احمد ذيبان الربيع
عام 1919 أصدر الكاتب الاميركي جون ريد كتابا ، بعنوان “عشرة أيام هزّت العالم ” وعرض فيه بشكل تفصيلي وتسجيلي ، لأهم الأحداث التي عاشتها الثورة الروسية الكبرى التي تمخض عنها ولادة الاتحاد السوفييتي ، وبالتحديد في الفترة ما بين 16 و26 تشرين الأول/ أكتوبر 1917 .
الثورة الروسية استمرت عشرة أيام ، بينما الثورة السورية استمرت 13 عاما وأطاحت بنظام عائلة الأسد خلال 11 يوما ، وستبقى تداعياتها في صدارة الأجندة الدولية ووسائل الأعلام الى فترة طويلة ، فهي بمثابة زلزال سياسي ستتواصل ارتداداته ربما لسنوات ، وقد تلعب دورا أساسيا في رسم ملامح ما يسمى “الشرق الأوسط الجديد ” ، لكن ليس كما يتخيله رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو ! فلم يتخيل أحد أن هذا النظام البوليس المجرم سيسقط بهذه السهولة خلال 11 يوما هزت الشرق الأوسط !
وهذا التصور ينبع لكون سوريا تحتل مكانة استراتيجية ، في العالم العربي وعلى الصعيدين الأقليمي والدولي، ولعل من أهم انجازات الثورة السورية أنها حققت هزيمة مدوية للهيمنة الايرانية على سوريا ، التي كانت تتمثل بوجود الحرس الثوري وما يرافقه من مستشارين عسكريين ، بالاضافة الى الميليشيات الطائفية المرتبطة بنظام الملالي وفي مقدمتها حوب الله اللبناني ، ومن هنا يمكن ملاحظة فرحة غالبية اللبنانيين ، بسقوط نظام الأسد لسببين ،لأن الأراضي السورية كانت في زمن النظام البائد ، الرئة التي يتنفس منها حزب الله بتوريد الأسلحة من ايران ، وبحكم فائض القوة التسليحية ومصدرها ايران، كان الحزب يسيطر على مقدرات الدولة اللبنانية تحت” شعار مقاومة ” اسرائيل ، ويعطل فعالية المؤسسات الرسمية وبضمنها الحكومة .
وعندما فتح الحزب ما أسماه جبهة الاسناد لغزة ، في اليوم التالي لتنفيذ عملية “طوفان الأقصى ” التي قامت بها “كتائب القسام” ، التابعة لحركة حماس في غزة بتاريخ 7 أكتوبر عام 2023 ، تسببت مغامرة حزب الله بتدمير قرى الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية ، التي تتواجد فيها مراكز قيادات الحزب السياسية والعسكرية ، بالاضافة الى تهجير نحو مليون ونصف مليون نازح ، ينتمون للبيئة الاجتماعية الداعمة للحزب !
ورغم المحاذير التي لا تزال تميز تعامل، بعض الدول العربية مع القيادة الجديدة في سوريا ، لكن من الواضح أن هناك وفود دبلوماسية تمثل العديد من الدول المهمة بدأت تتعاطى مع الواقع السياسي الجديد في سوريا ، من خلال زيارات الى العاصمة دمشق ، تبحث مستقبل الوضع السياسي والأمني في سوريا ، لكن هذه الوفود التي تمثل الادارة الاميركية ودول أوروبية والأمم المتحدة ، تحصر اهتمامها وتصريحاتها بالتركيز على ثوابت تعنى بضرورة رعاية الأقليات والمرأة والبعد عن التطرف الديني واقامة نظام سياسي تعددي ، وهي ثوابت بدت واضحة في تصريحات المسؤولين السوريين الجدد وفي مقدمتهم
القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام المُسلَّحة التي أسقطت نظام بشار ، وأصبح يلقب بقائد إدارة العمليات العسكرية بعد دخوله دمشق ، وافصح عن اسمه الحقيقي ” احمد الشرع” ، ولوحظ أن الوفود الغربية التي زارت دمشق أبدت ارتياحا للتطورات في سوريا !
في أول مؤشر على بداية تغير موقف الولايات المتحدة من القيادة الجديدة في سوريا، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، أعلنت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي ، أنها أبلغت زعيم “هيئة تحرير الشام” الذي كان يسمى ابو محمد الجولاني، خلال اجتماعها معه في دمشق ، أن واشنطن تعتزم إلغاء المكافأة المخصصة للإدلاء بمعلومات عنه وقيمتها عشرة ملايين دولار ، بسبب ادراجه سابقا في قوائم “الإرهاب ” الأميركية .
ورغم سقوط نظام الاسد بسهولة خلال 11 يوما ، لكن التحديات المتعلقة بمستقبل سوريا لا تزال هائلة ، بعد ما خلفه حكم عائلة الأسد لسوريا طيلة 54 عاما ، من خراب وقمع وسجون رهيبة ، وكانت آخر 13 عاما من حكم بشار الأسد هي الأكثر قسوة على الشعب السوري ، التي شهدت البلاد خلالها حربا شنها النظام على شعبه ، بمساعدة قوى أجنبية أبرزها ايران وروسيا ، بالاضافة الى عشرات الميليشيات الطائفية التي استأجرتها ايران ، وقد تركت هذه الحرب جروحا عميقة اجتماعية وأمنية وسياسية في جسد الشعب السوري ، فضلا عن الدمار الاقتصادي الهائل ، وعلاج هذا الخراب يحتاج الى فترة طويلة لاصلاحه .
Theban100@gmail.com
رابط المقال