د. علي الدرابكه
المتابع لأنظمة الخدمة المدنية المتلاحقة يلحظ بوضوح أنها لم تتضمن أية نصوص تمنع أو تحضر على الموظف العام الإنتماء او الإنتساب الى الأحزاب السياسية ، وهذا الامر ينسحب على نظام الخدمة المدنية رقم (9) لسنة 2020 ساري المفعول وكذا نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام رقم (33) لسنة 2024 ساري المفعول.
لكن تكاد جميع الأنظمة تتضمن نصوصا تقع تحت باب المحظور على الموظف العام وتحت طائلة المساءلة التأديبية إستغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية وهذا تأكيد على مبدأ الحياد في الخدمة العامة وكذلك ضرورة الإلتزام التام بتكافوء الفرص من خلال عدم التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الحالة الاجتماعية أو الإنتماء الحزبي.
فالعلاقة بين الموظف العام والدولة علاقة تنظيمية تقدم بها المصلحة العامة على المصالح الشخصية و يحكمها جملة من الضوابط والتوقعات وهو ما يطلق عليه التعاقد السيكولوجي الذي يعبر عن
مجمل التوقعات المادية والمالية والمعنوية التي يتوقع الموظف أن يشبعها من خلال عمله في الدائرة أو المؤسسة ومن ضمنها الإنتماء للأحزاب السياسية….ومقابل هذه التوقعات هناك مجموعة من التوقعات للدائرة او المؤسسة من الموظف بحيث تلبي وتحقق حاجات الدائرة مثل العمل على تحقيق الأهداف التنظيمية والإلتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات والحياد الوظيفي،
فحياد الموظف العام مبدأ معمول به في معظم الادارات العامة وفي معظم الدول، حيث يلعب دورا اساسيا في إستقرار ونزاهة هذه الإدارات، وتبرز أهمية الحديث عن هذا المبدأ اليوم في ظل توجه الدولة الاردنية نحو الحكومات الحزبية والبرلمانية في السنوات القليلة القادمة والتي أمر بها حادي ركبنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، وهو مبدأ يعني فصل السياسة عن الادارة العامة بما يضمن ان يقوم الموظف العام بواجباته الوظيفية دون تأثيرات سياسية ، ملتزما بالقوانين والسياسات الحكومية بغض النظر عن إنتمائه الحزبي أو خلفيته السياسية.
وبالتالي فان الحرص على الحقوق السياسية للموظف العام يأتي انعكاسا لرؤية المشرع الاردني الذي حرص دائما وابدا على هذا الحق مقابل عدم إستعماله بدون وجه حق وضمن الضوابط التي تم إشارتي لها في السطور السالفة، لا بل يأتي منسجما مع أحكام الدستور وقانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022، اذ أعطى القانون في عديد من مواده الحق لكل اردني الإنتساب للأحزاب السياسية ، كما حدد كذلك الفئات التي لا يجوز لها الانتساب للاحزاب السياسية حصرا ليس من ضمنها الموظف العام على اطلاقه.
والسؤال الذي يفرض نفسه الان كيف يمكن التوفيق بين الحق السياسي للموظف العام ممثلا بحقه في الانتساب للاحزاب السياسية وبين ضمان عدم استغلال هذا الانتماء لتحقيق مصالح حزبية او أغراض سياسية أو حتى الإضرار بمصالح الأخرين الذين لا يتوافقون مع انتمائه او قناعاته؟
في ظل الافصاح الحكومي مؤخرا بانه لا يوجد ما يمنع من انتماء او انتساب الموظف العام للاحزاب السياسية ، لكن هذا يكون شريطة ضمان ان يكون موظفا ملتزما بواجباته الوظيفية وحياديا في تعامله مع الموظفين ومتلقي الخدمة الحكومية وازاء التزاماته بتطبيق السياسات الحكومية بغض النظر عن قناعاته او انتمائه الحزبي وذلك بالتأكيد يتطلب توافر جملة من الممكنات لعل من أبرزها :
– إخضاع الموظف العام لبرامج توعية وتثقيف وتعزيز لثقافة الحياد من خلال برامج تدريبية وتوعوية وتوجيه مستمر من المدراء والقيادات السياسية والإدارية.
– تفعيل أدوات الرقابة على أداء الموظف العام وإدخال معايير جديدة في نماذج تقييم الاداء الفردي تضمن او تقيس حياد الموظف السلوكي والمسلكي على أن تكون هذه المعايير التقييمية ذات أوزان عالية نسبيا .
– لا بد من خطة للتواصل مع المواطنين ومتلقي الخدمات الحكومية بشكل شفاف بحيث يرفع من درجة ثقتهم بالموظف العام وحياديته .
الامين العام الاسبق لوزارة تطوير القطاع العام
الامين العام السابق للهيئة المستقلة للانتخاب