ابراهيم العجلوني
احاديث لا تنقصها الصراحة
كنا نتوقع على البداهة أو باديَ الرأي؛ أن يكون لكل فضائية أردنية دواع موضوعية اقتضت قيامها.
وأن تعدد الفضائيات يعني بالضرورة تعدد المنابر وتمايز الأصوات ، وأن ذلك سيعود بالثراء والسعة على وعينا الوطني، لكننا لدى النظر في واقع الفضائيات الأردنية، لا نجد ما يحقق- إلا على سبيل الاتفاق (أو الصدفة)- ما كنا نتوقع .
إذ السّمةَ العامة الغالبة عليها هي استنساخ ما تقادم عهده من برامج التلفزيون الرسمي، أو برامج فضائيات: الجزيرة، و ال: MBC و ال: LBC وغيرها، وهو في الغالب استناخ قصير الباع عن مشاكلة الاصل واقع دونه في الفاعلية والتأثير ونازل عنه بالمضاهاة الساذجة ، درجات ، وإن كان لا يقل عنه تصارخاً في السياسية، وسطحية في الفكر وهبوطاً في ألوان التسلية والترفيه والفضول.
وفي الحق أن هذا الاستنساخ إنما ينم عن فقر في الفكر والخيال، وعن غياب للرسالة والهدف، وأنه يصل في ذلك كله إلى درجة تبعث على التساؤل عن جدواه ومعناه، وما سيكون في عواقبه من ضرر بالغ على وعينا الوطني جملة وعلى أجيالنا الجديدة التي تتنازعها مئات المنابر الثقافية والإعلامية، ناهيك به صارفا لها عبر هذه الفضائيات إلى حيث لا يكون إلا اللهو والعبث المبرمجين في سياق خطط شاملة لتسخيف العقول ومسخ الأذواق ، وساء ذلك لمن نعدهم لمستقبل الوطن والأمة سبيلاً .
إن التوصيف المعياري لأية قناة فضائية جديدة في بلددنا أنها مناره هادية وصرح معرفي ومدرسة اخلاقية . وأنها ستاتي بما هو مختلف عن السائد من مناهج المعرفة وطرائق التفكير ، وأنها ستجعلنا أكثر فهماً للعالم وأكثر دراية بما يراد لنا – ويكاد بنا – وطناَ وامة ، وأن معنى ‘ الجدة’ فيها أنها ستظهرنا من حقائق السياسة وآفاق الثقافة على ما لا نجده في غيرها ، وستكون هي الرائد الذي لا يكذب أهله، لا أن تكون رجعاً قريباً او بعيداً لما يكتنفنا من الوان تزوير الوعي ، او صدى باهتاً لأسوأ ما نتقلب فيه من مواضعات ..
من اجل ذلك كله، ولما نراه من خطورة الفضائيات – محلية وعربية – فإن بنا أن ننادي باعتماد مثياق أخلاقي جامع تتواثق به وحبذا لو يكون ذلك تحت إشراف جامعة الدول العربية – هذه الفضائيات ، ويكون هو المرجع في تقييم ( وتقويم) أعمالها.
وليس يخفى على أولي الألباب أن مثل هذا الميثاق الأخلاقي ستراعي فيه قيم العروبة والإسلام ومحاسن الأخلاق الإنسانية التي تصدر وهذه القيم من مشكاة واحدة ، كما سيراعى فيه مستوى الأداء لغة ومنطقاً ومعرفة وعلماً ، بحيث سيؤدي الأمر بها إلى أن تكون جامعات مفتوحة نستدرك بها ما فاتنا من أشواط المدنية ، ونعود مرة أخرى تلك الأمة الوسط الشاهدة على الأمم ، لا أن نظل نلهث في غبارها ونهرع على آثارها ..
إن أي منبر يرفع اليوم إما أن يكون للحق أو أن يكون للباطل ولا ثالث لهذين الاحتمالين.
وإن للحق مراجع نلتمسها وتتحقق فيها مصالح البلاد والعباد ، وأول ذلك – كما جاء في مستهل هذه الأحاديث – الوطن والأمة ، ثم الانسانية ( او الرجم الجامعة لبني آدم ) ثم الحكمة والمنطق السديد .فإذا لم نر في هذا المنبر أو ذاك إلا تجافياً عما تقدم وإلا تنكّباً له ، فهو اشبه شيء بمسجد ضرار واقرب الى ان يكون داعية الى سوء المصير وسواء السعير ، وساء ذلك منقلباً ..
رب قائل : إننا في ‘ زمن ديمقراطي ‘ وإن لكل صاحب قدرة ( وهي قدرة مالية هنا) أن ينشئ الفضائية التي يريد، والحكم آخر المطاف للناس ( أو للزبائن بلغة السوق) .
ولمثل هذا المنطق الذي لا نعدم من يمثله نقول : إن هذا انما يصح في حال كون الناس على سوية معرفية تؤهل مجموعهم لدفع أذى فاسد الدعوات وزائف المنابر .
أما ونحن لم نبلغ بشعبنا هذه الدرجة من الوعي النقدي – ولا سيما الأجيال الشابة فيه – ولم تؤدِّ مؤسساتنا التربوية والعلمية والثقافية دورها المأمول في ابتنائه ، فإن الديمقراطية هنا حجة داحضة ، ولا بد ان تناط المسؤولية بالقادرين عليها المستشعرين أهميتها .
وعسى الله أن لا يكون هؤلاء هم الاضعف ناصراً فينا أو الأقل عدداً.