راتب عبابنة
هل ننتظر لتزداد الأمور سوءا ونحن نعلم أن القادم لا يبشر بالخير، أم نبادر بالتغيير والتصحيح بدءا من الديوان وانتهاءا بأضغر دائرة حكومية؟؟ الأشجار الهرمة لا تعطي ثمارا كالأشجار الفتية وضررها على التربة والأشجار الأخرى يزداد مع الزمن. لذا اجتثاثها وتجديدها ينقذ المحصول وينميه.
وحالنا كالأشجار المعمرة يخرج (س) ليحل مكانه (ص) من نفس الفصيلة ونفس المدرسة والمواصفات ثابتة ومتفق عليها والتغيير شكلي، لكن المحتوى متماثل. يظن الناظر أن الأمر قد تغير ليكتشف أن النهج لدى الأسماء المتغيرة هو نفسه وما هي إلا عملية شراء للوقت.
لقد تأخر التغيير الحقيقي والتصحيح الجاد والإصلاح المنتج لتبقى رواسب قاتلة لتميت ما بقي من أمل وتقتل ما لدى “البعض” المتفائل من إمكانية صلاح الأمور متذرعين بأن الأردن تخطى مراحل سيئة بتاريخه ومسيرته.
لكن ما نراه من نذر الشؤم ضمن معطيات على الواقع تجعلنا غير متفائلين لفداحتها وعموميتها. ومن يديرون شأننا نظاما وحكومة وغيرهم لا يعيرون تلك التحديات أي اهتمام، بل شعارات تخديرية لإطالة البقاء وإرضاء جهات من مصلحتها أن يزداد الحال سوءا لتحقيق مآرب لا يمكن تحقيقها إلا بالتجويع والفساد وهدر المال وإثقال كاهل الوطن والمواطن بالأحمال الزائدة لإنهاكه وسحب القبول منه وهو بحالة النزع الأخير، وهو المطلوب والمراد تحقيقه.
فنحن نساس بأدوات تنفيذية لا تملك من أمرها شيئا بل تحرص على سلامة تنفيذ ما يأتيها من توجيهات ورغبات لا تملك أن تناقش استحقاقاتها وتداعياتها. فإذا الشعب بقي مسلوب الإرادة وفي سبات فلينتظر الأسوأ. فلا يعقل أن يبقى الصمت قائما والجمود يزداد صلابة وإدارة الظهر للشعب واحتياجاته والتي تلازمها صيحات المحتاجين وشكوى المظلومين وعجز الدافعين والحال الراهن والمعطيات من هنا وهناك لا تبعث على الحد الأدنى من التفاؤل بمستقبل مضيء.
الشعب أثقلت كاهله الضرائب وارتفاع الأسعار والقوانين الجائرة والحكومة تدخل الدولة بأنفاق مظلمة لا نتوقع للضوء دخولها. الوطن يساق كالقطيع لا يعلم نهاية مسيره. لا تجديد ولا تحسين ولا تطوير ولا مبادرات ولا نوايا تخلق لدينا إطالة للصبر.
لم يعد لدينا أمل بصحوة أصحاب القرار والإرادة السياسيين فقد ذاب الثلج وبان المرج ومن لم يكن يعلم ثبت قطعا بأنه يعلم علم اليقين منذ اللحظة لبداية التردي والتراجع بكافة المجالات أن الوطن تقوده سلطتان أحدهما ظاهرة (تنفذ) والأخرى باطنة (تأمر) دافعها حقد دفين انتقل إليها من جيل إلى آخر صاحبه النفوذ والحماية والإختباء خلف السلطة والقانون المانح للتغطية والإعفاء من المساءلة.
والدولة الآن أمام خيارين للخروج من المأزق الخانق الذي يؤدي للموت البطيء أحدهما، الإستمرار بالخضوع للإملاءات التي تقوده للهلاك المحتم وثانيهما الإنتفاض من أجل الإنقاذ. أما حياة التعايش فلا توفر كل المتطلبات والإحتياجات اللازمة والضرورية ليحيا الإنسان حياة صحية مثالية. وعند ذكر التعايش وهو مصطلح يعيه العسكريون أكثر من غيرهم وفحواه أن تبحث عما يبقيك على قيد الحياة.
والإنتفاض هو الوسيلة لإيقاظ النيام ليصحوا ويبدأوا يومهم بما يجب عمله قبل أن تدخل الفأس بالرأس، إذ عندها يصعب التعديل إن لم يستحيل. وما يدعو للإستغراب والإستهجان أن الملك وبعد إصداره سبعة أوراق نقاشية وعلى مدار أكثر من خمسة سنوات رسمت خارطة طريق للحكومات لم يلحظ لتوجيهاته ورؤاه أي تنفيذ من قبل الجهات المعنية. لكنه لم يحاسب المقصرين والمتخاذلين مثلما لم يحاسب الفاسدين، بل تم الإكتفاء بالحديث عن الفساد دون الإشارة لفاسد. نسمع عن تقديم ملفات فساد للقضاء ولا نرى نتائج أو أسماء حوكمت وحوسبت واستعيدت الأموال المنهوبة وسجنت. والعملية لا تتعدى كونها ذر الرماد بعيون المراقبين والشعب ولتكون سببا بالتفاخر والتباهي بأن العمل على قدم وساق، لكن كما يقال هو مجرد حبر على ورق.
المواطن أصبح يعيش حياة تأمين الأولويات القصوى التي تفي بإبقائه مكتفيا بما يسد رمقه بعيدا عن حياة بها أدنى أسباب الخروج عن الأولويات. رئيس الحكومة الوارث للرئاسة من أبيه والذي لا يعلم كيف قراراته تفعل فعلها بالمواطن يطلب منا التخفيف بالإستهلاك فداءا للوطن. وهل افتداء الوطن يتحقق بزيادة التجويع للطبقة العظمى المسحوقة وكبار القوم ينعمون بخيرات الوطن وأرزاق المواطن؟؟ لماذا لا يضرب المثل إذا كان صادقا وجادا بإعادة النظر بالرواتب الفلكية لطبقة المحاسيب والأصدقاء والذين يتبادل المنافع معهم؟؟
فالمتأمل لحياة الأردنيين يخلص أننا نتعايش بين مطرقة السلطة الداخلية وسندان الضغط الخارجي. والوضع هذا لم يأت صدفة أو نتيجة ظروف قاهرة، بل نتيجة الطوعية التي بدأت ولن تنته ولم تحسب انعكاساتها على المسيرة من قبل من طأطأوا رؤوسهم وظنوا أنهم يأتون بالخير لنا، فصار لزاما عليهم القبول ومباركة ما يعرض عليهم حتى سلبت إرادتهم وصودر قرارهم وحسم موقفهم من القضايا والخطط التي تمرر على الشعب.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.