د.آمال جبور
تزامن الخطاب الملكي للعاهل المغربي محمد السادس قبل ايام مع الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، ووصول دونالد ترامب الى رئاسة البيت الابيض في الانتخابات الامريكية الاخيرة 2024، ذلك الخطاب جاء واضحا وصريحا وجريئا، حاملا رسائل متعددة، اهمها الترحيب بالشراكات الاقليمية والدولية التي تحترم السيادة المغربية على كل ترابه، كون هذا الشرط المنظور الذي يرى به المغرب شركاته مع العالم خصوصا في ملف الصحراء المغربية، الذي شهد مؤخرا زخما في الاعترافات الدولية لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، ولما تطرحه الرؤية المغربية في استثمار المنطقة بتنفيذ مشاريع تنموية ذات طابع اقليمي كمبادرة الاطلسي التي اعلنتها المغرب عام 2023 لمساعدة بلدان الساحل على الولوج الى المحيط الاطلسي، والتي يطمح المغرب من خلالها ايضا اعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، مما أسهم في اندفاع دول لها وزن سياسي واقتصادي على الخريطة الدولية لتوجيه استثماراتها الاقتصادية لهذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية والثروات السمكية على طول الساحل الاطلسي.
وتتوافق هذه البوصلة الاستثمارية في المنطقة مع أجندة ترامب الانتخابية ووعوده لناخبيه بانعاش الاقتصاد الامريكي ومع مصالحه الشخصية التي تميل الى الاقتصاد والاستثمار، مما يطرح اسئلة كثيرة حول رؤية ترامب وتعامله مع المنطقة الافريقية وتحديدا ملف الصحراء المغربية العالق منذ سنوات من دون حل.
و هذه المنطقة التي تعد بوابة افريفيا على الاطلسي، اسهم موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية والثروة السمكية الغنية، في تنافس قوى دولية للاستثمار فيها، عندما كانت امريكا مشغولة بدعمها للحرب الاوكرانية والحرب الاسرائيلية على غزة، فهل سيعوض ترامب إهمال بايدن للمنطقة ، ويرفع مستوى الاستثمارات الامريكية نحو الصحراء المغربية لتحييد الوجود الصيني والروسي الذي يتزاحم في المنطقة في السنوات الاخيرة، لايجاد موطئ قدم على الاطلسي الذي عرف تاريخيا بانه فضاء اقتصاديا وعسكريا غربيا وامريكيا، وهل سيقوم ترامب بتقديم ورقة سياسية ينهي بها ملف الصحراء تجاه المبادرة المغربية في الحكم الذاتي التي لم يستكملها في دورته السابقة؟
العاهل المغربي الذي ابدى فطنته بالتقاط اللحظة السياسية الهامة التي تقاطعت مع احتفالات المملكة بالذكرى 49 للمسيرة الخضراء التي تحظى باجماع مغربي على قضيتهم التاريخية الوطنية المتمثلة بوحدة ترابهم وصحرائهم، لتوجيه رسالة الى المجتمع الدولي والامم المتحدة وتذكير الرئيس الامريكي المنتخب بعد مباركته بولاية ثانية وأخيرة لاستكمال التزاماته التي قدمتها الولايات المتحدة الامريكية عند توقيع الاتفاق الثلاثي في الرباط 2020، اذ توقفت بانهاء ولاية ترامب الاولى ونص احدى بنودها على”اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالسيادة المغربية على كامل اقليم الصحراء المغربية، ودعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذي المصداقة، كونه الاساس الوحيد لحل دائم للنزاع حول الصحراء المغربية”. بالاضافة الى ” تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك اقليم الصحراء، ووعدت بفتح قنصلية في مدينة الداخلة من اجل نعزيز الفرص والاستثمارات لفائدة المنطقة” ولم يزل ملف فتح القنصلية، والاستثمارات معلقا وينتظر التنفيذ.
وبالتالي فان الرسالة الصريحة التي قدمها العاهل المغربي في خطابه نحو المجتمع الدولي عندما قال ” لقد حان الوقت لتتحمل الامم المتحدة مسؤوليتها” تعني ان الولايات المتحدة الامريكية العضو الدائم في مجلس الامن معنية بالدرجة الاولى للبت النهائي في “ملف الصحراء”عبر المسار السياسي للمنتظم الدول، ولتنفيذ ما جاء بالاعلان الثلاثي واستكمال ما بقي عالقاً بالملف من جهة اخرى، كغيرها من الدول ذات النفوذ السياسي والاقتصادي في خريطة السياسة الدولية التي اعلنت مؤخرا عن فتح قنصلياتها في مدينة الداخلة والتي كانت اخرها فرنسا العضو الدائم في مجلس الامن، كتأييد حقيقي وعلى ارض الواقع باعترافها بمغربية الصحراء، ساعية الرسالة الملكية “توضيح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي الذي تمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد بعيد عن الواقع وتطوراته” لاغلاق الملف نهائيا عبر المنتظم الدولي لصالح الحكم الذاتي.
وعليه فان المغرب الذي تجتهد دبلوماسيته مؤخرا،وينتهج منذ عقود استراتيجية تنموية اقتصادية لبناء شراكات دولية اقليمية لتنمية المنطقة اهمها كما ذكرنا المبادرة الاطلسية ذات العمق الاقتصادي التنموي وانعكاساتها على توفير الاستقرار للمنطقة بعد موجة الانقلابات شهدتها دول الجوار المغربي نتيجة تفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فانه يقدم بيئة تنافسية واسعة تقوم على تقديم الخيارات الاستراتيجية لترتيب الجوارعبر سياسة اليد الممدودة حتى مع الجارة الجزائر التي يشهد معها علاقات متوترة على خلفية “ملف الصحراء”.
هذه البيئة الاستثمارية التي شكلها المغرب أخيرا في صحرائه تعيش على ايقاعات متواترة بمختلف الاتجاهات، فجغرافية المصالح المغربية تتسع وتتطور بحكم الجغرافيا التي تتصل مع قارات ثلاث هي :افريقيا واوروبا وامريكا التي تشاركها بواجه شرقية على الاطلسي، وبالتالي من المرجح انها ستفتح شهية الرئيس الامريكي ترامب لسببين: الاول لمواجهة منافسه الصيني الذي زاد تمدده في القارة وعلى الاطلسي في عهد الرئيس السابق بايدن، والثاني لطبيعته البراغماتية نحو رفع مستوى الاستثمارات الاقتصادي الامريكية، ومصالحه الاستثمارية الخاصة التي لا يمكن لجمها.
وبما ان هذه الولاية الاخيرة لترامب، فهذا يعني أن جميع قراراته ستكون متحررة من ضغوط ناخبيه وحزبه ومجلس الشيوخ والنواب ايضا واعتبارات سياسية اخرى، وبالتالي هل ستضفي هذه الحرية بظلالها على قرار نهائي لملف الصحراء المغربية تجاه الحكم الذاتي؟
صحفية وكاتبة اردنية