الدكتور عامر عبد الرؤوف السعايده
في وقت أضحى العالم يواجه تحديات غذائية متزايدة، تتصاعد المخاوف بشأن قدرة الدول على تأمين احتياجات سكانها من الغذاء. ويبدو أن الأردن، كبقية دول العالم، يقف أمام معادلة صعبة: محدودية الموارد الطبيعية، من مياه وأراضٍ زراعية، في مقابل تزايد احتياجات السكان ونمو الاقتصاد. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في آليات تحقيق الأمن الغذائي، ليصبح دمج مسؤولية الأمن الغذائي تحت مظلة وزارة الزراعة خطوة ملحة ومنطقية لتحقيق هذا الهدف.
تعتبر قضية الأمن الغذائي في الأردن مسألة ليست بجديدة، إذ أن ندرة المياه وقلة الأراضي الزراعية لطالما شكّلت تحديًا حقيقيًا أمام محاولات تحقيق الاكتفاء الذاتي. إن طبيعة الموارد المحدودة تجعل الأردن يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاته الغذائية، وهو ما يُعرِّض المملكة لتقلبات الأسواق العالمية وأزمات سلاسل التوريد التي قد تهدد استقرار الأمن الغذائي الوطني.
على سبيل المثال، أثرت الأزمات الإقليمية والعالمية، مثل جائحة كورونا والأزمة السورية والحرب الروسية الأوكرانية، على سلاسل الإمداد، وتسببت في ارتفاع الأسعار على مستوى العالم، مما زاد من الأعباء الاقتصادية على الأردن، وضاعف من الضغوط على موازنة الدولة. هذه التحديات تعني أن تحقيق الأمن الغذائي لن يتحقق إلا إذا تمكن الأردن من إدارة موارده الزراعية بإحكام، والتأكد من أن الإنتاج المحلي يغطي جزءًا كبيرًا من احتياجات السوق الداخلي.
لذا، يمكن النظر إلى دمج مسؤولية الأمن الغذائي بوزارة الزراعة كقرار استراتيجي يحمل أبعادًا كثيرة من حيث التخصص والفاعلية في التنفيذ. فعندما تُناط مسؤولية الأمن الغذائي لوزارة الزراعة، تُتاح لهذه الجهة الفرصة لتطوير سياسات زراعية شاملة تركز على تعزيز الإنتاج المحلي ودعم المزارعين وتوفير الحوافز اللازمة لهم لزراعة المحاصيل الأساسية.
وزارة الزراعة هي الجهة الأقرب لمعرفة القدرات الزراعية للأردن وموارده، مما يعني أن هذه الوزارة هي الأكثر قدرة على التخطيط السليم لضمان توفر المواد الغذائية الأساسية. فهي قادرة على تنظيم الزراعة بفعالية وإطلاق برامج لتحفيز الزراعة الذكية التي تتيح زيادة الإنتاج وتقليل استهلاك المياه، وتطوير أساليب الزراعة التي تتناسب مع طبيعة الأردن وموارده المحدودة فضلاً عن دعمها للمبادرات الزراعية من طرف الجمعيات الزراعية أو من المساعي الفردية للمواطنين الأردنيين. كما أن وزارة الزراعة تمتلك قاعدة بيانات محدثة عن الموارد الزراعية والمواسم الزراعية، مما يمكنها من متابعة مستويات المخزون وإدارة سلسلة الإمداد الغذائية بشكل مباشر وسريع، وخصوصًا في أوقات الأزمات.
إن توحيد مسؤوليات الأمن الغذائي في وزارة الزراعة يمنح الدولة الأردنية مرونة أكبر في مواجهة الأزمات. فعندما تكون الوزارة مسؤولة عن المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية الأساسية، يصبح بإمكانها التفاعل السريع في حالة نقص أو ارتفاع حاد في الأسعار، وضمان توفر المواد الأساسية بأسعار مناسبة للمواطنين.
كذلك، فإن وضع المسؤولية بيد جهة واحدة يسهل تنفيذ السياسات دون تضارب في الصلاحيات بين الجهات المختلفة. إذ ستكون وزارة الزراعة هي المسؤولة عن جميع مراحل السلسلة الغذائية، بدءًا من مرحلة الإنتاج إلى التوزيع والتخزين، بما يضمن رقابة أكثر فعالية على جودة وسلامة المنتجات الغذائية.
يتجاوز الأثر الإيجابي لدمج مسؤولية الأمن الغذائي بوزارة الزراعة المستوى التكتيكي إلى استراتيجيات بعيدة المدى. يمكن لوزارة الزراعة، من خلال هذه المسؤولية، أن تنشئ شراكات إقليمية ودولية تعزز من إمكانياتها وتدعم القطاع الزراعي الأردني عبر التبادل المعرفي والتقني مع منظمات دولية. على سبيل المثال، يمكن للأردن الاستفادة من خبرات الدول ذات التجارب الناجحة في تحقيق الأمن الغذائي، واستقطاب الدعم الفني والمادي لتطوير قطاع الزراعة المحلي.
من جهة أخرى، يُعتبر تحقيق الأمن الغذائي أحد المحاور الرئيسة لأهداف التنمية المستدامة، وسيصبح بإمكان الأردن أن يُحرز تقدمًا في تحقيق هذه الأهداف عندما يُعزز إنتاجه المحلي ويضمن توفر الغذاء الصحي والمستدام لكل المواطنين.
عندما نتحدث عن دمج مسؤولية الأمن الغذائي بوزارة الزراعة، فإننا لا نتحدث فقط عن خطوة إدارية، بل عن تحول استراتيجي قد يُغيّر من ملامح قطاع الزراعة في الأردن، ويُحسّن من قدرة الدولة على مواجهة الأزمات الغذائية العالمية. إن دمج هذه المسؤولية يعني توحيد الجهود والاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، وتكثيف العمل لدعم الإنتاج المحلي، وتطوير سياسات زراعية تراعي التغيرات المناخية وندرة المياه، وتعزز من قدرة الأردن على الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
يبدو تسمية وزارة الزراعة بـ “وزارة الزراعة والأمن الغذائي” ستمثل مسارًا واعدًا ستساهم في توحيد جميع الجهود الوطنية تحت مظلة واحدة لرسم سياسات عامة للزراعة والأمن الغذائي وتحقيق التكامل بينها ستعزز وترفع من قدرة الأردن على مواجهة التحديات الغذائية فضلاً عن دور الوزارة في بناء ثقافة وطنية تدعم الزراعة والإنتاج الغذائي لتحقيق الاستهلاك المستدام.