د عماد الدين زغول
شهدت السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحولًا عميقًا عبر العقود، حيث لعب مفكرون واستراتيجيون دورًا محوريًا في صياغة توجهات الولايات المتحدة في المنطقة. من بين أبرز هؤلاء، هنري كيسنجر وزبيغنيو برجنسكي، اللذان رسما ملامح السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط خلال فترات مختلفة، لكن بأساليب ورؤى متباينة.
فهنري كيسنجر الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية خلال إدارتي نيكسون وفورد، تبنى نهجًا براجماتيًا وواقعيًا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط. كان يؤمن بأن استقرار المنطقة يعتمد على تحقيق توازن القوى بين الدول الكبرى والإقليمية.
ومن أبرز إنجازاته كان دوره في اتفاقيات فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل وسوريا بعد حرب أكتوبر 1973. عُرفت استراتيجيته بـ”سياسة الخطوة خطوة”، حيث عمل على تحقيق تقدم تدريجي في المفاوضات بدلاً من السعي إلى حلول شاملة.
رؤيته للشرق الأوسط كانت تركز على احتواء الاتحاد السوفيتي ومنع تمدده في المنطقة، مما جعله يدعم حلفاء الولايات المتحدة، مثل إسرائيل والسعودية، كجزء من سياسة الحرب الباردة.
اما زبيغنيو برجنسكي الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي خلال إدارة الرئيس جيمي كارتر، كان استراتيجيًا يركز على الجوانب الجيوسياسية الأوسع. فنظرته للشرق الأوسط كانت جزءًا من رؤيته الأكبر للنظام العالمي، حيث اعتبر المنطقة مسرحًا رئيسيًا للصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.ولعب دورًا محوريًا في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، والتي شكلت تحولًا تاريخيًا في العلاقات الإقليمية. على الرغم من تركيزه على السلام العربي-الإسرائيلي، إلا أن اهتمامه الأكبر كان منع السوفييت من تحقيق نفوذ استراتيجي في المنطقة.
برجنسكي أيضًا كان مؤمنًا بأن الثورة الإيرانية عام 1979، رغم تهديدها للمصالح الأمريكية، قد تشكل فرصة لإضعاف الاتحاد السوفيتي من خلال استغلال الخلافات الأيديولوجية بين الشيوعية والإسلام السياسي.
وهنا نلحظ اتفاقا في الاهداف بين الرجلين او الحزبين بمعنى ادق مع الاختلافات في الرؤية والأسلوب
فبينما ركز كيسنجر على إدارة الأزمات قصيرة المدى وتحقيق توازن القوى، كان برجنسكي أكثر اهتمامًا بالبعد الجيوسياسي الأوسع وبناء استراتيجيات طويلة الأمد. ونرى ان كيسنجر كان يؤمن بالعمل من خلال حلفاء تقليديين مثل السعودية وإسرائيل بينما برجنسكي رأى أهمية أكبر في استخدام الدبلوماسية الناعمة وبناء التحالفات مع قوى ناشئة أو متغيرة، مثل مصر بعد كامب ديفيد.
ويمكن القول بناء على ماتقدم أن الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في الوسائل مع الاتفاق في الاهداف تجاه الشرق الاوسط من حيث السيطرة المطلقة و لا تزال رؤى كيسنجر وبرجنسكي تلقي بظلالها على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ما بين كيسنجر ( الجمهوريين)وبرجنسكي ( الديمقراطيين) يظهر أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ليست مجرد قرارات لحظية، بل نتاج رؤى استراتيجية طويلة الأمد. برغم اختلافهما في الأسلوب والأولويات، فإن كلاهما أسهم في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، مما دز يجعل دراسة إرثهما ضرورة لفهم التوجهات الراهنة والمستقبلية في المنطقة.
ويبقى السؤال المؤرق حد الاختناق، أين المشروع العربي والاسلامي من وضع المحددات لما يحدث في الشرق الاوسط؟