د. أشرف الراعي
في أعقاب إعلان دائرة المخابرات العامة عن إحباط مخطط إرهابي يرتبط بعناصر من جماعة الإخوان المسلمين أو من أجنحة متشددة منبثقة عنها، لم تتأخر الشائعات كثيراً عن الظهور، وبدأت تتكاثر على منصات التواصل الاجتماعي، حاملةً معها مزيجاً من التشكيك، والتأويل، والتوظيف السياسي، وهنا، لا بد من الوقوف عند خطورة هذه الظاهرة، ليس فقط كأداة تضليل، بل كجزء من مشهد جر البلد إلى صراع، لا سمح الله.
الشائعات في مثل هذه اللحظات ليست بريئة، بل هي في جوهرها محاولة لتقويض الثقة بين المواطن ومؤسساته، وزرع بذور الفوضى في وعي عام لا يزال يبحث عن توازن بين الحرية والمسؤولية، والانفتاح واليقظة، فحين تتحول المعلومات الأمنية إلى مادة خام تُعاد صياغتها حسب مزاج جماعات ضغط أو حسابات خارجية، فإن الأمر لا يتعلق بحرية التعبير، بل باستهداف مباشر لهيبة الدولة وسلامة المجتمع.
إن التعامل مع “الحدث” من منظور وطني يستدعي أولاً أن نحصّن الرأي العام من الاستقطاب السطحي، وأن نحذر من خطابات التبرير أو التهوين، فالمخطط الذي أعلن عنه ليس اجتهاداً فردياً ولا خطأ معزولاً.
وهو – وفق ما نشرته الجهات المختصة – عمل تخريبي منظم، اعتمد التصنيع المحلي للصواريخ والمتفجرات، ما يعني أننا لسنا أمام تنظير سياسي أو معارضة تقليدية، بل أمام مشروع تهديد فعلي يتطلب استنفاراً وطنياً في كل الجبهات.
إن إطلاق الشائعات في هذا السياق هو سلوك موازٍ، لا يقل خطراً عن المخطط نفسه؛ فبينما تحاول الدولة منع تفجير الصواريخ والمتفجرات في الواقع، هناك من يسعى لتفجير الوعي من الداخل، وتشويه الوقائع، وإحداث انقسام شعبي حول منطق الدولة ومشروعها، وهذا يضعنا أمام تحدٍ مزدوج: أمني في الميدان، وفكري في الفضاء العام.
ما يحتاجه الأردن اليوم هو إعادة إنتاج خطاب وطني جامع، يرتكز على الحقائق، ويواجه الشائعات بالوعي، ويُعيد الاعتبار لدور المؤسسات، ويُحمّل كل طرف مسؤوليته في الحفاظ على السلم الأهلي، مع التطبيق السليم والصارم للقانون، ذلك أن الشائعات ليست مجرد كلمات تُلقى في الهواء، بل قد تكون أداة اختراق ناعمة، تُمهّد الأرض لانفجار صلب، ما لم ننتبه لها مبكراً، ونُعالجها بحزم وعقل.
المعركة مع مشروع التطرف ليست فقط مع مَن يحمل السلاح، بل مع مَن يُمهّد له المسار عبر الرواية، والتحريض، والتشكيك، وهي معركة طويلة، لن تُكسب بالوسائل الأمنية فقط، بل بالانتصار في ميدان الوعي أولاً.. وهذا ما حذرنا منه مراراً وتكراراً حتى نحافظ على وطننا صلباً قوياً.