كتب: وليد حسني
شاعت في الأسابيع المنصرمة سلسلة من الإدعاءات المتهالكة عن إصلاح نقابة الصحفيين في سياق تسويق انتخابي ذاتي يرى أصحابه أنهم الأقدر على قيادة انقلاب “إصلاحي ” في نقابة بدت تنتظر من يقيم لها بيت عزاء مسكون بالحزن بدلا من إدخالها غرفة الإنعاش تحت شعارات “الإصلاح” تارة ، و ” الإنقاذ “تارة أخرى.
تلك بعض شواهد الحالة التي وصلنا إليها في مجتمعنا الصحفي الذي تحول الى مشهد مثير للشفقة أكثر منه مشهدا يثير الحيرة في طريقة وكيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من جسم نقابي أنهكه الضعف، والإنكفاء، وفقدانه القدرة حتى على النظر إلى نفسه في مرآة محطمة.
لست بالتأكيد ممن تعجبهم تلك الحالة المستعصية تماما على العلاج، ولا أشعر بالحماس أبداً لتلك المشهدية المؤلمة، لكنني أقول هذا الكلام في سياق الحزن الذاتي على ما آلت إليه حالتنا في مجتمعنا الصحفي الذي نبدوا من خلاله وكأننا نستمريء شرب ماء البحر الميت على ملوحته ونحن نعاني من ارتفاع الضغط المزمن.
اليوم ونحن نرى ونتابع أنبياء الإصلاح والإنقاذ في حملة التسويق الكلاسيكية فإننا نرى المرشحين يذيعون فينا خطابا رومانسيا مغرقا في الطموحات الصوفية الحالمة، وكأن من يستمع لهذا الخطاب يرى رسلا جددا تحفهم من أربع جهات الأرض قوة دافعة ترى فيهم أسياد الخلاص والإصلاح والإنقاذ.
ومن المؤكد أن الواقع النقابي في حالتنا يخالف تماما أحلام من تدفعهم طموحاتهم للترشح، بل ويستعصي تماما على الإستجابة لرومانسية الخطاب الإنتخابي الذي لم يغادر بالمطلق صندوق الخطابات الكلاسيكية القديمة والتي أصبحت حاضرة وضاغطة في ذاكرة مجتمعنا الصحفي لكثرة تردادها عبر المواسم الانتخابية السابقة، فقد تعودناها وحفظناها، وعرفنا أنها تلوك طموحات الرومانسيين وتعلك وعودهم دون ان يكون لها أي أثر في تليين الواقع، بل وحتى تقريبه ولو خطوة واحدة للأمام لإصلاح البسيط السهل مما آلت إليه حالتنا.
والسؤال الذي يتوجب علينا في مجتمعنا الصحفي طرحه ومواجهته هو:ما الذي يتوجب علينا الإيمان به حين نتصدى لإصلاح نقابة الصحفيين؟.
وأظنه سؤال تأسيسي ونقطة ارتكاز لكل من يود الخوض في تشخيص المرض النقابي، وقبل ذلك علينا التثنية بسؤال أساسي آخر يتعلق هذه المرة بتحديد اختصاص العيادة الإصلاحية التي ستعالج هذا الواقع؟.
في ظل الخطاب الانتخابي الحالي فإننا سنفقد سنوات أخرى ونحن نرزح تحت ضغوطات ذات الأزمة، وسنعيد الكرة مرة أخرى، ومن المؤكد أننا سننخرط سويا في جلسات البكاء وربما اللطم الموجع، وسيبقى الحبل على غاربه، وسنضل الطريق تماما الى عيادة العلاج والتشافي.
ما الذي يجب أن نؤمن به أولا؟.
ولعل أول رحلة التعافي تبدأ من الهيئة العامة نفسها والتي يتوجب على كل عضو فيها أن يواجه نفسه بهذا السؤال، وأن يحدد مكانه من رحلة الإصلاح، وهل هو متحمس للاصلاح ويعتبر نفسه جزءا رئيسيا في رحلة العلاج أم لا؟ وحين تحدد الهيئة العامة اتجاهاتها في دعم مرحلة الإصلاح والتعافي فإننا سنكون قد قطعنا أكثر من ثلاثة أرباع رحلة العلاج.
ولا أظن أن أحدا من مجتمع الصحفيين لا يهتم بذلك لكن ثقافة الإنتخاب والإختيار في مجتمعنا تعاني من أزمات عميقة ومتجذرة لعل في مقدمتها فقدان الثقافة والسلوك الديمقراطي لصالح تعزيز الإختيار على قواعد بطريركية وامتداداتها العائلية والقرابية والمصلحية وهذا ما ينعكس أولا على الإنتخابات النيابية وما يشابهها في أية انتخابات أخرى”النقابية، الحزبية، البلدية، النادوية…الخ “.
حين نحدد نقطة وقوفنا علينا التوجه الى تحقيق بعض الشروط فيمن يتوجب علينا اختيارهم ولعل في مقدمتها :
1 ــ شرط توفر القدرة.
2 ــ شرط توفر القوة .
3 ــ شرط توفر إدارة القدرة والقوة.
4 ــ توفر تحدي الطوعية والإذعان للمشكلات.
5 ــ الوعي على قوة الذات والمكانة.
ولا أظنني في هذه العجالة بحاجة للشرح والتطويل، فكلها مجتمعة ــ وفق رؤيتي الشخصية ــ تتضافر لصناعة مرشحين يمكنهم وفقا لتلك الشروط أن تدخل المجتمع الصحفي لمرحلة التعافي والتاسيس لاحقا لمرحلة العلاج.
وبالنتيجة فإن الخطاب الذي يذيعه المرشحون بيننا وفينا لا يخرج عن تسلية ” صندوق العجب “، وعن الخطاب الرومانسي الحالم الذي أكل الدهر عليه وشرب وبات كله مجرد خطاب مخادع لا يستقيم مع خط سير الفجيعة، ولا يداوي جرحا، ولا يسكن ألما، بل يعيد إنتاج الأزمة ويضاعفها….