أ. سعيد ذياب سليم
في إحدى ليالي الميلاد ، جلست بائعة الكبريت الصغيرة ، وقد أنهكها الليل و البرد و الجوع ، جلست في زاوية الشارع ، مختبئة من الريح ، تشعل أعواد الكبريت طلبا للدفء ، تلوذ بأحلامها من الوحدة و الفزع ، لا بد أنكم تعرفون القصة ، فقد أبكتنا صغارا ، عندما نفذت منها أعواد الكبريت ، وانطفأت ، احتضنها الموت وارتفعت مع طيف جدتها إلى السماء ، تاركة خلفها ابتسامة جامدة وبقايا رماد، هل أدركنا مغزى الحكاية ؟ كم بائعة صغيرة للكبريت نراها حولنا، ولا نكترث، بل تستمر حفاوتنا بالعام الجديد ، متناسين أوجاع العالم ، ننتظر الدقائق الأخيرة من العام العجوز، لنهتف سويا مرحّبين بالقادم و تاركين خلفنا رفات عام بائس.
تلتف سلسلة الزمن الذهبية حول القلب، تدور حوله حلقاتها المتداخلة، كزرد من فولاذ، كلما مرت به ولامسته احداها، حفرت فيه جرحا جديدا، نبتسم و قد اغرورقت أعيننا بالدمع ، نلف هدايانا بأوراق لامعة براقة، تغازل الفرح، مزينة بنقوش حمراء و قلوب صغيرة، نخفي بها لهفتنا ، أرقنا وانتظارنا، نتهادى الأمنيات ، ونحتفل بمرور عام ، نُلهي أنفسنا عمّا ينتظرنا خلف المنعطف.
لن تخدعنا ابتسامة العام الجديد، فقد عودتنا السنون أنها تأتي بالمصائب مجتمعة كعناقيد العنب، إلا أنها لا تسكر ولكن تدمي القلب أوجاعها ، وتتركنا في ذهول حزين ، ألم تمر بنا أعوام و أعوام ؟ ألم نرقص معها أملا بغد أفضل ؟ زرعنا شجرة الحياة وزينّاها، إلا أن البحر أغرقها، وقلب المراكب و السفن، وترك على شطآن الغربة بعض من مهجنا، تلتحف العراء، و تزحف عليها كائنات بحرية.
يرحل عنا عام آخر، بعد أن أقام بيننا ، و دار بنا رقصة الدراويش ، شهدنا أحداثا ، بين الوعي واللاوعي ، أغنانا تجارب جديدة، هزائم وانتصارات ، على المستويين الشخصي والعام، بعض ابتسامات وكثير من الخيبة، ما الذي تحقق من أمنياتنا؟ ما الذي تجسد من أحلامنا ؟ ربما القليل الذي لا يذكر!
ازدادت رقعة الخلاف ، وتولدت مشاكل جديدة، خلافات سياسية و أزمات اقتصادية، شقاق و جدل يودي بالبشرية إلى منحدرات التاريخ، تغيرت فيها ملامح الانسانية، وعاد بنا الزمن إلى أسواق النخاسة، حين خرجنا من الغابة، و تساءلنا ما الغاية من وجودنا على ظهر هذا الكوكب التائه، هل من طوفان جديد يغسل هذا العالم من أخطائه؟ هل سيكتب التاريخ، أحداثا بعيدة عن العنف، و عن صراع الحضارات، ينير فيها السلام العالم؟
ماذا نتوقع من عامنا الجديد؟ هل سيحدث التغيير نحو الأفضل، دون أن نتغير و نصبح ما نحب أن نراه في عالمنا من حولنا؟ لنبدأ بأنفسنا فعسى أن نضيف شيئا جميلا ، لنحب ملامح وجوهنا ، وإيقاع لغاتنا وطرقنا المختلفة في التعبير، و نوقظ الانسان فينا ؛ لإعمار الارض ، بالعلم و الحب و القيم ، وندور حول الجبل، الذي بيننا، نقترب أكثر من بعضنا لنفهم اختلافنا ، و نضع أسسا مشتركة ، تجمع البشرية و تحميها ، و لنا في الجوقة الموسيقية مثلا، فاللحن تصنعه الآلات الموسيقية مجتمعة، لا تنفرد آلة لوحدها بل يكمل كلا منها الآخر في صنع سيمفونية جميلة، و عاما سعيدا، و لنشرع الأبواب للعام الجديد.