كتب ؛د.صلاح العبادي
نشاط دبلوماسي لافت شهدته العواصم المعنية في الملف النووي الإيراني من موسكو إلى طهران؛ إذ يتحرك المسؤولون بحثاً عن مخرج تفاوضي يمنع التصعيد في منطقة الشرق الأوسط.
الرئيس الأميركي دونال ترامب يقول إنه ليس في عجلة من أمره لضرب منشآت إيران النووية ويؤكد أنّ إيران تريد التفاوض. في هذهِ الأثناء، حمل وزير الخارجيّة الإيراني عباس عراقجي رسالة مباشرة من المرشد الإيراني علي خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما استقبل بوتين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وبحث معه الوضع في المنطقة. كما زار وزير الدفاع السعودي طهران وسلّم الوزير الأمير خالد بن سلمان رسالة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى المرشد الإيراني على خامنئي. يوم أمس عقدت الولايات المتحدة وإيران الجولة الثانية من المفاوضات في العاصمة الإيطالية روما، بوساطة عُمانية وسط تهديدات أميركية باستهداف البرنامج النووي الإيراني إذا فشلت المحادثات، وتشبث طهران بمطالبها التي اعتبرتها «خطوطاً حمراء». وتسعى الولايات المتحدة إلى أن يكون في ختام الجولة الثانية من المحادثات إطار عمل واضح المعالم للخطوات التالية بشأن المفاوضات. هذه الجولة، شأنها شأن الجولة الأولى، عُقدت بطريقة غير مباشرة، بوساطة وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي، وجاء اختيار مدينة روما لاستضافة المحادثات بناءً على مقترح قدمه وزير الخارجية العماني، ووافق عليه الطرفان الإيراني والأميركي. الجولة الثانية جاءت في ظل تهديدات الرئيس ترامب بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية، بمساعدة إسرائيل، في حال فشل طهران في التوصل إلى اتفاق مع أطرافها. فهل ينجح هذا الحراك المكثّف في تثبيت أرضيّة تفاوضيّة بشأن الملف النووي الإيراني وإبعاد شبح الضربة أم أنّ ما يجري هو سباق قبل المواجهة؟! الرئيس ترامب على ما يبدو تراجع عن خطّة عسكريّة إسرائيليّة لضرب إيران، في إطار السعي لمواصلة المسار الدبلوماسي على العمل العسكري، الذي طالب به عدد من المسؤولين الأميركيين، وهذا من شأنه أنّ يلقي بظلاله على المفاوضات؛ لأنّه يعتقد أنّ الحلّ العسكري غير مجدي بالنسبة للولايات المتحدة. الرئيس ترامب يريد أن يمنح الشق الدبلوماسي هامشاً كبيراً في وقت يضع المسدس على الطاولة، فهو يتقن التفاوض، لكنّه في ذات الوقت يجد أنّه بحاجة إلى الاتفاق كما أنّ الإيرانيين بحاجة له أيضاً، خصوصاً وأن إيران تكبدت خسائر فادحة نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها، في وقت يدفع المواطن الإيراني تبعات تعنت نظامه السياسي تجاه البرنامج النووي. هناك ضغط كبير في الهوة بينهما، وما يتبين الآن أنّ هذا الاتفاق النووي على أرضيّته سيعاد من خلالها تشكيل الكثير من تقسيم العمل السياسي والاستراتيجي في الإقليم، وهو ما يشير له زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران. وزيارة موسكو ودور موسكو في عملية إعادة تخصيب اليورانيوم، وانخراط الأوروبيين الجديد من خلال منظمة الطاقة الذرية، بعد أن كان ترامب قد استبعدهم في السابق، خصوصاً كل من دول فرنسا والمانيا وبريطانيا. إسرائيل كانت تريد أن تجرّ الولايات المتحدة إلى صدام مباشر في الإقليم ومواجهة مباشرة مع إيران، وهو الأمر الذي لا تريده دول المنطقة ولا تجد لها مصلحة بذلك، قبل أن تتراجع الولايات المتحدّة عن الضربة العسكرية التي كانت قد نصحت بها إسرائيل وتعاونت لتنفيذها، رغم أن هذه الضربة ربما كانت من المفترض أن تكون الشهر المقبل. في الاجتماع الذي عقد في مسقط تم تبادل مجموعة من الرسائل بين ويتكوف الذي نقل عن الرئيس الأميركي، وقال إن ترامب يفضل حل المشكلة مع إيران بالخيارات السلمية والدبلوماسيّة، وهو لا يريد أن يلجأ إلى الخيارات العسكرية ويفضل حلّ المشكلة مع إيران سلمياً، وبالتالي الإيرانيون استلموا هذه الرسالة بإيجابية، وذهبوا إلى الجولة من المفاوضات. إيران في الجولة الأولى من المفاوضات التي عقدت الأسبوع الماضي في مسقط، أبدت استعدادها قبول بعض القيود على تخصيب اليورانيوم، لكنّها تحتاج إلى «ضمانات قوية» بأن ترامب لن ينسحب مجدداً من الاتفاق النووي الجديد، في وقت وضعت إيران خطوطها الحمراء المتمثلة في عدم الموافقة على تفكيك أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم أو وقف التخصيب تماماً أو خفض كمية اليورانيوم المخصب الذي تخزنه إلى مستوى أقل من ذلك الذي وافقت عليه في اتفاق عام 2015، الذي انسحب منه ترمب» عام 2018. الولايات المتحدة تدرك أنها إذا ما أقدمت على عمل عسكري سيكون له تداعيات على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً مع احتمالية تبادل الضربات بين طهران وتل أبيب. كما أنّ السيناريو العسكري من شأنه أنّ يدخل المنطقة في متاهات كثيرة، إن كان على الصعيد الاقتصادي أو الأمني أو إعادة ترتيب العلاقات الدوليّة في المنطقة، وبالتالي الاخلال بمنظومة أمنية متكاملة. ورغم بأنّ ترامب لا يريد استخدام القوة تجاه إيران؛ إلا أنّ الضغط العسكري الذي يمارسه ويشدّد عليه هو حقيقي وواقعي؛ خصوصاً وأنّ الإدارة الأميركية كانت قد قالت على لسان وزير خارجيتها، إنّها تعتقد أنّ إيران تماطل في التوصل إلى اتفاق نووي. نائب ترامب جيمس ديفيد فانس والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يميلان إلى الدبلوماسية والتي هي إذ أثمرت بنتائج سيكون من مصلحة المنطقة لابعادها عن شبح الحرب. وفي حال عدم اهتمام إيران بالحراك الدبلوماسي فإن تحولات جوهرية ستحدث في طريقة التفاوض. في وقت رأى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن على الدول الأوروبية أن تتخذ سريعا «قراراً مهماً» بشأن «إعادة فرض العقوبات» على إيران، بشأن البرنامج النووي. الرئيس ترامب لا يرفض الضربات العسكريّة لكنّه لا يميل إليها، ويعتقد أن الدبلوماسيّة يمكن أن تحقق النتائج التي يتطلع إليها، وبالتالي فإن الحراك الدبلوماسي العربي من شأنه أن يصبّ في ذلك، لتجنيب المنطقة الحرب التي يشتهيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. المرشد الايراني أبدى في تصريحات له مرونة عالية في استكمال المسار التفاوضي، وهذا مؤشر مهم على وجود تدوير للزوايا خصوصاً مع وجود رغبة عربيّة كبيرة ألا تذهب المنطقة إلى استخدام القوة من قبل الولايات المتحدة، في حال عدم التوصل إلى حل نهائي، وبالتالي فإن الحراك العربي الذي استبق الجولة الثانية من المفاوضات جاء لخدمة ملء الفراغات التي تتركها المفاوضات. كما أنّ روسيا من الممكن أن تقدم ضمانات أمنيّة لإيران في حال قدمت طهران التنازلات المتعلقة في الجانب الاستراتيجي لبرنامجها النووي. دول الخليج تتصدر اليوم المشهد لابعاد المنطقة عن شبح الحرب، بعد أن كان هذا الدور خلال عقود من الزمن محصوراً في الأوروبيين، والذين يسيطرون على منظمة الطاقة الذرية. وفي حال رفضت إيران الطرح الأميركي سوف تكون أزمة كبيرة في المشهد، وعدم وجود ما يستدعي استكمال المسار التفاوضي، وهو الأمر من شأنه أن ينتقل الرئيس ترامب من التلويح في الورقة العسكريّة، إلى مرحلة التنفيذ واستخدام القوة ضد طهران. رغم أنّ ترامب في ولايته الثانية أكثر مرونة في التعامل مع إيران مقارنة مع ولايته الأولى التي انسحب فيها من الاتفاق النووي وذهب إلى فرض العقوبات المشددة. بينما يلاحظ بأنّ خطاب الرئيس ترامب في هذه المرة مختلف تماماً عن العام 2018، ويسعى إلى الزام إيران بالتفاوض والتوصل إلى اتفاق حول البرن?مج النووي بدلاً من الدخول في حرب. الراي |
