبدو أن الألغام التي زرعت بحنكة في كل حدودنا العربية ما زالت مرشحة للانفجار في وجهنا في كل لحظة لكن بعضها تم نزعه بحكمة والبعض الاخر ضرب فأشعل حربا كانت لها ضحايا وما زال كثيرٌ منها مختبئا في مكانه يترصد بنا إلى حين.
بين الحين والأخر تنفجر ألغام خلافاتنا الحدودية دون سابق إنذار ليتضح لنا أن هذه الحدود ومشاكلها تتقدم على همومنا وخلافتنا بل وأمننا القومي والاقتصادي والإجتماعي.
الخلاف المصري السعودي حول جزر تيران وصنافير بقي خامدا طوال عقود إلى أن خرج من قمقمه مما يعني أننا ما زلنا نجلس على فوهة البركان.
لو تأملنا الخريطة العربية ومنذ نشأة الدولة القطرية بقرارات التقسيم بين القوى الاستعمارية لوجدنا أنه يقبع في الحد بين كل دولتين جارتين مشروع نزاع قابل للاستثمار لا يعلم مداه الا الله.
وبالتدقيق في أطراف الخريطة سنجد أن الاقتطاع وحب الهيمنة على هذه الامة يقع في جميع الجهات ومن شتى الأطراف من اسبانيا غربا إلى إيران شرقا ومن تركيا شمالا إلى خلافات السودان مع توأمه الوليد جنوبا.
يثير الخلاف المصري أهمية خاصة لإنه يقع بين دولتين عربيين كبيرتين مساحةً وسكاناً يضمان معا نسبة كبيرة من الشعب العربي وهو ما انعكس سلبا في علاقات الشعبين وتراشق التهم علنا وفي جميع وسائل التواصل مما زاد الاحتقان على مستوى الامة.
العربية السعودية لها عدد كبير من الجيران وكانت لها خلافات حدودية في جميع الاتجاهات مع كل الأشقاء الخليجيين ومع اليمن والأردن والعراق بل ومع إيران حول هوية الخليج لكن الدولة السعودية وعبر عقود استطاعت أن تنزع فتيل أكثرها عبر التفاوض الثنائي ولم ينفجر أي منها علنا الا مع قطر في اشتباك محدود وقع عام 1992 ما سمي وقتها بحادثة الخفوس.
مصر بدورها لا زالت حدودها خاصة مع الجار السوداني في الجنوب عرضة للتنازع حول منطقتي شلاتين وحلايب.
ما يثير الاهتمام في الخلاف السعودي المصري أنه يبدو كخلاف مصري داخلي أكثر منه خلاف حدودي ويطغى التناقض بين مؤسسات الدولة المصرية القضائية والسيادية والتشريعية على كل شأن أخر.
تكمن أهم مشكلات الأمة أنها لم تستطع أن تنشىء مؤسسات قومية قانونية على غرار الدولية يمكن أن تنزع فتيل الأزمات بين العرب وبطبيعة الحال لا يمكن أن توجد مثل هذه المنظمات تأسيسا على حالة الفرقة والاستبداد التي تعيشها الأمة.
بناءً عليه لم يعد بمقدورنا حال الوصول إلى الطريق المسدود بإنغلاق أفاق الحل الثنائي أو الوساطات في مثل هذه القضايا غير اللجوء إلى التحكيم الدولي.
في هذا الإطار لدينا تجارب سابقة كان أبرزها خلافا ليبيا تونسيا لكنه تراجع الى حل ثنائي بالتوافق على استغلال منطقة النزاع بالتساوي ولا شك أننا نرحب بالحل التوافقي الذي يراعي مصالح الأمة.
امّا أهم مثال لإختيار التحكيم الدولي فقد كان النزاع بين قطر والبحرين حول جزر صغيرة بينهما كاد أن يتطور إلى نزاع مسلح وقد وصلت الوساطات وقتها إلى طريق مسدود لتقوم الحكومة القطرية منفردة بنقل النزاع إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي واستمرت المداولات وتقديم الوثاق لست سنوات ليصدر قرارا بعد ذلك بأشهر (2001) يرحب به الطرفان بل تعلن دولة قطر إجازة رسمية احتفاءً به ويطرح البلدان الخلاف وراء الظهر ويزور أمير قطر المنامة ليبحث أفاق المستقبل.
في غياب المؤسسات العربية القادرة وانسداد الأفاق بالتوصل لأي حل ما المانع أن يكون النموذج السابق مثلا يحتذى بين العرب بحيث نجنب شعوبنا الخلافات الحادة والمماحكات والتراشق الإعلامي غير المسئول؟
الدوحة – قطر