في رثاء الصديقة الحبيبة سهير عكروش !
اكرام الزعبي
تريثي قليلاً يا سهير ! ما الذي أرسلك الى الموت بهذا العمر ونحن جميعاً بحاجة إليكِ ، تمهلي يا صديقتي فما زال فيك الكثير من الحنان لترسليه لنا جميعاً . ما زال حمزة صغيرك ينظر إليكِ تظرة تختلف عن باقي نظراته البريئة . وما زالت مرح صديقة أمها تحتاج الى كلماتك التي تداوي كل مجروح . انتظري يا أم علي قليلاً ؛ فعليٌّ واقف بانتظارك مع ضيوفك الكثُر ، تعزمينهم على مآدبك وموائد كرمك وأصالتك الأردنية الفحيصية . الفحيص كلها اليوم تبكي عليكِ يا خفيفة الظل . صدقيني يا صديقتي أن سخريتك ونكاتك كانت تعلمنا حبّ الحياة ، فكيف تفارقين الحياة هكذا وبكل بساطة ! كيف فعلتِها يا سهير، كيف ؟
لأول مرة يرتبط اسمك بالحزن والدموع ، ولأول مرة سأذهب لمكان تكونين فيه دون أن نضحك كثيراً . لماذا العمليات الجراحية يا سهير لماذا يا حبيبة ؟ ألم أحدثكِ عن فضيلة الجبن ! ألم أحدثك عن خوفي من اصلاح طاحونة مكسورة ؟ لماذا لا يرعبك مبضع الجراح أيتها الجريئة القوية التي لا تهاب شيئاً .
لماذا يا سهير فقط أجيبيني ؟ لماذا بعد كل نكاتك وضحكاتك تعصرين قلبي اليوم حزناً على رحيلك المفجع ؟ لم نعتد على ذلك من منك يا أيتها العبقرية ؟ لم نتعود على تلك الهضبة الجميلة التي كنت تعمرينها ، خالية من الضيوف الفرحين بلقائك أنتِ وحبيبك ياسر وعائلتك الكريمة مثلك ، بل اليوم تصطف طوابير محبيك الذين هرعوا غير مصدقين: أن الكريمة الوفية الوطنية القدعة أم علي قد فعلتها بنا وتركتنا !
لقد رفضتِ مرّة الجلوس مع العجائز وأتيت الينا تركضين قائلة ( وتش زيحيلي ي اكرام هظول بسولفن عن الهبّات ) وجلستِ يومها بيننا بطريقة هزلية أضحكتنا طيلة السهرة . سهير كيف سنعوّض حضورك الكوني الخفيف ؟ ولماذا لم تودعينني بعرس شهد حيث رأيتُ وجهك مخطوفاً وأردتُ سؤالك ما بكِ ، وضيعتك وضل السؤال ببالي ، واليوم عرفتُ الجواب .
لماذا يا سهير أصريتِ على إجراء عملية رفضت المدينة الطبية أن تجريها لك ؟ لماذا سرتِ إلى الموت برجلك التي كانت تركض لإسعاد العائلة والزوج والأولاد ، والوطن كله ؟ لماذا ذهبتِ الى … التي تسمى المركز العربي حيث وافقوا لك على ما رفضته المدينة الطبية ؟ ألا قطع الله يد الطبيب الذي وافق لك على العملية وهو يعلم خطورتها .
غداً نواريكِ ربيع الفحيص التي لم تفارقيها يوماً ، واخترتِ الفراق عشية عيد الفصح حيث لا حصة لنا من البيض والحلوى والكعك ، ربما نفرقها عن روحك الطاهرة للفقراء الذين طالما أحسنتِ لهم .
لا أعرف كيف سأحتمل أنا وكل من أحبك هذا الحزن . شرقتُ بدمعي يا سهير وضيعت طريقي التي تحفظها السيارة غيباً ، ودخلتُ في زوبعة من الأسئلة عن رحيل الذين نحبهم وبقاء الشرسات المؤذيات المتطاولات . رحمة الله عليكِ وسامحك وغفر لك يا حبيبتي . لستُ أدري لماذا علقت بذهني أغنية :
‘ كل سنة وانتِ طيبة يا مامتي ، وبعودا الايام !
رحمة الله عليكِ يا صديقتي سهير الخفيفة الظل ، وليتغمدك المولى بواسع رحمته . وأستغفر الله الحيّ القيوم وأسلّم بقدره . وإنا لله وإنا إليه راجعون .
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت
إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها
إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها
وإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها