
سلامة الدرعاوي
زيارة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان إلى واشنطن لم تكن زيارة بروتوكولية أو خطوة دبلوماسية تقليدية، بل كانت رسالة سياسية واضحة ومباشرة مفادها بأن العلاقة الأردنية الأميركية لا تقبل التأجيل، ولا يمكن إخضاعها لمعادلات التفاوض التقليدي.
الزيارة إلى واشنطن جاءت للتأكيد أن هذه الشراكة استراتيجية وعميقة وضرورية، ويجب أن تبقى أولوية للطرفين، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة والتحديات الاقتصادية الضاغطة.
الزيارة لم تكن فقط لقاءات مجاملة أو تبادل كلمات دافئة، بل كانت مليئة بالمضمون السياسي والاقتصادي، فالحديث دار عن اتفاقية التجارة الحرة، وعن الرسوم الجمركية، وعن إزالة العوائق التي تحد من التبادل التجاري، حيث دار الحديث عن مشاريع كبرى تتعلق بقطاع المياه في الأردن والناقل الوطني بمبلغ يتجاوز 650 مليون دولار.
الجانب الأميركي أبدى فهماً واضحاً لدور الأردن ومكانته، ليس فقط كحليف سياسي تقليدي، بل كدولة لها دور في الإقليم، ولها دور في حفظ الاستقرار، وفي إدارة الأزمات التي تعصف بالمنطقة، إذ إن إدارة الرئيس الأميركي لم تتعامل مع الأردن من منطلق المجاملة، بل من منطلق إدراك أن دعم الأردن هو استثمار في استقرار الشرق الأوسط.
ستكون هناك نتائج معلنة وواضحة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بعد أن يتم تحديدها بالشكل الدقيق الذي يعيد بريق هذه العلاقة لسابق عهدها.
رئيس الوزراء لم يذهب منفرداً، بل استند إلى رصيد ضخم بناه جلالة الملك عبد الله الثاني على مدى سنوات، في علاقاته مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، فهذا الرصيد هو الذي منح الزيارة ثقلها، وهو ما جعل نتائجها إيجابية بهذا الشكل، رئيس الوزراء عبّر عن هذا بوضوح، حين أشار إلى أن ما تحقق هو ثمرة للجهود الملكية المستمرة، وفهم أميركي حقيقي لمكانة الأردن واحتياجاته.
التأكيد على وقف الحرب في غزة، وضمان دخول المساعدات، وتثبيت الفلسطينيين على أرضهم، كان أيضاً جزءاً أساسياً من المباحثات. لم تكن الملفات الاقتصادية وحدها على الطاولة، بل كان الحضور السياسي والإنساني حاضراً بقوة، وهذه دلالة على أن الأردن لا يتحرك من منطلق مصلحة ضيقة، بل من منطلق دوره كدولة لها مواقف مبدئية وقيم ثابتة.
البعض قد يقول إن توقيت الزيارة متسرع، لكن الحقيقة أن التوقيت كان مثالياً، ففي السياسة، هناك لحظات لا تحتمل التأجيل، وهذه واحدة منها، حيث كان لا بد من الذهاب إلى واشنطن بسرعة، لتثبيت الحقائق، ولضمان أن تبقى العلاقات الأردنية الأميركية قوية، فاعلة ومستندة إلى أسس راسخة.
الأردن لا يستطيع أن ينتظر، ولا يجوز أن ينتظر، فهذه علاقة لا تقبل التراخي، بل تحتاج إلى مبادرة، وهذا ما حصل بالضبط.
“الغد”