لم يكن هناك يوما أردني واحد من شمال المملكة إلى جنوبها لا يحب العراق، أو لم يكن للعراق فضلٌ على أحد من عائلته، سواء الصغيرة أو الكبيرة، ولم يكن الأردني يوما يحمل ضغينة للعراق أو يكرهه كبلد عربي شقيق له تاريخه العريق وحضارته العظيمة، لكن ما يحدث اليوم ليس أكثر من مشاحنات كروية لا تصل لحد الأزمة إلا إذا..
ما زاد من الحدة هو الفيديو المفبرك الذي تم التلاعب به وإضافة صوت عليه، ليتم تداوله على نطاق واسع وكأنه يوثق إساءة الجمهور الأردني، رغم أن الصفحات الأردنية أوضحت منذ اللحظة الأولى أن الفيديو لا علاقة له بمباراة العراق وفلسطين، بل يعود لمباراة سابقة في الدوري الأردني، إلا أن الإعلام العراقي أصر على تضخيم القضية واختلاق مشكلة لا وجود لها، متجاوزا الحقيقة لصناعة أزمة غير مبررة.
الحقيقة أن الجماهير العراقية أعطت لكرة القدم حجما أكبر من الطبيعي في حياتها، وتحولت منصات التواصل إلى ساحة للشتائم والتنمر على الخصوم، والأخطر من ذلك أن المشجع العراقي بات مقتنعًا بأنه الطرف الأقوى في كل مباراة قبل دخولها، رغم أن الواقع الفني والتكتيكي أثبت عكس ذلك، جميع الخصوم الذين واجههم العراق في التصفيات كانوا أكثر قوة منه على أرض الملعب، لكن الغرور الإعلامي والكروي خلق صورة زائفة بأن المنتخب العراقي يتفوق على الجميع.
الإعلام العراقي ساهم بشكل مباشر في هذه الأزمة، فهو الذي ضخّم من قدرات المنتخب وأوهم الشارع الرياضي بأن التأهل إلى كأس العالم مسألة وقت لا أكثر، منذ يوم القرعة، تعامل البعض في العراق مع المنتخب وكأنه بطل العالم وليس مجرد فريق يحاول المنافسة. هذا الغرور لم يستند إلى أي إنجازٍ حقيقي، فالمنتخب العراقي لم يحقق سوى لقب كأس آسيا 2007، الذي جاء كمفاجأة كبرى في البطولة، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن حتى من التأهل إلى كأس العالم رغم كل الآمال والوعود التي كانت تُنسج في الإعلام.
اليوم، بعد مرور الجولات والوصول إلى الأمتار الأخيرة، يجد المنتخب العراقي نفسه في موقف صعب للغاية، حيث يحتل مركزا غير مطمئن في المجموعة، ويواجه مباراتين مصيريتين، الأولى أمام متصدر المجموعة كوريا الجنوبية على أرضه، والثانية في عمّان ضد منتخبنا الأردني، وصيف المجموعة.
في النهاية، لم يكن الفشل العراقي وليد الصدفة، بل كان نتيجة طبيعية للغرور الإعلامي والجماهيري، وكرة القدم لا تعترف بالأوهام، بل تحكمها أقدام اللاعبين وأداء الفرق على المستطيل الأخضر، والواقع اليوم يقول إن العراق يواجه خطر الخروج.. بعد أن اصطدم حلمه الكبير بحقيقة الواقع المر.