اصدر مركز هوية أولى تقاريره النصف شهرية التي يعمل من خلالها على تحليل العمل النيابي، ووضع الناخبين بصورة عمل النواب بموضوعية دون مواقف مسبقة.
حيث يركز التقرير” على قراءة لأقرار النواب لقانون الموازنة، وقانون الوحدات الحكومية، والتفاعلات التي عقبت ذلك وسبقته من محاور عمل ايجابي أو محاور الخلل إن وجدت.
فقد عكس أقرار غرفتي التشريع (النواب والاعيان) خلال الاسبوعين الماضيين تواليا قانون الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2017 وقانون الوحدات الحكومية عن السنة ذاتها، ردود فعل سلبية.
ردة الفعل على أقرار الموازنة تم التعبير عنها عبر أشكال مختلفة، فالقوى الحزبية عبرت في بيانات أصدرتها بعد أقرار الموازنة عما أعتبرته (خيبة أمل من قيام المجلس النيابي باقرار الموازنة بشكل لم يراعي مصالح الناس)، فيما تفنن مواطنين في نقد النواب غبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن المجلس (لم يساهم في منع الحكومة من الذهاب لخيار رفع الاسعار).
مرد القلق وردود الفعل حول مشروع قانون الموازنة كان سببه الرئيس تصريحات ادلى بها وزير المالية عمر ملحس امام اللجنة المالية النيابية قبل مباشرة مجلس النواب بمناقشة مشروعي القانونيين، وأشار فيها الوزير الى خطة حكومية تقضي برفع الدعم عن بعض السلع وتوحيد ضريبة المبيعات، وفرض ضريبة عن كل لتر بنزين بمقدار 7 قروش، وتوجهات أخرى مختلفة.
التصريحات الحكومية تلك فرضت حراك نيابي وحزبي وشعبي، وتحذيرات مختلفة من توجه الحكومة لما بشرت به في اللجنة المالية، وادت لمضاعفة الاجتماعات بين الحكومة والكتل النيابية ونواب مستقلين لجهة التوصل لصيغ توافقية، الامر الذي ولد امل – محدود- لدة الناس وقوى حزبية بان يساهم المجلس النيابي في كبح توجهات الحكومة نحو رفع الاسعار.
بيد ان اقرار الموازنة من قبل النواب بشكلها النهائي دون تعهدات حكومية بالعودة عن توجهاتها بشكل علني اثار موجة استياء شعبية ضد المجلس، وترك المجلس يدخل في مواجهة ونقد شديد من الشارع والاحزاب.
مجلس النواب تلمس رده الفعل الشعبية بعد اقراره للموازنة، واستشعر حجم الغضب الشعبي خاصة ان العجز الذي تحدثت عنه الحكومة عبر وزير ماليتها والبالغ ما يقرب من 450 مليون دينار لم يقم النواب عبر حوارهم مع الحكومة في وضع خطة واضحة للتعامل معه، دون الذهاب لرفع الاسعار او لخيارات صعبة اخرى تنعكس على جيب المواطنين، فاضطر رئيس المجلس عاطف الطراونة للظهور على شاشة التلفاز والتصريح بان النواب قد وضعوا خطط بديلة لرفع الاسعار بامل تلميع صورة المجلس.
ولاحقا وحتى يمتص النواب غضبة الشارع ضدهم بعد اقرار الموازنة، وقع نواب على مذكرة نيابية تطالب بتشكيل لجنة نيابية لمتابعة تنفيذ الحكومة لما تم التوافق عليه مع النواب، والاخذ بتوصيات المجلس التي تم التصويت عليها وتبنيها من قبل المجلس، فتم تشكيل لجنة لهذا الغرض.
وهنا يستطيع مركز هوية ان يؤكد ان ذهاب النواب لتلك الخطوة الاستدراكية كان لسببين الاول: مواجة ردة فعل الشارع الغاضب من اقرار الموازنة بما تضمنته من عجز لم يتم الكشف بشكل واضح عن طريقة تعويضه، سيما وان اصوات نيابية خرجت اثناء التصويت على الموازنة تحذر النواب من اقرار البند الذي يتضمن العجز، ويؤشر بان موافقة النواب على ذلك البند يعني ضمنا الموافقة على رفع الاسعار، والسبب الثاني: اظهار نية المجلس النيابي في متابعة توصياته، ووضع الحكومة تحت سيف مراقبة ومسائلة النواب.
الحكومة بدورها تنفست الصعداء بعد تمرير الموازنة بما تضمنته من توجهات اقتصادية صعبة، سيما وانها قد استمعت طوال 5 ايام من مناقشات النواب لخطابات نيابية قاسية وتحذيرات مختلفة وردت على السنة النواب بكل تلاوينهم ومشاربهم الفكرية والحزبية، ما اضطرها للدخول في حوارات مختلفة للخروج بأقل التكاليف وضمان تمرير الموازنة دون تعهدات حكومية قاسية وتعهدات لا ترغب بها.
بطبيعة الحال امام الحلول التي وضعها النواب كان لزاما على الحكومة ان تُقدم على تعهدات لا تحملها اعباء جديدة، فذهبت للتعهد بدراسة بعض الحلول التي اقترحها النواب ابرزها فرض دينار على كل خط خلوي، وتوحيد رسوم عمل العمال الوافدين ودراسة مقترح التاجير التمويلي، وضبط النفقات، وعدم التوسع في السفر، وضبط التعينات في الفئات العليا، ووضع سقف للرواتب العالية، والتوقف عن تعيين اصحاب المعلولية.
مسار الموازنة والنقاشات والتصويت
مناقشات النواب للموازنة كانت مارثونية وعقدت على مدار 5 ايام، تحدث فيها 107 نواب، وجاءت بعد ما يقرب من شهر قضتها لجنتهم المالية في الحوار مع كل مؤسسات الدولة والاستماع منهم لوجهات نظر مختلفة، وعقد لقاءات اخرى مع الهيئات المستقلة، ومن ثم الخروج بتوصيات محددة.
خلال مناقشات النواب رصد فريق (هوية) قيام جميع الكتل النيابية الستة بالقاء خطابات، كما تم ملاحظة ان سواد الكلمات النيابية ذهبت للبحث عن تقديم حلول للمعضلة الاقتصادية، واغلبها خلا من مطالبات مناطقية وخدمية، فيما تم رصد ان عدد قليل من النواب سجل مطالبات خدمية دون اكتراث لما تعانيه الموازنة من عجز.
الملاحظة التي يمكن ان تلخص مناقشات النواب وتصويتهم ان الكتل النيابية المختلفة ما زالت هلامية دون مواقف موحدة، باستثناء كتلة الاصلاح التي تمثل مستقلين ونواب من حزب جبهة العمل الاسلامي، فالمسار التصويتي لاعضاء الكتل كان متباينا، فبعض النواب من ذات الكتلة صوت مع الموازنة، وبعضهم الاخر صوت ضدها، وهو الامر الذي يكشف هلامية تلك الكتل، ويظهر تباعد وجهات النظر بين اعضائها، فيما كانت كتلة الاصلاح منفردة في التماهي في الموقف بين الاعضاء، فكان تصويتها موحدا ضد الموازنة، وهو الامر الذي فعلته في التصويت على الثقة بالحكومة ايضا.
المسار التصويتي ذاك يكشف ابتعاد اعضاء مجلس النواب عن العمل الكتلوي وهشاشته رغم انخراط 115 منهم ضمن كتل المجلس الستة، ويظهر عدم قدرة كتل المجلس على صناعة تاثير في صنع القرار، وتفضيل نواب المجلس الثامن عشر العمل الفردي على العمل الكتلوي او الالتزام بمواقف كتلوية موحدة، ما بفقد العمل الجماعي قوته، ويؤثر على سيرورة عمل المجلس بشكل عام، ويضعف فاعليته الرقابية والتشريعية.
وقد ظهر واضحا ان طريقة تصويت اعضاء المجلس على قانون الموازنة وقانون الوحدات الحكومية شابها الكثير من الملاحظات ابرزها عدم الشفافية والوضوح، فطريقة التصويت لم تكن واضحة، ولم يراعي المجلس ان التصويت يتم على موازنة الدولة، وهو تصويت يجب ان يمتاز بشفافية مرهفة، وان من حق الناخبين معرفة كيفية تصويت نوابهم وممثليهم تحت قبة البرلمان.
فرئاسة المجلس لم تعلن عن عدد الحضور تحت القبة اثناء التصويت، ولا عدد الغائبين عن الجلسة ولا عدد المؤيدين للقانويين، ولا عدد الرافضين لهما، ما يعني اضفاء ضبابية على مواقف النواب ويصادر حق الناخبين والرأي العام في معرفة مواقف نوابهم تحت القبة.