اسعد العزوني
بمحض الصدفة وجدت نفسي ظهر الخميس الماضي مشاركا في المؤتمر الشبابي ، الذي نظمه مركز الحياة – راصد بمدينة شباب عمان بعنوان”خطاب سمو ولي العهد الحسين بن عبد الله ..مضمون وطني ورسائل للشباب الأردني”،وشرفت بالإستماع لملاحظات وكلمات الشباب والشابات المناط بهم عرض مخرجات نقاشاتهم السابقة ،والتي تمحورت حول ماذا يريد الشباب الأردني من وزارة التنمية السياسية ووزارة الشباب والبرلمان.
كانت المفاجأة مذهلة بالنسبة لي إذ إكتشفت أن شباب المحافظات على وجه الخصوص لديهم وعي متفجر ، من خلال ملاحظاتهم وأسئلتهم للمسؤولين وتعبيرات وجوههم ،وحتى طريقة إلقائهم وصدق تعبيرات وجوههم وهم يشخصون مشاكل البلد ،ويعرضون الحال بكل ثقة وبدون مواربة ،وكانوا بحق رجالا متمكنين جدا وواثقين من أنفسهم ،وكأن الفقر والتهميش والحرمان لم يأخذوا من عزيمتهم شيئا.
كان تشخيصهم سليما ونالوا عليه علامة كاملة ،وخاصة عند الحديث عن الأحزاب وعدم تمكينهم من الإنتماء إليها خوفا من التعيين والسفر ،مع أنه يتم ترخيص تلك الأحزاب وهي في مرحلة تفريخ مستمرة ،لكن بدون أتباع،ما يسجل فشلا ذريعا لهذه الأحزاب التي لا نعلم عن سبب إنشائها والترخيص لها .
ركز شبابنا الناهض على ضرورة إنخراط الشباب الأردني في الشأن السياسي، وتمكينهم من الإدلاء بآرائهم حول القضايا الداخلية والإقليمية والخارجية بدون خوف أو وجل ،وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أننا بخير مادام شبابنا بهذا الوعي المتوهج رغم شظف العيش وضيق ذات اليد ولكن….
هذا يدعونا للطلب من صانع القرار في الأردن توجيه الأوامر الجادة واجبة التنفيذ، للمسؤولين بإطلاق سراح طاقات شبابنا ورعايتها والسهر عليها وتطويرها ،للإسهام في نهضة البلد وتنويع الأداء وضخ دماء جديدة وتمثيل جغرافي أوسع بدلا من إقتصار الأمور على العشرة البررة الذين يتم تدوير نسلهم منذ الإستقلال،وكأن البلد بكل ما فيها من طاقات قد خلت من الرجال ذوي الكفاءة والإخلاص والولاء والإنتماء.
معروف أن نحو 70%من المجتمع الأردن هم من الشباب ،وهذه مدعاة أكبر من ملحة وضرورية للعمل من أجلهم وتطويرهم ورعايتهم، وتوفير كل ما يلزم لتمكينهم عمليا وليس كلاما فارغا يتم تدبيجه في الكلمات التي تلقى في مؤتمرات الشباب ،ويذهب ريحه حتى قبل إنتهاء ذلك المؤتمر ،ويبقى الشباب يتحسرون على واقعهم ،وعدم وجود من يرعاهم .
رعاية الشباب والإهتمام بهم ليس ترفا يستغنى عنه ،بل هو إنخراط في الدفاع عن الوطن ،وما نلحظه على أرض الواقع أن ما يجري وعن قصد هو تهميش الشباب والإهتمام بتحسين أوضاع المتنفذين من حسن إلى أحسن،وإهمال شباب الطبقة التي كانت تدعى وسطى ،ناهيك عن الفقراء والمهمشين الذين هم الوقود الحقيقي في عملية الدفاع عن الوطن ،على عكس أبناء الذوات الذين لا يجدون أنفسهم معنيين بالدفاع عن الوطن في حال تعرض لسوء لا سمح الله ،وهذا واقع عالمي.
مطلوب إصلاح حقيقي يتضمن رعاية الشباب وطأنتهم على مصيرهم ومستقبلهم ،وهذا بحاجة لمسؤولين ينتمون للوطن ويخافون عليه ،لا لمسؤولين يأتمرون باوامر السفارات والدول التي يحملون جنسياتها ،فمشاكل الشباب كثيرة تبدأ من شظف العيش وتنتهي بالزواج ،مرورا بالتعليم الكلف وكاننا دول خليجية ،تعج بالجامعات والمدارس الخاصة لضمان تسمين المتنفذين الذين يتاجرون بالتعليم وبالصحة وبقوت المواطن من خلال الإحتكار.
وحتى من يتمكن من إكمال تعليمه ويتخرج مثقلا هو وأسرته بالهمومم والديون ،لا يجد فرصة عمل ،مع أن أبناء الذوات الذين لم يجدّوا في دراستهم ،يتم تفصيل الوظائف العليا على مقاسهم وبرواتب فلكية ،ولذلك فإن المطلوب هو إعادة النظر في نظريات الولاء والإنتماء المعمول بها ،من خلال إنجاز دراسات على أرض الواقع ،والإيمان بأن الحفاظ على الشباب من خلال توفير إحتياجاتهم ،وضمان توجهاتهم هو مهمة وطنية ملحة ،حتى لا يكونوا صيدا سهلا للمتربصين بنا من أجهزة إستخبارات دول وتنظيمات إرهابية ،ويسرقونهم منا ويعيدونهم لنا اعداء تصعب مقاومتهم.
أختم أن تطرف الشباب بشكل عام يأتي ردا على إرهاب دولهم ،والإرهاب هنا ليس عملا مسلحا بالضرورة ،بل هو تهميش وحرمان وإقصاء وحجر على الأفكار ،وكان يتوجب على صانع القرار عندنا مكافأة شبابنا الأردني الذي أوقف الحراك دون الإنزلاق إلى ما يعانيه الآخرون ،الذين فتحوا حواريهم للممولين الأجانب كي يزرعوا الإرهاب فيها كيف يشاؤون ،وتكون المكافأة بفتح صفحة جديدة مع الشباب كي يبقى إنتماءهم للوطن.