د.منصور محمد الهزايمة
لماذا يا فنان العرب؟!
حظي الفنان محمد عبده بمجد في مجال الفن، قلّ نظيره، لم يحظى بمثله إلا قلة ممن أبدعوا في مجاله، وقد أظهر ذكاءً فنيا منقطع النظير منذ بدايته من خلال حسن اختيار الكلمة واللحن والشخوص الذين دعموا مسيرته الفنية،فتكللت بمئات الأغاني التي تصنف في مستوى الفن الراقي أوالأنيق.
نكاد لا نأخذ على الرجل شيئا ذا بال من قبيل ما أُخذ على غيره من نظرائه في الوسط الفني، فبقي يحظى بسمعة طيبة، مما جعله يوصف بالعديد من الألقاب،بدأت بفنان الجزيرة في بداية مشواره الفني ثم حاز اللقب الأشمل “فنان العرب” الذي أطلقه عليه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة أواسط الثمانينات.
شدا فنان العرب لكل العرب في كل أقطارهم من الخليج إلى المحيط،وكانت حفاوة الشعب العربي به في كل مكان،وكانت أغانيه تتميز بجمال الكلمة وعذوبة اللحن،فلامست موسيقاه شغاف الروح،وتسلل صوته إلى قلوبنا دون استئذان.
ما ميز الرجل أكثر من غيره،أنه تواءم مع الزمن،وأبدع في مراحله الأخيرة كما في بداية انطلاقته،مما جعل منه نجما في سماء الغناء مكانته عصية المنال.
لا نفهم ما الذي يدفع قامة فنية بقيمة فنان العرب للإنخراط في الخلافات السياسية بين الأقطار العربية،حيث ندرك جميعا أن مصالح الشعوب والأوطان لا دخل لها بها، وأن هذه الخلافات أجدى أن تبقى بعيدة عن حياة الشعوب. “علم قطر” أو “أخبر قطر” كلمات قاسية، أغضبت كثيرين من أبناء العروبة،لأن وجهتها كانت خاطئة تماما، حيث كان الأولى أن تُعلم الأعداء الحقيقييّن،مثلما أنها أيقظت الوجع لدى أبناء الخليج قبل غيرهم، إدراكا منهم بإن الرسالة تمر من باب استقواء الشقيق على شقيقه.
الأغنية الأخيرة التي شارك بها مع نخبة من فنانين الخليج، ممن يتمتعون أيضا بسمعة طيبة، لا نعرف كيف يصنفها فنان العرب هل هي أغنية وطنية تناصر الوطن حقا أم سياسية بامتياز تنتصر للأشخاص والمراحل وتدفع باتجاه التباعد بين أبناء “خليجنا واحد”!
أبو نورا من الفنانين الكبار ممن نحترمهم ونقدر فنهم، حتى وقت الاختلاف معهم وطالما اعتقدنا أن نظرته إلى الفن ترقى لديه أن تكون رسالة لا تجارة، وكان أملنا أن يرتفع عن الخلاف السياسي مهما عظم شأنه،بل كان الأمل بأن يصدح بدعوة السلام والوئام والمناداة بالتقريب لا الحصار والتغريب.
قبل سنوات ومع بداية الثورة السورية، كتبت عن موقف الفنان دريد لحام منها، وكيف أنه صدم الجمهور العربي بموقف متناقض، بدا فيه أن فنه ليس أكثر من شعارات زائفة ينفصل تماما عن طموحات الأمة في تغيير الواقع المرير فخسر من شعبيته الكثير.
كنا نربأ بفئة من أهل الفن ممن اثروا مجالهم، وتفاءلنا بهم خيرا، أن يرتقوا بأنفسهم عن السياسة واختلافاتها والمماحكات والمهاترات في أمتنا العربية، حتى لا يخسروا أنفسهم قبل أن يخسروا جمهور أمتهم.
الدوحة – قطر