غالب الكوفحي
في هذا العصر الذي يزداد تعقيدًا وتغيرًا، أصبحت الثقافة والمثقفين في موقف محير. فالمثقف اليوم يجد نفسه في عزلة فكرية، وكأنه يتحدث إلى نفسه في عالم مليء بالصخب والمادية. إذا كان المثقف يود أن يُسمع صوته، فإنه يحتاج إلى شجاعة أدبية لا تقل عن تلك التي تحلى بها ميشيل فوكو، لأن الواقع يفرض عليه تحديات قد تجعله يبدو “مجنونًا” في أعين الآخرين. في هذه الظروف، بات من الضروري أن يُعيد المثقف تعريف دوره، بعيدًا عن النمط التقليدي الذي اعتدنا عليه.
تراجعت القيم الثقافية وأصبحت الثقافة في طريقها إلى الزوال، مما جعل المثقفين في حالة من الانعزال. هذا ما اكتشفته من خلال ملاحظتي للواقع اليومي، خاصة في الفصول الدراسية. في الثانوي ، يمكن أن ترى التلاميذ في الفصل، لكنهم لا يتفاعلون مع المحتوى الدراسي ولا يظهرون أي اهتمام حقيقي بما يُعرض عليهم. الحضور الجسدي موجود، لكن غياب الفكر والمشاركة هو الطاغي. وكأنهم يعيشون في حالة من الغيبوبة الفكرية، لا يهمهم سوى ملء الوقت.
وهذا الواقع المحبط يعبر عنه الشاعر في قوله:
ما قيمة الناس إلا في مبادئهم
لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب
هذه الأبيات تلخص تمامًا ما نعيشه اليوم: القيم والمبادئ التي كانت تُشكّل أساس التفاعل البشري قد تراجعت لصالح المصالح المادية. اليوم، في عالم يهيمن عليه المال والشهرة، لم يعد للمثقف مكان إلا إذا تمكن من أن يكون صوتًا حقيقيًا في وسط هذا الضجيج.