د. ماجد فندي الزعبي
آثرت ونحن على مشارف شهر الصيام ان اعرض بعض ما أراده الله تعالى من عبادة الصيام من الناحية العلمية/الطبية وليس من الناحية الشرعية او الفقهية التي يعرفها الصغير قبل الكبير. بدأت رحلتي مع الصيام بطريقة ” كنت اصوم كما يصوم الناس” الى ان ذهبت الى امريكيا وعشت فيها ردحا من الزمن وهناك عرفت الصيام ولماذا عليّ أن أصوم؟ ولا زلت منذ ذلك التاريخ ولأكثر من عقدين من الزمن وانا افرح لقدوم رمضان، ويغمرني شعور بالسعادة غير موصوف وخاصة عندما اتذكر انني قدمت امتحاناتي للدكتوراه في شهر رمضان وكتبت رسالة الدكتوراه ايضا في شهر رمضان. ونتذكر جميعا ان معظم انتصارات المسلمين في التاريخ كانت في شهر رمضان.
اذا من الناحية الشرعية انتصرنا على انفسنا وكانت معظم انتصارات المسلمين في شهر رمضان. اما من الناحية العلمية/الطبية علينا ان نتوقف ملياً لنتعرف على ما حصل لنا بتعرضنا لكثير من الامراض ونحن لدينا حديث رسول الله عليه السلام حين قال “صوموا تصحوا” فما الذي حل بالمسلمين.
كتب الرسول عليه السلام في السنة السابعة للهجرة الى ملوك العالم (هرقل ملك الروم وكسرى ابرويز ملك الفرس والمقوقس عظيم القبط / النائب العام للدولة البيزنطية في مصر، والنجاشي ملك الحبشة) يدعوهم الى الاسلام، وتلقى منهم ردودا ما عدا ملك فارس الذي مزق الكتاب. وكان مع رد المقوقس ان ارسل هدايا منها (جاريتين وبغلة وطبيب لعلاج مرضى المسلمين). فتزوج عليه السلام ماريا القبطية وزوج اختها سيرين لاحد الصحابة، اما الطبيب فأعاده الى اهله وقال له (إنا قوم لا نأكل حتى نجوع، واذا اكلنا لا نشبع)، وكان هذا الحديث هو الاطار العام للتغذية في الاسلام، بالإضافة الى ان الحديث جاء ايضا تحذيراً للمسلمين من الاسراف في الاكل، الذي هو أحد الاسباب الرئيسة للأمراض.
وللأسف حورت كثير من المجتمعات الاسلامية عبادة الصيام وجعلت شهر رمضان شهر الولائم والسهرات، واصبحت مع مرور الوقت طقوسا يمارسونها، لدرجة يعتقد البعض ان هذه الطقوس مرتبطة دينيا برمضان. مع ان
عليه السلام قال (مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ)، فالمسلم عندما يعصي الخالق يختل توازنه، وعندما يحاول ترميم هذا الاختلال يتعلق باحاديث ضعيفة، ويتعلق بأي حديث يحل له المشكلة ليتمسك به، أي انه يختار النصوص التي تعجبه وتوافق هواه. لكن المهم ان يكون المسلم دائما على يقين بان الله سبحانه لا يريد ان يهلكنا بالصيام بل يريد لنا الخير كله ويشفينا من جميع الامراض.
فكلما قلل الصائم من الاكل يكون صومه جيدا ويستفيد من عبادته، فكثير من الصائمين كلما اجتهدوا في الجوع والعطش كلما استمتعوا أكثر في عبادتهم. فمع الجوع والعطش نتخلص من المواد السامة ومسببات امراض القلب والشرايين والسكري والبروستاتا عند الرجال وعدم توازن الهرمونات عند النساء وامراض الجهاز الهضمي جميعها، وبالتالي نزيد من مناعة الجسم في رمضان. كما على الصائم عند تناول وجبتي الافطار والسحور الامتناع عن تناول جميع المواد الصناعية وان يتناول الاغذية الطبيعية (العضوية)، وبذلك يعود الجسم الى توازنه الطبيعي للسنة القادمة.
لذلك على المسلم الاستعداد لرمضان بالجوع والعطش حتى يسمو بالروح ولا يكون الصيام صحيحا الا بقهر النفس وليس بالتفكير بكثرة الاكل والموائد العامرة بالمأكولات المتنوعة. والدليل على ذلك ان المسلمين في القِدم كانوا يأكلون الخبز والزيت ويصومون وهم بصحة جيدة اما الان فيأكلون جميع انواع المأكولات ولا ينعكس ذلك على صحتهم بل تزداد سوءاً. مع ان رسول الله عليه السلام علمنا بانه كان يصوم احيانا يومين متتابعين بدون افطار في بلاد قاحلة فيها درجات الحرارة قد تصل الى 50 درجة مئوية ليقول لنا لا تخافوا من الجوع والعطش فإنها لا تقتل، ومهما بلغنا من الجوع والعطش سيكون الجسم معافى ولن يكون فيه امراض.
وان الذين يخافون الجوع والعطش ويحضرون ما طاب من المأكولات المختلفة، فهم حققوا شروط الصيام ولكنهم خسروا صحتهم. اما اذا جمعت الصيام الصحيح بالنظام الغذائي النباتي الطبيعي فانك ستعالج جسمك من الامراض.
إذاً الصيام الذي يجب على المسلم معرفته هو ان يعبد الله بالجوع والعطش وعدم التفكير بالاكل واذا كنت جائع عليك ان تفرح لله بانك صائم ولا تغضب لانك جائع. وهذه هي مفاهيم الصيام العلمية والروحية. فلا احد يرغمك على الجوع والعطش بل ترغم نفسك على الجوع والعطش لذا عليك ان تفرح ولا تغضب وهذه هي قوة المسلم الصائم.
/ مستشار في الزراعة والبيئة
مع الاسترشاد بمحاضرات بروفيسور التغذية محمد الفايد