
ممدوح النعيم
على مر العقود، ارتبط النظام السوري السابق برواية دعائية تدعي أنه نظام “مقاوم” يدافع عن القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها فلسطين، ومناهض للصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية .
وقد اعتمد مؤيدوه، سواء داخل سوريا أو في العالم العربي، على هذه السردية لتبرير استمرار دعمه رغم الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها ضد شعبه.
ومع ذلك، فإن خطاب المقاومة والممانعة ظل يتناقض بشكل صارخ مع واقع القمع الممنهج، وغياب الحريات، والانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
المؤيدون للنظام السوري غالبًا ما يشيرون إلى مزاعم تتعلق بـ”المقاومة” و”الممانعة”، معتبرين أن النظام يشكل جبهة دفاعية ضد القوى الإمبريالية والصهيونية، ويعمل على حماية القيم الوطنية والقومية من بوابة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تم اتخاذ مبادئه وسيلة لتحقيق أهداف ترتدي عباءة وقيم الوحدة والحرية والاشتراكية .
كما يستندون إلى مزاعم تقول أن نظام الأسد عمل على بناء “دولة القانون والمؤسسات” التي تتجلى، وفق روايتهم، من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تنظمها الحكومة السورية وهي انتخابات اقرب ما يكون الى مسرحية هزلية عنوانها بشار الأسد للابد او ندمر البلد .
هذه الادعاءات تتهاوى تحت وطأة الأدلة التي تكشف عن واقع مختلف تمامًا كشفته نجاحات الثورة السورية التي اطاحت ليس بنظام بشار فقط بل واطاحت بمنظومة القيم والشعارات الرنانة التي دفع ثمنها الشعب السوري عبر الاعتقالات والتشريد والتعذيب والقتل بكل أشكاله.
النظام السوري، منذ عقود، رسّخ حكمه عبر سياسات قمعية شديدة، من بينها الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب الوحشي، وسياسات التهجير القسري التي طالت ملايين السوريين.
كما تم استخدام أجهزة الأمن والجيش لسحق أي معارضة داخلية، سواء كانت سلمية أو مسلحة، مما أدى إلى خلق دولة بوليسية تتحكم في مختلف جوانب الحياة اليومية للسوريين.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو تبرير المؤيدين لهذه الانتهاكات بحجة حماية “المقاومة” ومواجهة “العدو الصهيوني” الواقع يكشف أن النظام، رغم شعاراته، قد أضعف سوريا داخليًا وخارجيًا، حيث أُنهكت البلاد تمامًا بسبب انتشار الفساد و مطاردة الشعب وتشريده وحرمانه من ابسط حقوقه في حياة آمنة مستقرة .
ولعل السؤال الذي يدور في الذهن هل رأى وسمع وقراء المؤيدين لنظام بشار عن واقع المعتقلات والمعتقلين وحكاياتهم ومعاناتهم التي يمتد بعضها إلى نصف قرن داخل السجون السورية .
ان صمتهم او غض النظر عن كل ذلك هو تبرير وإعطاء موافقة للنظام البائد بممارسة القمع والاستبداد بحجة أولوية المقاومة والتحرير .
كما أن التبرير والانحياز لنظام بشار يُظهر تناقضات واضحة بخصوص من يدّعون الإيمان بالديمقراطية والدولة المدنية العلمانية ، ومن ثم يبررون او يسكتون عن القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي بحجة “المقاومة”.
كيف يمكن لأي نظام يدّعي “المقاومة” ويدعي انه يساند ويدعم المقاومة من اجل تحرير الارض والانسان أن يكون في الوقت نفسه مسؤولًا عن قتل وتشريد الملايين من شعبه؟ هذا تناقض يثير تساؤلات حول مصداقية هذه الادعاءات، التي كذبتها وكشفتها حقائق الواقع بعد وقبل انتصار الثورة وسقوط نظام بشار .
ان الحملات الدعائية التي مارسها نظام بشار لاقناع الناس بأنه نظام ممانعة ومقاومة يجب العمل على تعريتها وكشف حقيقتها فصمت المؤيدين تجاه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان السوري التي مارسها نظام بشار ومحاولة انكارها الى اليوم يعكس قبولا وتاييدا لنظام بشار في تقبل القمع والاستبداد الواقع على الشعب السوري تحت ذريعة “الضرورة القومية”.
هذا الصمت لا يؤدي فقط إلى تبرير الجرائم، بل يعد من يقبل به شريكا بالقمع والإرهاب الذي مورس بحق الشعب السوري.
وهنا اطرح السؤال التالي على أهل اليسار واليمين والقوميين من المؤيديدن لنظام بشار السابق هل القمع والاستبداد يمكن أن يكونا أساسًا لدولة “مقاومه” ؟
ام أن المقاومة الحقيقية تتطلب بناء دولة قوية من الداخل، تُحترم فيها حقوق الإنسان، وتُعزز الديمقراطية، وتُضمن فيها الحريات الأساسية لجميع المواطنين.
لا يمكن لأي نظام يدّعي المقاومة أن يكون في الوقت نفسه قمعيًا لشعبه، لأن قمع الشعب يضعف الدولة ويقوض قدرتها على مواجهة أي تهديد خارجي.
لم يكن تحرير سوريا من القمع والاستبداد ضرورة داخلية للشعب السوري فقط انما هو بداية ضرورة انسانية واخلاقية ودينية ، هو إضافة إلى ذلك شرط أساسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
إن بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان هو الطريق الوحيد نحو سوريا قوية ومستقلة وقادرة على مواجهة أي تهديدات مستقبلية.