د.حسام العتوم
منذ يوم الأثنين من شهر نيسان 2024 ، و عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق و تسببت في مقتل العميد محمد زاهدي قائد العمليات العسكرية الإيرانية في سوريا و لبنان و ستة أخرون ، توعدت ايران بالرد القاسي في الوقت المناسب كعادتها في مثل هكذا حوادث اغتيالات إسرائيلية لرموز ايرانية ، و لقد سجل تاريخ الصراع الخفي الإسرائيلي – الأيراني قائمة من الاغتيالات الإسرائيلية لشخصيات ايرانية هامة مثل ( قاسم سليماني ، و مسعود علي محمدي ، و مجيد شهرياري ، و داريوش نجاد ، وحسن مقدم ، و ممصطفى روشان ، و محسن زاده ، و صياد خدايي ، و رضى موسوي ، و محمد رحيمي ، و غيرهم كثر .
شخصيا و كما أعتقد بأنه ليس في صالح ايران الرد بقسوة على إسرائيل الشريرة ، و لا حتى مجرد الرد لإرضاء الشارع الإيراني المطالب بالرد لسبب عاطفي أو وطني أو قومي أو أيدولوجي . و ايران ليست دولة بريئة في المقابل و نراها تزود منطقتنا العربية بالسلاح و تحرض على تحريك الشارع العربي و تترك للعرب قرار الحرب ذات الوقت ،و تبتعد خطوات الى الخلف . و عالم متعدد الاقطاب بقيادة روسيا الاحادية لم يرسي قواعده بقوة في جذور وقتنا المعاصر في غرب و جنوب العالم في ظل حضور احادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و” الناتو” ، و هو الذي لم يتقهقر بالكامل حتى الساعة .
و في الوقت الذي لم تمتلك فيه ايران قنبلتها النووية بعد كما العرب ، تمتلك فيه إسرائيل ترسانة نووية ، ولديها قدرة تحريك حلف ” الناتو ” مجتمعا لمحاربة ايران ، و جرها لحرب استنزافية طويلة المدى على غرار جر روسيا لحرب مشابهة مع العاصمة ” كييف ” ، بعد اكتشاف موسكو لكامل خيوط المؤامرة ضدها من طرف الغرب الأمريكي ، من أمريكا و بريطانيا أولا و اجهزتهما اللوجستية . وفي زمن يقدم فيه الغرب الحرب الباردة و سباق التسلح على أية شؤون سيادية لأي بلد في العالم .
و ايران زعيمة حركات التحرر في العالم و التي تختلف حتى عن روسيا في دعمها لحركات التحرر عبر تقديم السلاح مباشرة و خفية في وقت تكتفي فيه روسيا بالدعم المعنوي السياسي . و السبب هنا هو بوجود علاقة استراتيجية بين موسكو و تل أبيب ، و حضور يهودي روسي و سوفيتي سابق في إسرائيل يفوق المليون الى جانب الزائرين ، بينما ومن زاوية أيدولوجية لا تقيم ايران علاقات سياسية علنية مع إسرائيل ، و تشجع العرب مثل ( فلسطين و سوريا و لبنان) الى عدم توقيع سلام مع إسرائيل ،و هو الذي سينسحب على غالبية دول العرب . و هي ، أي ايران غير قادرة على تحقيق نصر مباشر على إسرائيل و لا غير مباشر دائم على إسرائيل عبر العرب .
جراء التنسيق الأمني الأيراني مع حركات التحرر العربية ،ومع حماس – حركة التحرر العربية الإسلامية ( الأيدولوجيا ) حول السابع من أكتوبر 2023 قدم الفلسطينيون – شعب الجبارين المناضل قدموا لوحدهم أكثر من 33 الف شهيد ، و شهداء في لبنان ، و في اليمن ، و في العراق ، وهو الأمر الذي يتطلب من ايران عدم التهور في الرد على إسرائيل ، و تركها تعيش حالة نفسية مرتبكة الى جانب راعيتها أمريكا لفترة طويلة من الزمن . كتب الكاتب الصحفي ( توماس فريدمان ) في مقالة حديثة له في صحيفة نيورك – تايمز ” إن إسرائيل تقف اليوم عند نقطة إستراتيجية في حربها على غزة ، و لكن كل الدلائل تشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيختار الطريق الخطأ ، و يأخذ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في رحلة خطرة و مقلقة ” ، وهكذا اتبعت إسرائيل إستراتيجية مجنونة ، أدخلتها في حرب لا يمكن كسبها سياسيا ، و انتى بها الأمر لعزل إلى عزل الولايات المتحدة ، و تقويض دعم إسرائيل في الولايات المتحدة ” . انتهى الأقتباس . و هنا أضيف شخصيا بأن الشيء ذاته ستكرره أمريكا قائدة ” الناتو ” مع ايران حالة ردها على إسرائيل .
مطلوب من ايران و من الدول العربية المستضيفة لها و لهلالها الشيعي الأنتباه أكثر للأنشطة اللوجستية الإسرائيلية و الأمريكية المستشرية في المنطقة و لمن يتعامل معها لإستئصال الحضور الإيراني و جذور المقاومة العربية المتهمة من قبلها بالأرهاب . وهنا يكمن الخطر الذي يواجه الأنتشار الإيراني و قوى المقاومة العربية كافة . و المعروف هو بأن المقاومة هي المسار الصحيح لمواجهة المشاريع الصهيونية الاحتلالية و الاستيطانية و الاستعمارية . وفي المقابل ليس مطلوبا من ايران المساس بالنظام العربي ، و ليس من ايران فقط ، بل من القوى الغربية أيضا . و ان اوان العرب أن يتوحدوا حول ثورتهم العربية الهاشمية الكبرى التي دعتهم بقيادة ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه للوحدة الحقيقية بعلم واحد ، و جيش واحد ، والمصالح الاقتصادية الواحدة ، وجواز سفر واحد. ( كتاب -الحركة العربية – سليمان الموسى . ص 695 ) .واضيف شخصيا هنا و بعاصمة واحدة .
وفي المقابل ايران دولة هامة و قطب شرقي استراتيجي الى جانب روسيا و الصين و الهند و كوريا الشمالية وغيرها من الدول ، و تشكل قطبا و سط منظومة عالم متعدد الأقطاب يمثل شرق و جنوب العالم تقود توجهه روسيا الاتحادية العظمى ، مع بقاء الباب مواربا أمام الغرب للأنظمام طوعا لتعددية الأقطاب ، و الهدف بعيد المدى وضع حد للحرب الباردة و سباق التسلح و هيمنة احادية القطب بقيادة أمريكا على أركان العالم الحر . و تبقى ايران مطالبة بضبط حراكها الأيدولوجي ليبقى داخل حدود ايران ، و لكي تتوازن مع أقطاب العالم الأخرى لتحقيق مزيد من التنمية الشاملة تجاه الأستقرار العالمي و ترسيخ السلام .
وفي الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي بحل الدولتين و قيام دولة فلسطين وفقا لقرارات الشرعية الدولية و قرار الأمم المتحدة رقم 242 ، تجذف إسرائيل عبر حزب ليكودها المتطرف لرفض مشروع دولة فلسطين كامل السيادة و عاصمته القدس الشرقية ، و هو الأمر الذي يتطلب عزل إسرائيل عالميا حتى تقبل بالقانون الدولي الذي تتصرف خارجه . و التوجه الأخر الممكن طرحه هنا هو التجذيف صوب ما أمكن لتفكيك إسرائيل ، و ترحيلها الى حيث رغب جوزيف ستالين الى القرم أو سخالين . أو الى حيث اقترح الى ولاية ” ألاسكا ” الأمريكية – الروسية الأصل ابان العهد القيصري .
و الملاحظ الان هو بأن ايران وبعد حادثة قنصليتها في دمشق انضمت لمسلك الحوثيين اليمنيين المدعومين من طرفها في السيطرة على السفن الإسرائيلية العابرة لمضيق هرمز و غيره ، و أنباء عن تحريكها لمسيرات مسلحة فوق إسرائيل ،و هو مجرد البداية و الأخطر الانزلاق لما هو أخطر .