الكاتب السياسي حمادة فراعنة
من المرات القليلة ، إن لم تكن الفريدة التي يسكن خلالها في الموقع الأول لقيادة الأمن العام ، رجل من الجهاز نفسه ، تدحرج من الموقع الأدنى كضابط صغير وإرتقى ، مروراً بكل الخدمات والواجبات المهنية المتعددة ، فالتتبع والأنتقال تقليد إداري ومفيد تجعل رجل الأمن لا يحتكر موقعاً ولا وظيفة ولا يكسب شريحة ذات مصلحة ، فهو يتنقل بين المحافظات والأقسام والدوائر ، مما يكسبه خبرة ويضيف لنفسه ولوظيفته تنوعاً وإبداعاً ، ولو لم يكن كذلك ، فعلى الأقل لا يترك أثراً سلبياً دائماً ، فيأتي بعده من يقوم بالتصويب ، وهكذا كان اللواء فاضل الحمود ، تم إحضاره ليتولى مدير الأمن العام ، من موقع الخبرة والمصداقية والمهنية والرجل المتزن ، على خلفية الإطاحة برجلين إرتكبا كل منهما عبر وظيفته تجاوزاً الأول الأذى والثاني التواطؤ أو الصمت ، وهي سمة ليست مقبولة في بلادنا ونظامنا ، فقد سبقهما من هو أقوى وأفعل وسقط بالإدانة لرجال من أجهزة الأمن قضى بعضهم فترات حبس وبعضهم مازال ، وهي إجراءات أكسبت السياسة الرسمية مصداقية في محاسبة أي مسؤول تطاول على صدقية الموقع الذي شغله .
ليس الترحيب باللواء فاضل الحمود ، الهدف منه شخصه كإنسان ورجل مهذب ومستقيم وحسب ، بل للرهان عليه في معالجة القضايا الجنائية الداخلية بإعتباره صاحب إختصاص وليس مستورداً من جهاز أخر ، وهي من أهم الجبهات الأمنية المفتوحة والضارة والمؤذية التي نعاني منها ، فقد هزمت القوات المسلحة وحرس الحدود عمليات التسلل ومحاولات التهريب ونجحت وتفوقت ، مثلما هزم جهاز الأمن السياسي – المخابرات – الخلايا الكامنة وأحبطت معظم محاولاتها ، وباتت مكشوفة ، ووكلاهما الجيش والمخابرات حفظا أمننا الداخلي وأبقياه مصاناً من العبث والتطرف والإرهاب ، ولكن جبهتنا الجنائية نازفة مستديمة بجرائمها المتنوعة المتعددة وحتى الإبداعية منها في المس بأمن الناس وإنحدار سمعتنا بسببها ، ليس فقط أنها لا تمنح الأردنيين الطمأنينة ، بل لا توفر الفرص المطلوبة للثقة بما يجري عندنا .
صحيح أن العنف الإجتماعي وليد الفقر والحاجة ، ونتاج الضيق الأقتصادي ، وبسبب الحرمان من الرفاهية وغياب الإستقرار الأسري ، وضعف الإنتاج الإنساني مما يتطلب إسهامات تفوق قدرة جهاز الأمن العام ، ولكن ذلك يجب أن لا يوفر مظلة التهرب من مسؤولية جهاز الأمن العام وأن تُرمي الأسباب والدوافع على غير هذا الجهاز ، فالبحث الجنائي والأمن الوقائي يجب توسيع قدراتهم البشرية والفنية وإمكاناتهم الميكانيكية والإلكترونية ليكونوا أكثر صلة بالوقائع الحسية والمراقبة الذكية والإستجابة السريعة لنداءات المحتاجين قبل زوال أثار الجريمة وهروب المجرمين .
شوارع عمان الأكثر كثافة ، يجب ضبط سيرها وتوسيع مراقباتها ، وسيارات الأجرة يجب تطوير عملها وأدائها وربطها بتقنية متطورة ، وراتب العاملين بهذا الجهاز يجب رفع سويتها ، حتى تشكل حالة إشباع ورضى ، فهم الجيش المقاتل الدائم والمستنفر ، جنباً إلى جنب طوال الأربع وعشرين ساعة ، طوال الأسبوع ، وكامل أيام الشهر مما يتطلب إعادة الإعتبار لرجل الشرطة وأن يأخذ حقه في التكريم والتقدير كما يستحق إنعكاساً للجهد الذي يقدمه لنا من أمن وراحة وإستقرار .
لا حجة أمام فاضل الحمود ، من دقة العمل ونجاحه فالإتيان به قرار سياسي أمني ، من أعلى مستويات مطبخ صُنع القرار ، ويعود ذلك للإحتياجات الضرورية لمعالجة القضايا والعناوين والزوايا الجنائية الأكثر شيوعاً في ملف العبث الأمني الذي نشاهده ونُعاني منه ، فهو صاحب إختصاص ومهني رفيع المستوى وإداري عتيق ، وإنسان كفؤ ، مما يتطلب منه ومن جهازه تقديم معالجات مهنية ، توفر للأردنيين صدق رهانهم على جهاز يستحق الرهان والإحترام والتقدير .
* نائب سابق في البرلمان
جفرا