د عماد الزغول
تشكل ثقافة الانتصار إطارًا حضاريًا وسياسيًا يعكس قدرة الشعوب على التمسك بحقوقها في وجه التحديات، مستندة إلى الإيمان بعدالة قضيتها، والثقة بقدراتها، والإصرار على تحقيق أهدافها الوطنية مهما بلغت الصعوبات.
في هذا السياق، تُعد المقاومة اللبنانية مثالًا بارزًا لهذه الثقافة، وهو ما تجلى بوضوح خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في عملية “طوفان الأقصى”، حيث بادر حزب الله إلى الدخول في الصراع، تأكيدًا لمبدأ توحيد الساحات ودفاعًا عن المبادئ التي تأسست عليها مقاومته.
الحرب الأخيرة بين حزب الله ودولة الاحتلال، وإن لم تُسفر عن نصر حاسم لأي طرف، كشفت عن عمق التغيرات في موازين القوى.
حزب الله أثبت مرة أخرى أنه يمتلك القدرة على الصمود ومواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، عبر تكتيكات مدروسة جمعت بين حرب العصابات وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية. الصواريخ الدقيقة التي أطلقها الحزب أظهرت قدرته على فرض قواعد جديدة في المواجهة، ما جعل إسرائيل تواجه صعوبة كبيرة في تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة.
على المستوى السياسي، استطاعت المقاومة تعزيز مكانتها كقوة إقليمية تواجه الاحتلال بصلابة، دون أن تفقد دعم قاعدتها الشعبية.
على الجانب الآخر، واجهت إسرائيل انتقادات داخلية واسعة بسبب أدائها العسكري والسياسي، وهو ما أثر على صورتها التقليدية كقوة عسكرية لا تُقهر.
استراتيجيًا، فرضت الحرب الأخيرة قواعد جديدة للاشتباك، حيث أصبح واضحًا أن أي تصعيد مستقبلي سيُكلف الطرفين أثمانًا باهظة، سواء على المستوى العسكري أو الإنساني.
ورغم تفوق إسرائيل في القدرات التدميرية، إلا أن قدرتها على شلّ مقاومة حزب الله أو تقليص نفوذه باءت بالفشل، ما رسخ منطق الردع المتبادل بين الطرفين.
من جهة أخرى، نجح حزب الله في الحفاظ على مكانته ضمن محور المقاومة، الذي بات أكثر تماسكًا رغم كل الضغوط الإقليمية والدولية. هذا الصمود لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة التزام الحزب بثقافة الانتصار التي لا ترى النصر مجرد إنجاز عسكري، بل مشروعًا متكاملًا يعتمد على التضحيات، الصمود، والإصرار على المبادئ.
الحرب الأخيرة، برغم قساوتها ونتائجها غير الحاسمة، أكدت أن ثقافة الانتصار ليست مجرد شعار يُرفع، بل تجسيد عملي لإرادة الشعوب الحرة التي ترفض الخضوع للاحتلال. المقاومة اللبنانية قدمت نموذجًا ملهمًا يُحتذى به، يظهر كيف يمكن للنضال أن يتحول إلى حالة حضارية تكتب فصولًا متجددة من الكرامة والحرية.
وفي نهاية المطاف، يبقى للقارئ أن يستخلص من هذه التجربة من هو المنتصر الحقيقي، ومن الذي سيكتب الفصل الأخير من هذا الصراع، إذا ما أمعن النظر في جوهر ثقافة الانتصار ومعانيها العميقة.