عاهد الدحدل العظامات
كان إختلافه في التعامل مع أبناء مدينته كإختلاف الليل عن النهار, الشمس عن القمر, متناقض متخبط لا يعلم ما يفعل ولا يدرك ما يقول, فوالي مدينة الجائعين كان ذو الوجهان المختلفان عن بعضهما البعض. فالوجه الظاهرِ أمام الناس كان أقسى من الحجر وأبعد عن الرحمة كبعد السماء عن الأرض فهو الذي يظلم الناس فيها ويحرمهم من أبسط حقوقهم ويفرض عليهم الضرائب والرسوم ليتنعم في هو وحاشيته في أموالها التي تُحصل من جيوب الفقراء المغلوبِ .على أمرهم فكان يصدُ عن شكواهم ولا يستمعُ لأصواتهم المتراجفة من قوانينه, الخائفة عقوباته الذي كان يصدرها بحق كل من ينتقده
أو يخالفه فيما يفعل.
أما الوجه المخفي عن عيون أهلِ مدينته فكان يشبه حنان الام على إبنها, كان على عكس ما كان في وجهه الظاهر لا يقسو على أحد, لا يظلم أحد, ولا يفرض الضرائب والرسوم, بل بالعكس هو من كان يجوع ليأكل أبناء المدينة لدرجة أنه وفي يوماً من الأيام ذهب للسوق بلباس التخفي متوجلا فيه يبحث عن كل جائع وعن كل فاسد وعن كل من يخدع الناس في بيعه, فإستوقفه منظر الدجاجة المشويّة الشهيّ وإراد أن
يشتريها ليسد بها جوعه ولكنه عجز عن ذلك لفقره الشديد.
في زمن عمر الفاروق كان يتخفى ليبحث في المدينة عن الجائعين لأنهم كانوا قلة قليلة, كان يبحث عن الفاسدين لأنهم كانوا قلة قليلة, كان يبحث عن المظلومين لأنهم كانوا قلة قليلة, كان يبحث عن من يشتكون تقصيره بحقهم لأنهم كانوا قلة قليلة. ولأنهم كانوا قلة قليلة ما كان يسمعُ أصواتهم ليس لأنه لا يريد بل لأنه من عدل الفاروق كانت أصوات الجائعين تستحِ من أن تُرفع منتقده له فكان هو من يبحث عنها حتى يجدها, كان يعتذر لها ويطلب السماح منها والمغفرة على ما كان منه بحق هؤلاء. فأين أنتم من الفاروق وأين الفاروق منكم.
أخبروني بالله عليكم لماذا تتخفون وعن من تبحثون؟, عن الجائعين, عن الفقراء, عن المظلومين, عن الفاسدين..أصوات الجائعين تطرق أسماعكم ليل نهار وما أنتم بمجيبيها, صور الفقراء الباحثين عن الطعام في حاويات الأوطان ستجدونها إذا ما بحثتم عنها فماذا ستفعلون. عن الفاسدين, فهم أمام أعينكم يسرقون ويغتلسون ومن ثم يهربون بمباركتكم دون رجعة للحساب.
فلماذا تتخفون وعن ماذا تبحثون….أرجوكم أرجوكم عاملونا بالوجه الآخر لكم وسنكون بخير.