عيسى محارب العجارمة
تعود بي الذاكرة المهترئة لزمن بهي جميل ، حينما كنت طالبا بالقسم الداخلي بمدرسة ثيودور شنلر بالأردن الجميل بين عامي 1973-1983 ، والتي تقع على طريق أوتوستراد عمان الزرقاء بجانب مخيم حطين حاليا وشنلر سابقا ، ورغم أهمية تسمية حطين ، الا انني وللأمانة التاريخية والعلمية والوطنية اطالب عودة الاسم القديم أي مخيم شنلر والذي لا زال التسمية الشعبية له ، فالسيد لودفنيك شنلر هو الأب الروحي لكل من تخرج من مدرسته ، لأنهم جميعا وعددهم بالألاف وجلهم مسلمين ، لحم أكتافهم من خير الله اولا ثم من خيره ، هذا اول باشتان على رأي حسناوات باب الحارة السوري .
أما ثاني باشتان – وهو الاهم لكل مسلم وعربي بالقرن العشرون – أن شنلر هو ذاك المحسن الالماني الكريم الذي تبرع بجميع أمواله ، لبناء مدارس تليق بكرامة الانسان العربي بالمشرق ، مسلما كان او مسيحيا ببداية القرن العشرين ، فكانت مدارسه بلبنان والناصرة والقدس الغربية ومدرستي بشرق الاردن التي أنا بصدد الحديث عنها والتي وضع لها حجر الأساس الملك الحسين بن طلال رحمه الله عام 1959، جميع تلك المنارات كانت تشع بالعلم والثقافة والنور والتسامح الديني وقبول الاخر ، ولمن لا يعلم فمساحة مدرسة ثيودور شنلر تعادل مساحة نصف القدس الغربية شلع قلع وأظن ان معركة المفاوضات النهائية حول المدينة المقدسة يجب ان تولي هذا الجانب الديني والوطني غاية الاهتمام .
وهو أمر ألفت اليه أنتباه كل من له شأن بموضوع القدس وعلى رأسهم جلالة الملك والرئيس عباس وسفارة جمهورية المانيا الاتحادية بالاردن واسرائيل ، والامم المتحدة وحتى الفاتيكان والازهر الشريف ، فالمقدسات الاسلامية والمسيحية للعرب جميعا ، وعلى رأسها أراضي مدرسة ثيودور شنلر بالقدس الغالية :- ( يا ناس يا عالم نصف القدس الغربية بالتمام والكمال لشنلر ) رجاء فالقضية بدها شوية اهتمام ووعي أعلامي .
وها انذا أشير اليها بأول سبق اعلامي وصحفي بالعالم، يتطرق لسرقة إسرائيل لأراضي مدرسة ثيودور شنلر بالقدس ، يا اصحاب الضمائر الحية بالعالم ، وغير الحية قبل ما تسرقوها وتجيروها لكم من مفبركين الاعلام وقائديه الى المجهول ، وما اكثركم فهذه خبطة اعلامية صحفية ماركة مسجلة لصفحة الاعلامي الاردني المستقل عيسى محارب العجارمة ، على الفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي ، والصحف بشتى أنواعها إلكترونيه أو ورقية ، وسيتم مقاضاة من سيستحلها لنفسة باي صورة من الصور ، سواء هيئات او حكومات او منابر اعلامية وغيرها ، وبما يكفله لي قانون حق الملكية الفكرية ، مهيبا بشركتي فيسبوك وجوجل حماية منتجي الاعلامي الإخباري الطازج ، ولربما كان الملف الابرز بمفاوضات الوضع النهائي للقدس وحل الدولتين المنشود .
هو ذاك وكل ذلك ويره وما لف لفيفه ، أما الباشتان الثالث فأعود بالذاكرة لأواخر حقبة السبعينات ومفتتح الثمانينات من القرن الفائت ، فقد كان من بين المتع الجمة والجميلة بآن معا ، والتي وفرتها لنا أدارة المدرسة ، مدرسة شنلر لذة مشاهدة التلفاز الأردني بقناتيه الأولى والثانية ، والتي كانت تقدم برامجها باللغة الإنجليزية ، ومن ضمنها نشرة الأخبار بالعبرية والإنجليزية .
وقد علمت فيما بعد حسب مقال ، وأظنه للمشاكس المبدع الدكتور زيد حمزه ، وذلك غيض من فيض مخزوني الصحفي ، من مخزون يصل الى عدة الاف من المقالات ، تلك المقالات التي طالعتها منذ اربعين عاما بصحفنا المحلية ، وان متابعيها – أي نشرة أخبار القناة الثانية – جل طواقم السفارات الغربية بعمان ، وأيضا تابعها موشية دايان وزير الدفاع الإسرائيلي سيء الذكر بالذاكرة الجمعية العربية ، كونه قد أحتل القدس والمقدسات ومن بينها اراضي مدرسة شنلر التي تشكل نصف مساحة القدس الغربية .
ولكن شكلت له أي موشية دايان نشرة عمان مرجعا دسما وصادقا للأحداث بالمنطقة والعالم عكس وسائل الاعلام العبرية حينها ، أذ كانت ولا زالت بنشرتها باللغة الإنجليزية فقط – أما بالعربية فحدث ولا حرج عن وسع ذمتها وخصوصا برنامج الجمعة الديني عفوا الإخباري لعبير الزبن المعنون بستون دقيقة – لا زالت تتمتع بشيء من مهنية bbc وكانت قبلة أنظار دايان الأعور وجمهور واسع من مستوطني الدولة العبرية وجمهور واسع من ضيوف الاردن الاجانب ومواطنية ومستوطنيه .
كانت السيدة ليلى البجالي معلمتنا للغة الانجليزية ، واحدة من أفضل مدرسي هذه المادة بالأردن الغالي ، حسب وصف زوجها مدير المدرسة السيد عيسى البجالي ، الذي توفي أواخر الثمانينات بعد ذهابه للعراق وقام بشراء كلية فقير عراقي – لربما سحقته الحرب العراقية الايرانية الآثمة وما أكثر حروبنا الآثمة نحن العرب والمسلمون – بمستشفياتها ، ليعود بعدها ويقضي أجله المحتوم بعمان ، ولربما سبقه المريض العراقي المتبرع له تحت وهدة الفقر ، خاتما بموته المفجع لي شخصيا قصة ذهبية لعائلة أكاديمية فذة ، ساهمت ببناء مشروعي الشخصي الأدبي الخاص رغم تحفظي على قضية بيع الكلى وعدم مواجهة الموت بشجاعة يا مديري الفاضل ، كما أفعل الآن بمعركتي الخفية والمتأخرة ، والتي يبدو أنها بدأت للتو على طريقة المدفع العملاق المزعوم للشهيد صدام حسين ، مع أدوات ورموز الحكومة العميقة العقيمة التي تجري عملية غسيل منهجية لعقولنا السخيفة ، بمشارط وأدوات جراحية غير معقمة ، أيذانا بالإيذاء المزمن البليغ .
ذاك المشروع المحارب بالإقصاء والتهميش ، وكنت قد باشرته كاتبا بالصحافة الالكترونية الأردنية منذ خمسة عشر عاما ولا يفوتني هنا كل من شكر شارك بنشره وأولهم زاد الأردن ، وبعض المواقع المحلية الاردنية المحلية دون غيرها ، كإنجاز الاخباري ووطنا نيوز وكل الاردن وسرايا وصوت الحق والسوسنة وكرمالكم والسبيل والمجد والشاهد الورقيتان ، وغيرها ممن فات ذكرهم رغم أهميتهم القصوى لدي جميعا ، فهم رافعة الفكر الوطني والنضالي والسياسي ، وقد قال السيد المسيح عليه وعلى نبينا السلام : – ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله .
والشكر المتواصل والموصول لموقع الحوار المتمدن صوت العراق الجريح بكل أطيافه وهو منبري لمناصرة القضية الكردية العادلة بكل الاقليم وحقها بانتزاع دولتها المنشودة ، فالحوار المتمدن هو رئتي ونافذة قلمي لأذن المغترب العربي بأوروبا والأمريكيتين ، وأزيدكم من الشعر بيتا فقد علمت متأخرا أن كتاباتي كانت محط اهتمام bbc .
وكون مشروعي الاصلاحي الوطني النهضوي الابداعي ، قد أزهقت روحه البيروقراطية العتيدة ، والحكومة العميقة بصورة مدمرة ، أوصلتني لأبتاع عقلا جديدا ابلها ، وأعمل محاسب أو كونترول قلابات – ولك ان تتخيل مرارة كتابة مقالك ، على صوت جعير القلابات والشاحنات والجرافات ، وتحت وطأة هدير غرابيل الكسارة ( وفغير) وجلبة وسواقين القلابات والعمال الوافدين – من عديد المستوطنين الجدد ببلدي وما أكثرهم – وذلك بأحد كسارات الاردن الغالي ، مع احترامي الشديد لمالكها ، ولكن هذا شكل من أشكال تبسيط الخطاب مع أركان الحكومة العميقة ، فالنص يستوجب ذاك التشبيه المعقد .
عفوا هل قلت الأقصاء والتهميش بالسويد أو بالصومال ؟ أم بالأردن الغالي الطارد للمواهب الجادة بمنتهى العقوق كالقطة التي أكلت أبنائها ، كما فعل مديري البجالي بشراء كلية له ، فأبتاع عقلا من احدى دول العالم الثالث كالهند مثلا ، والذين يقوموا ببيع كافة أجزاء الجسد بها عدا الدماغ البشري ،وهي السوق الواعد بهذا المجال من التجارة المحرمة بالبشر، ولكن من قال ان دول العالم الثالث معنية بكرامة البشر من أسه وأسته وأساسه ، والا لتفضلت وتلطفت حكومتنا العتيدة باستيراده وتوزيعه بالمجان علينا ، فالمخ الهندي هو مطلبها ومن قبلها وبعدها كل الحكومات المتعاقبة علينا كقدر الفقير ، لنصبح هنودا حمرا عقلا وقلبا ووعيا .
وذلك لتركيبه على رؤوسنا ليحاكي حال كتاب وديناصورات الاعمدة ، بجرائدنا الورقية العتيدة كالرأي والدستور والغد وغيرهن ، من مخدات ولحف ومخدرات العقل الجمعي الأردني المغبون بهم وبهن، وتبديل عقولنا بها نحن معاشر الكتاب غير المرضي عنهم جملة وتفصيلا ، سواء لدى الحكومة العميقة او الرأي العام الذي نحن بصدد أعادة تشكيله بمعركة البقاء والوجود وكسر العظم ، مع جحافل الظلام والظلم الاعلامي والألحاد الوطني والقومي .
صحيفة واحدة بالأردن الغالي ، كانت ولا زالت رغم وئيدها ورقيا ومطبعيا ودوامها الكترونيا ، الا وهي صحيفة المجد القومية ، لا زالت تغرد خارج سرب الفرعنة الإعلامية المهيمن على ساحة وعينا ، حكوميا واسلاميا برغم براعة السبيل الورقية المهنية واختلافي معها بمفاصل معقدة كشفت عنها الأزمة الخليجية الحالية بكل وضوح .
بذاك الزمن البهي الغابر ، كانت القناة الثانية تبث مسلسل أمريكي بعنوان دخان البنادق ، يتحدث عن صراع الرجل الابيض مع الهنود الحمر، وكانت عائلة البجالي المحترمة تحثنا على متابعة تلك القناة لتقوية لغتنا الانجليزية ، بالوقت المقنن لمشاهدة التلفاز من الثامنة للعاشرة ليلا ، وكنا في عصر اليوم التالي نلعب كطلاب بمقتبل العمر وميعة الصبا لعبة دخان البنادق ، والتي يلعبها العرب اليوم ، بكل زنقة وزقه وخنقه وحارة ، من زواريب الوطن العربي الكبير.
وكان زميلي أكرم دحابره من قرية شطنا ، والتي عاش فيها المسيحيون الاردنيون منذ القدم ولليوم ، رغم أنف داعش وجدودها وأحفادها ، وكل وكلاؤها المحليين والاقليميين ، فأكرم ذاك هو نجم لعبتنا الطفولية البريئة الابرز ، صاحب الأنف الطويل كالممثل تسيب ماكيهان بطل دخان البنادق ، وهو يمتاز بضخامة الكتلة البدنية ، رغم انه يحمل قلبا طيبا ، فكان يقوم بتمثيل دور ماكيهان ، ويقوم بقتل الهنود الحمر بشراسة ، فبالإضافة للقتل بفوهة البندقية ، والتي كنا نصنعها من الخشب والمطاط ومسامير الفولاذ ، بنزعة إرهابية مبكرة من بواكير أعمارنا ، وحال نفاذ الرصاص من جعبته ، يجهز على أضحيته من الهنود الحمر، بواسطة مدية أو حربة طويلة – كان يستبدلها اكرم بمدية خشبية – يقذفها على أحدهم فيرديه قتيلا للحظته ، بطريقة مشوقة تأخذ بقشور ألبابنا ، وكانت فترة موت أحدنا تمتد لمدة أكثر من نصف ساعة ، حتى ينتهي المشهد التمثيلي الذي يشارك الجميع بإخراجه، حسب مقتضيات الحال وربما تصفية لخلافات ، قد تكون نشبت بغرفة الصف المدرسي منذ الحصة الاولى، وهي اليوم مجرد ذكريات جميلة لا اكثر ولا اقل ، وليت حروب الربيع العربي الآثمة تنتهي مثل حروبنا الصغيرة البريئة .
وكنا نلعب بغابة الصنوبر المحيطة بالبيت الداخلي للمدرسة ، قرب كنيستها البهية كقلب مريم العذراء الممتلئة نعمة ، ونختبئ خلف الأشجار الباسقة ، ونتقلد صفير الهنود الحمر رغم كرهنا بحينه لتمثيل أدوار الشر الخاصة بشخوصهم ، وقعقعة أسلحة المعركة الوحشية بين الفئتين المتحاربتين ، وبعضنا يمثل الرجل الأبيض وقومه، كالممثل فستوس صاحب اللحية والبارع جدا بأطلاق المسدس ، وكنا نتقمص دوره بمنتهى البراعة ، وقد صعق ذاكرتي الطفولية الغضة حينما قبل ممثلة جميلة شقراء هيفاء فرعاء طويلة من اميرات أمرؤ القيس ، بمزرعة قصية من مزارع الغرب الامريكي ، وأدخلني من وقتها بمتاهة العشق الاول ، والتخيل الاول ، وان هناك نعمة الله الاسمى ، تلك التي تسمى حواء الجميلة ، ولا تنتهي اللعبة الجميلة حتى نسمع صوت جرس البيت الداخلي مؤذنا بانتهاء فترة اللعب التي تمتد ما بين الرابعة عصرا حتى السادسة ، لنهرع كل الى منامه للاغتسال ، وتناول العشاء ، وتحضير البرنامج الدراسي ليوم غد ، وطبعا متابعة دخان البنادق مساء كل ثلاثاء على ما اذكر .
القصة تطول وقد تنتهي رحلة العمر ولا أنتهي من سردها ، وليت ان حربة أكرم دحابرة الخشبية قد قتلتني بذاك الوقت وأنا جاهلا لخاتمة حكاية الصبر المهيب التي طالت فصولها اكثر مما ينبغي ، وكيف ينتهي العاشق من ذكر حبيبه ، فلا شيء أجمل من العودة لبواكير العمر ، وميعة الصبا الفار من وجه العدالة ، حتى تتربص به دورية امنية بإحدى دول العالم الثالث ، بنهره بصوت اجش من قبل فتى غر، يسأله بفظاظة عن هويته ، ومن أنت لتسألني عن هويتي ، وأنا مواطن أردني عثماني ، اليس الاجدى بي ان اسالك عن هويتك أنت ، ومن رحم أي مخابرات أجنبية باعتك عثمانيتي، لتمارس ضدي فرعنة الالهة القديمة .
تفجرت الأزمة الخليجية الحالية وفجرت معها بدماغي عشرات الثورات الصغيرة ، فقد أنفجر الخلاف بين بني قومي كقنبلة دود بجسد ميت ، فتنهشه حتى لا تجد من لحمه الرخيص شيئا ، فتبدأ تأكل بعضها بعضا ، حتى تبقى آخر دودتين قويتين ، فتأكل الأقوى منهما أختها وتتسمن عليها ، وتبدأ برحلة الجوع بعدها حتى تموت جوعا ، كما هي النهاية المتوقعة لأثرياء الخليج اليوم .
وأضني اليوم أمر بنفس الازمة نفسيا ووطنيا فدودة الجوع والحرمان والأقصاء والتهميش ، وأنا من كنت محط اهتمام محطة bbc ذات رجع صدى قريب ، وما أدراك قيمة ذاك الغصص والظلم الذي يستشري النفس ، حينما أجد حربا على لا هوادة فيها من رعاع الاعلام الخاص والعام بوطني ضدي ، وقد نخرت عظمي الغض حتى النخاع .
فقد تبدلت مواقفي من أبطال مسلسل دخان البنادق ، وها أنا ذا صديقي المحتال فستوس ، قد عرفت متأخرا بأنك قد خدعت مخيلتي الطفولية ، بحقك المزعوم بأرض أمريكا الشمالية ، لأعرف الحقيقة التي أتتني متأخرة بعض الشيء ، بان قبيلة الأباتشي وباقي قبائل الهنود الحمر هم أصحاب الأرض والحق والقضية العادلة ، ولأن الحق يعلو فلا بد لي من مناصرة قضيتهم ، سواء من منبر bbc أو غيرة .