أمين عمّان السابق عقل بلتاجي يحاضر في منتدى الفكر العربي عن المدن والتطوير الحضري
بلتاجي: عمّان من أهم المدن العربية و تتطلب العمل على قيادة الحلول المبتكرة في مواجهة الأزمات
بلتاجي: دور بلديات المدن تحسين حياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط للنمو المستدام
د. أبوحمور يؤكد أهمية إدارة الوفرة والندرة في الاقتصاد والاستثمار والنمو والتحضر
عمّان- استضاف منتدى الفكر العربي في لقائه، مساء الأربعاء 7/2/2018، الأستاذ عقل بلتاجي أمين عمّان الكبرى السابق في محاضرة بعنوان “المدن والتطوير الحضري”، تناول فيها العوامل المؤثرة على نمو المدن، والمفهوم الحديث لمواجهة تحدياتها بمرونة أكبر، ودور البلديات في تطور المدن من جهة تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط الاستراتيجي المستقبلي وتوفير البنى التحتية المناسبة للاستثمارات. كما تطرق بلتاجي إلى تطوير مدينة عمّان ودور أمانتها في قيادة الحلول المبتكرة لمواجهة الأزمات وتعزيز مكانة عمّان كمدينة عالمية وفق مؤشر المدن العالمي.
أدار اللقاء وشارك في النقاش د. محمد أبوحمور الأمين العام للمنتدى، الذي أشار في كلمته التقديمية إلى أن عمّان تعتبر من أسرع المدن العربية في التوسع السكاني، بعد أن كان عدد سكانها في بدايات القرن العشرين (1906) يقدر بـ 4 آلاف نسمة، وفي أربعينات القرن العشرين حوالي40 ألف نسمة، فيما يصل عدد سكان عمّان حالياً ما بين 4,4 – 5 مليون نسمة. وقال: إن النمو أسرع من الإمكانات مما يتطلب استمرارية في التخطيط وابتكار الحلول الإبداعية، ودعم المشروعات الريادية وخاصة في مجال تمكين الشباب وقطاع المرأة. ودعا د. أبوحمور إلى تحويل التحديات إلى فرص، موضحاً أن الاقتصاد يشكل مع الثقافة والتعليم روح النمو وعنوان التحضر. كما دعا إلى إيجاد بيئة ملائمة للاستثمار والشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد الأستاذ عقل بلتاجي في محاضرته أن العوامل الرئيسية المؤثرة على نمو المدن تتمثل في التأثيرات البيئية حيث تبرز المشاكل البيئية والصحية مع تزايد الكثافة السكانية، إضافة إلى تلوث الهواء والضوضاء وعدم القدرة على السيطرة على النفايات، إذ أصبحت إدارة استهلاك الموارد غير المتجددة من الشواغل الأكثر خطورة، ذلك عدا تأثيرات التغير المناخي المتمثلةً في موجات السيول والفيضانات.
كما أن هناك عامل عدم كفاية الخدمات والبنى التحتية الأساسية، فلا يمكن لعدد كبير من المدن توفير الخدمات الأساسية الحضرية بشكل كاف، ومثلاً تغطي إمدادات المياه أقل من نصف سكان المدن. يضاف إلى ذلك ارتفاع مستوى الفقر في المناطق الحضرية، فقد أصبح الفقراء في آسيا يمثلون نحو 70% من فقراء العالم، أي أن واحد من كل ثلاثة آسيويين فقراء، وما يقرب من 25% من سكان الحضر في آسيا فقراء، ويزداد المعدل حيث يوجد تدفق متواصل للفقراء إلى المدن.
وأوضح بلتاجي في هذا السياق أنه في بداية القرن العشرين، لم يكن هناك سوى 11 مدينة ضخمة في العالم، يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة. وبحلول عام 2030، تتوقع الأمم المتحدة أن يكون هناك أكثر من 500 مدينة في العالم يبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، وأكثر من نصف هذه المدن ستكون في آسيا. وأكثر العوامل تأثيراً الهجرات الحضرية، والهجرات القسرية الناتجة عن تأثيرات سياسية أو مناخية، فضلاً عن النمو السكاني السريع، إذ يتجه العالم بوتيرة سريعة نحو التطور العمراني في المناطق الحضرية، وحسب توقعات الأمم المتحدة فإن 70% من سكان العالم سيتركزون في المراكز الحضرية في العالم عام 2050 مقارنة بنسبة 54% في عام 2014، ونسبة 30% في عام 1950، و90% من هذه الزيادة في سكان الحضر في آسيا وإفريقيا.
وأشار بلتاجي إلى بروز مفهوم “المنعة الحضرية” كمفهوم حديث أوسع وأشمل وأكثر مرونة من مفهوم “الاستدامة”، ويعني قدرة الأفراد والمجتمعات والمؤسسات والشركات والأنظمة على البقاء والتكيّف والنمو، بصرف النظر عن الضغوطات المستمرة والأزمات المفاجئة التي تواجهها المدينة. وقال: إن هذا المفهوم الجديد يهدف إلى أن تصبح مواجهة التحديات المادية والاجتماعية والاقتصادية المعاصرة أكثر مرونة. وهذه التحديات لا تشتمل فقط على التحديات الطبيعية كالزلازل والفيضانات وتفشي الأوبئة، بل أيضاً التعامل مع الضغوطات المستمرة، وذلك من خلال أربعة محاور رئيسية هي: الجوانب الاقتصادية والمجتمعية؛ الصحة والسلامة؛ البنية التحتية والبيئة؛ القيادة والاستراتيجية في المدينة.
وفيما يتعلق بتطوير مدينة عمّان، أشار بلتاجي إلى أنها انضمت إلى شبكة المئة مدينة منعة حضرية، وتدير هذه الشبكة مؤسسة روكفيلر العالمية، حيث اختيرت عمّان من بين أكثر من 300 مدينة تقدمت للمشاركة في الفوج الثاني من هذه المدن، بعد تحديد المخاطر والثغرات ونقاط الضعف المحتملة وتحديد الفرص من خلال مناقشات مجموعات العمل أو البحوث أو التحليل أو الاستفادة من خبرات المدن الأخرى ضمن الشبكة. وهذا ما يجعلها مدينة تطبق قيم تعزيز الشعور بالانتماء بين المواطنين، وتعزيز المشاركة والتواصل (مدينة موحدة وفخورة)، مع دمج وإشراك الشباب بصورة متكافئة، ودعم الشباب من خلال الحملات الثقافية (مدينة فتية ومتكاملة)، ورفع كفاءة الموارد البشرية لإيجاد فرص عمل، ودعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة وحضانة الأعمال، وتمكين المرأة (مدينة مبتكرة ومزدهرة)، إضافة إلى إدارة وتحقيق الالتزامات المترتبة بخصوص التغير المناخي، وتحسين كفاءة الطاقة وتوفرها بما في ذلك توفير مصادر بديلة، وتشجيع تطبيق كودات ومعايير البناء الأخضر، وإدارة مصادر المياه بكفاءة، وتطوير نظام إدارة النفايات (مدينة استباقية بيئياً)، وتحسين نظام النقل، وأن تكون مدينة صديقة للعلماء، ومأسسة التخطيط في المدينة، وربط المدينة رقمياً (مدينة متكاملة وذكية).
وعن دور البلديات في تطور المدن، أشار بلتاجي إلى أنه ينبغي أن يكون هذا الدور موجهاً إلى تحسين حياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، والتخطيط للنمو الحضري المستدام، ورسم السياسات التنموية للمدن، والتركيز على أهمية التخطيط الاستراتيجي نحو المستقبل مع مراعاة التطورات في المجتمع، وتوفير الظروف المناسبة، والبنى التحتية لاستقطاب الاستثمارات لمزيد من إقامة المشاريع التنموية، والحد من البطالة وزيادة فرص العمل، وتحسين الإيرادات البلدية بما ينعكس إيجاباً في الارتقاء بنوعية الخدمة المقدمة للمواطن، والتعاون مع القطاع الخاص، والعمل مع البلديات الأخرى كشريك لإقامة المشروعات التنموية للعمل على بناء قاعدة اقتصادية صلبة ترتكز على مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي أشارته إلى دورأمانة عمّان الكبرى، قال بلتاجي: إن عمّان تعتبر من أهم مدن العالم العربي، وتُصنّف بحسب مؤشر المدن العالمي World city index على أنها مدينة عالمية باعتبارها من المراكز المالية المهمة على مستوى العالم، وواحدة من أسرع المدن العربية نمواً وتطوراً، بالإضافة إلى كونها مركزاً حضرياً واقتصادياً وتنموياً، وتتنافس مع كبرى مدن العالم من خلال عدة عوامل أبرزها : الإطار المؤسسي، والبنية التحتية، والصحة، والتعليم، وبيئة الاقتصاد وتطور أسواق المال، والاستعداد التكنولوجي، وتطور إدارة الأعمال والإبداع.
وقال: إن أمانة عمّان الكبرى تبنت أفضل الممارسات العالمية كنموذج عمل نحو تحقيق رؤيتها ووسائلها وتجذير قيمها المؤسسية لتكون أنموذجاً يحتذى به في تحقيق مستوى متميز في أدائها المؤسسي وتحقيق رضا كافة الجهات المعنية، مشيراً إلى أن المدن عموماً تعتبر في مقدمة المتأثرين بالكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان (مثل الهجرة)، ولكن سياسات الحكومات تتجاوز عادةً دور المدن العام في مواجهة هذه الكوارث. وفي هذا الإطار توجهت أمانة عمّان إلى تبادل المعلومات حول طريقة مواجهة هذه المخاطر من خلال مشاركتها في المنظمات والشبكات الدولية مثل C40 وشبكة 100 مدينة مرنة تقوم بالعمل على قيادة الحلول المبتكرة في مواجهة الأزمات التي تتعرض لها المدن، وإعادة النظر في استراتيجية متوسطة وطويلة الأمد للتخطيط لمدينة عمّان.