كتب : د. محمد العناقرة
غياب الكبار محنه في كل الظروف، ولكنه في الزمن العصيب يتعدى الحزن الخاص والألم الشخصي إلى صميم المصير.
ادوارد عويس مفكر وشاعر أردني حمل لقب شاعر الأردن الكبير والملقـّب بقلعة الضاد في الاوساط الأدبية الأردنية حيث كان اول من اطلق عليه هذا اللقب صحافة جامعة اليرموك. نذر ادوارد عويس عمره للإبداع في مجالات العلم والفكر واللغة والشعر، وهو صاحب نظرية العروض اللوني ونظريات فنية تقنية في علوم اللغة العربية والخط العربي. واحد معلمي مرحلة الرعيل الاول الذين قضوا جلّ عمرهم اخلاصاً لرسالة التعليم فانشأوا اجيالاً واعية ومثقفة، ومن المؤسسين للحداثة الشعرية في الأردن واحد ابرز الأدباء الذين رفدوا الحركة الثقافية العربية بغزير انتاجهم.
دخل ادوارد عويس كل بيت في الاردن عن طريق قصائده المنشورة في كتب المناهج المدرسية والتي حفظها اطفال الأردن وغنوها نذكر منها النشيد الذي عُرف من خلاله:
وطني الأُردنُّ رسمْتُ غَدِي وحفـظْــتُ بهـاءَكَ لـلأبَـــدِ
وطنـي الأردنُّ أنا الأمـــلُ
أَزْهُــو بعيونِــكَ تــكتـحل
في تُرْبِكَ يا أَحلى بَلـَدِ
يَمْتَـدُّ بقلبيَ بُسْــــتانا
بِيدي بِيدي يَحلو العملُ
غاراً للنصــرِ وريحانا
ولد ادوارد عويس في مدينة عجلون شمال الأردن عند الساعة الثامنة من مساء يوم الثلاثاء 3/11/1936 م، تلك المدينة العريقة ذات الأهمية التاريخية الاستراتيجية العسكرية على مدار مراحل التاريخ. وسمي بهذا الاسم “ادوارد ” نسبة الى ابن ملك بريطانيا الذي تنازل عن المُلك لأخيه الأصغر جورج حيث ربطت أسرته علاقة مع امرأه تقطن جرش في ذلك الزمان تدعى “مس باطلن” وهي من الاسرة الحاكمة البريطانية. ولما جاء على لسان مس باطلن من قصة مؤثرة بأن العادات البريطانية تمنع الملك من الزواج بغير بريطانية وأن ادوارد كانت تربطه عاطفة قوية بفتاة يونانية، فتمسّك بها وتنازل عن العرش لأخيه، ومن هنا جاءت تسمية ادوارد الشاعر.
عاش ادوارد عويس شطراً من طفولته المبكرة في فلسطين حيث كان والده يعمل هناك، فسكن في بيسان ومنطقة جسر المجامع وسمخ وطبريا، وتركت هذه السنوات اثراً عميقاً في حياته .
ظهر لادوارد في مراحل عمره المبكرة حضور اجتماعي متميز في مقهى مدينة عجلون أيام الحرب العالمية الثانية من خلال إلقائه الاشعار هناك على مسامع من هم أكبر منه سناً، وكان اثناء فترة الحرب يعمل على حفظ موجز الأخبار من جهاز المذياع الوحيد في البلدة آنذاك في ذات المقهى ليقوم بنقاشها واخبار جده بها.
نشأ في عجلون ودرس فيها، ونظراً لنضجه الفكري فقد تم ترحيله ليتجاوز دراسة بعض المراحل الدراسية منتقلاً الى المراحل الاعلى مباشرة. وأكمل دراسته الثانوية عام 1957 م من مدرسة عجلون الثانوية للبنين، وكان لتلك المدينة أن تشكّل بجغرافيتها تضاريس حياة الشاعر.
إلتحق بسلك التعليم بعد الثانوية العامة عام 1958 ليعمل مدرساً في وزارة التربية والتعليم لمدة تقارب الثلاثين عاماً، فكان من معلمي مرحلة الرعيل الأول. واصل اثناء عمله في سلك التعليم دراساته الجامعية فحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي عام 1972 م من جامعة بيروت العربية، وحصل على شهادة الدبلوم العام في الدراسات العليا قسم اللغة العربية وآدابها من جامعة القديس يوسف \كلية الآداب والعلوم الانسانية عام 1979 \1980 م. وكان مهتماً بمتابعة تعليمه إلا انه ترك لبنان على أثر الحرب.
عمل في قرية “جفـّين” إحدى قرى محافظة اربد وعاش فيها أربع سنوات، ربطه تواجده فيها بعلاقه قويه مع الباشا عبدالله الكليب الشريدة الذي كان يتردد على جفـّين في ذلك الزمان .وسكن قرية “جديتا” في ذات المحافظة وعمل فيها لمدة ثلاث سنوات، كما درّس في “عين جنا ” وعجلون.
مسيرة ادوارد عويس حافلة بالأدب والفكر والشعر، حيث بدأ كتابة الشعر وهو في الصف الرابع الابتدائي، وكانت بداياته في الظهور كاسم أدبي من خلال علاقته بالإذاعة الأردنية آنذاك في الفترة التي ابتدأت أواخر المرحل الابتدائية مروراً بالإعدادية.
كتب في موضوع الحياة والوجود كقضية غير متجزئة لتجد نصه الادبي الزاخر يحتوي الفلسفة والسياسة والمرأة والوطن في مضامين متداخلة ضمن فلسفته للحياة، وسجّل احداث المرحلة شعراً فكتب في قضايا الأمة العربية بشمولية، ودَرس الأحداث دراسة معمقة وقدّم تصويراً وافياً للموقف. وكتب للأطفال الاغاني والاناشيد، والحواريات القصيرة والمسرحيات الشعرية، كما كتب باللغة المحكية قصائد وأغنيات.
ظهر أول نشاط ادبي له في مرحلة الطفولة من خلال مسرحيته “وفاء العرب” التي تم عرضها في ذلك الزمان بموافقة الحاكم الاداري كايد العتوم في عجلون. تلاها أن اصدر عويس جريدة تكتب بخط اليد وتوزع على المدارس والمؤسسات والدوائر. انضم الى رابطة الكتاب الأردنيين فكان عنصراً فاعلاً فيها، وكان عضو اتحاد الأدباء والكتّاب العرب.
خصّ الشاعر بناته الأربع بدواوين شعرية تحمل أسماءهن ديوان ريادة، وديوان رواء المساء، وديوان سوار الأغنيات. وخصّ ابنه بملحمة شعرية، وجاء اهداء دواوينه الى زوجته نهيل التي كانت مصدر الهام بدا ظاهراً في شعره.
وللشاعر قصائد وأناشيد تتغنى بمجد الأردن وجماله منها ما يدرّس في كتب المناهج المدرسية الأردنية وترك أيضاً إرثاً لم ينشر بعد نذكر منه مخطوطات منها: ديوان اجراس قبل الرحيل، و ديوان ليالي القمر ، وديوان أغنيات الى يارا، وديوان في الشعر الشعبي، و مسرحيات شعرية غنائية، ومخطوطه في الفلسفة وعلوم اللغة.
وشكّل شعر ادوارد عويس مدرسة في الفكر الفلسفي، سجّلت إضافة نوعية للفكر الإنساني على مر التاريخ، وصاحب اكتشاف غير مسبوق في اوزان الشعر العربي إنها نظرية العروض اللوني وصاحب نظريات فنية تقنية في علوم اللغة العربية والخط العربي. وترجمت بعض أشعاره إلى لغات اخرى.
اتسمت حياة ادوارد عويس بشيء من المعاناة فكانت طفولته شاقة وبالرغم من هذا فقد امتازت فترات حياته التالية بالنشاط الاجتماعي والادبي بوتيرة عالية وبشكل ملحوظ فبرز كشخصية اعتبارية اجتماعياً في شمال الاردن وكان بيته في عجلون محجّة لطلبة الجامعات دارسي العربية، وظهر جلّ نشاطه الأدبي في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم. وتمثل الجزء الباقي من حياته في ظروف حياة متشابكة بالصوفية الإبداعية التي اخذته ليخلد الى اجواء المعاناة التي امتزجت بالإبداع، فجاء شعره متحدثاً عنه وعن حياته.
يقول الدكتور ناصر الدين الأسد: والشاعر إدوارد عويس يمتاز في حياته وتعامله مع أصدقائه ومعارفه بصفاء النفس ووضوح الفكر والمشاعر والمباشرة في التعبير عنها. وقد تمثلت هذه الصفات النفسية والفكرية والتعبيرية في شعره الذي اطلعت عليه، وهو شعر جاء أكثره في الغزل وفي الوطنيات، وما أن يبدأ القارئ قراءة القصيدة حتى ينساب معها ويتسلسل فلا يقف إلا في نهايتها، وذلك لما تتميز به أبياته من وفرة موسيقية ومن سلامة في اللغة ومن بُعْدٍ عن التعقيد والغموض والتعمية. ومجال الاستشهاد على كل ذلك واسع ولكن حسبي أن استشهد بقوله في قصيدته “أمطار في الصيف” (ديوانه: ريادة ص37 – 40):
أشتاقُ إليكِ ويغمُرني
فيضٌ يمتدّ فينحسر
وتدور الأرض فأرقب أن
يتساقط في صيفي مطر
رحلتْ أيامي في عينيكِ
وطال النأيُ ولا خَبَرُ
إلى آخر الأبيات
والشاعر حريص على فصاحة لغته وسلامتها وعلى صحّة أسلوبه وتراكيبه اللغوية، وتمثل ذلك في شعره الذي على الشطرتين وفي شعره الذي على التفعيلة الواحدة”.
أما الدكتور خالد الكركي فقال في تأبين ادوارد عويس: ” وأمس، واليوم، مانسيناه، وعهدنا به قريب، وأمس، كنا في انتظاره عائدا الى البيت ، قامة في علو عجلون ، ووجهاً في بهجة ليلها وشِعراً في غموض خوابيها وزماناً آخر يطلع من القلعة والشجر و النساء، و بهجة شموسها ، ووعداً بزمان أردني جديد يُطعم الناس فيه من جوع، ويأمنون من خوف…
هذا هو زمانك القادم، مثل قصائدك التي حملّتها الحداثة، والريادة والرواء، زمان ندوّن على صفحاته بالايقاع والصورة زهو الوطن وأحزانه وحكايات عشاقه.
واليوم أسالك أنت: هل لك من سفر المنية أوبة !!
لقد سبقت أيّها المعلم، وبقينا هنا، حرّاس حلم كنت تطبق جفنيك عليه حتى لا يغيب”.
وتحدث الدكتور محمود مهيدات في تأبين ادوارد عويس قائلاً: “هكذا هم العظماء الذين ادركوا معنى الحياة والعظماء اطول الناس اعماراً وان قلَت على ظهر الدنيا ايامهم لأنهم يحملون على عواتقهم احجار هياكل الخلود”.
أما الدكتور سمير قطامي فقد وصف ادوارد عويس قائلاً: “شاعرا ملأ الجو بأشعاره السياسية والوطنية ابن عجلون .. شامخاً شموخ جبالها، عميق الجذور كآثارها الخالدة، معطاءً كزيتونها، طيب النفس كهوائها، صلب المواقف كصخورها.. فكان لعجلون ان تعطي ببيئتها دوراً قوياً في تشكيل شخصية المبدع. شاعر نذر نفسه لقضايا وطنه وأمته، مؤمناً بالحرية والعدل والإخاء، غنى للأرض والانسان والوطن والحرية، اعذب الشعر وأصدقه، وبكى حال أمته. برحيل ادوارد عويس فقدنا سيفاً قاطعاً وقلماً جريئاً ورمزاً وطنياً وقلباً نقيا”ً.
أما محافظ عجلون السابق علي الشرعه فقد وصفه قائلاً: “لقد كان شاعرُنا الراحلُ كبيراً ……. في داخل نفسه وكان كبيرا .. في ولائه وإخلاصه لوطنه وأمته .. وكان كبيرا .. في عطائه لأجيال عديدة تتلمذت في مدرسته .. وكان كبيراً .. في غزارة إنتاجه وشعره .. وكان كبيراً .. في تماهيه مع روعة الطبيعة التي تجسد حسن إبداع ربِّه. لقد كان كبيراً في كلِّ حياته ومن الصعب أن نفيَ الكبارَ حقهم”.
ويقول عبدالله ابورمان في إدور عويس: “هو موهبة مبدعة خلاقة وكل من يقرأ شعره ونتاجه بعين المتأمل ووجدانه قادر ان يكتشف جانباً من جوانب الإبداع والتميز، وملامح من سماته الشخصية وسجاياه”.
ويذكر الأستاذ احمد العيسى رئيس الهيئة الإدارة في اتحاد أدباء وكتاب دولة الإمارات العربية المتحدة ادوارد عويس قائلاً: “الشاعر الكبير ادوارد عويس لم تغب عنا ولم يغيب ليلك شعرك عن قلوبنا، ولم يغب النشيد وانت من قرأ الحياة واسكن نفوسنا. هي تلك الانسيابية المفعمة بالحب والروح بعفوية وتلقائية روحك ايها الجميل، وأنت تأخذنا الى صدرك النازف محبة وابتسامات.
ان لغة الراحل العزيز هي لغة محرّضة للقفز والركض والنبش والدخول الى عمق القصيدة، وهي مكان خالد للحروف الصادقة الخارجة دون تكلّف وانشائية، ادوارد عويس باقِ فينا ولم يرحل”.
ويصف الأستاذ محمد نصيف الشاعر العراقي شعر ادوارد عويس قائلاً: “عندما تتأمل شعر ادوارد عويس تحس بأنك تقف أمام ركيزة متأصلة من ركائز الشعر العربي وتدرك أنك أمام فارس أصيل انصهر في قضايا أمته العربية وألزم نفسه بأن يكون الناطق الرسمي بتطلعاتها وآلامها التي كانت ترتسم في حروفه وكلماته المتدفقة من اعماق نفسه الصادقة والمخلصة لرسالة أمته الخالدة”.
أما الكاتب المغربي ناجي أمين يقول: “ادوارد عويس ايها الغائب الحاضر فينا .. غادرتنا في صمت واباء .. غادرتنا في حكمة الانبياء .. كما الاشجار تحيا واقفة وتموت واقفة … كما الشهداء الابرار والصديقون .. يغادرون لكنهم يعلمون أن لهم في قلوب محبيهم سكنا وان اسماءهم منقوشة في ذاكرة الأمم على طول المدى”.
ويقول الكاتب الجزائري محمد شعوفي في ادوارد عويس: “هكذا يكون العظماء يتركون بصماتهم تؤرخ للأمة لتوجهها نحو ما ينفعها، أعطيتم من أنفسكم ما ملأ الفراغ بعدكم، ادوارد عويس رحل عنا بالجسد ولكن روحه باقية تسري فينا وتخاطب وجدان كل عربي، وكأن بها تراقبنا في خطواتنا وتصرفاتنا، و بحكمته وتوجيهاته تنبعث فينا روح النهضة التي كان من روادها ليستقي الشباب من همته نيران الثورة العلمية والأدبية الى تحرير القدس وعودة الأمة الى سابق نهضتها ديناً وعقيدة وعروبة.
داهم المرض ادوراد عويس عام 2006، فأرسل من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم للعلاج في لندن، فاكتسب الشفاء على أثرها ثم عاوده المرض بعد عامين فرحل عن هذه الدنيا في 27/7/2008م، ليدفن حيثما اراد على مدخل مدينة عجلون التاريخية.
تكريماً للراحل تم تسمية احد شوارع دابوق\عمان باسمه، واحد شوارع مدينة عجلون ايضاً وستقوم محافظة عجلون بالتعاون مع البلدية بتصميم نصب تذكاري للراحل على مدخل مكتبة عجلون العامة بالاضافة الى انه سيتم اطلاق اسمه على القاعة الثقافية الرئيسية لمدينة عجلون مهد ميلاده فور اتمام بنائها.
إن رجلاً هذا سجلّه، لا تُمحى صورته من أذهان محبيه وعارفيه، ولا ينقطع ذكره، بل يستمر بقدر ما يظل مثله حياً في محيطه، فقد كان الراحل وفياً لوطنه، ولعائلته، ولعلمه على أكمل ما يكون الوفاء. رحمك الله يا ادوارد لذوبك وأصدقائك ومحبيك وتلامذتك وناقديك العزاء فيما تركت من رسالة محصلتها عطره.
إدوارد عويس: إرث أدبي وفكري ضخم
رحل في هذا اليوم من العام 2008 حامل لقبي “قلعة الضاد” و”شاعر الأردن”، بعد عرار، وصاحب الدواوين الشعرية الأربعة والإرث المتنوع الضخم، الشاعر إدوارد عويس، بعد مسيرة زاخرة بالعطاء الأدبي والفكري.
ولد عويس في محافظة عجلون العام 1936 وأكمل دراسته الثانوية في مدارسها،
فيما عاش شطراً من طفولته المبكرة في فلسطين، حيث مكان عمل والده، متنقلاً بين بيسان وجسر الجامع وسمخ وطبريا، والتي تركت أثراً عميقاً في حياته.
واصل أثناء عمله في سلك التربية والتعليم دراساته الجامعية، فنال شهادة الليسانس في الأدب العربي العام 1972 من جامعة بيروت العربية، وشهادة الدبلوم العام في الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها من جامعة القديس يوسف في بيروت.
اختبر عويس نظم الشعر منذ بواكير عمره في المرحلة الدراسية الإبتدائية، متأثراً بنشأته في عجلون، وسط تضاريسها وجغرافيتها، التي ألهمته الكتابة وطبعت بصماتها في حياته النفسية، وعكست هموم وقضايا الوطن والأمة، فيما بعد، في الجزء الأكبر من شعره.
برز الشاعر الراحل في سبعينيات القرن الماضي مواكباً التجديد والمعاصرة، محافظاً على هيبة التراث والتاريخ ومتمسكا بهما، فكان منفتحاً على التراث العربي ومتفهماً لمتطلبات المعاصرة شعراً وفي كل أطر الحياة، ما عكس شخصيته بإرث شعري أضفى حيوية على الحركة الشعرية في الأردن.
ظهر أول نشاط أدبي له في مرحلة الطفولة من خلال مسرحيته “وفاء العرب”، تلاها إصداره جريدة كتبت بخط اليد وزعت على المدارس والمؤسسات والدوائر. يعدّ عويس صاحب مدرسة في الفكر الفلسفي تشكل إضافة نوعية للفكر الإنساني على مر التاريخ، وصاحب اكتشاف غير مسبوق في أوزان الشعر العربي، ممثلاً في نظرية العروض اللوني الموازنة لنظرية العروض الصوتي للخليل بن أحمد الفراهيدي، إضافة إلى تأصيله لنظريات فنية تقنية في علوم اللغة العربية والخط العربي.
عاش الراحل صوفية ابداعية تلتها ظروف حياة متشابكة، فجاء شعره متحدثا عنه وعن حياته. وظهرت المرأة في شعر عويس، معشوقة ووطناً وأماً، فكان نصيراً لها في كل الأطر، ومدافعاً عن حقوقها.
خص عويس بناته الأربع بدواوين شعرية صدر منه: ديوان “ريادة”، و”رواء المساء” العام 1985، و”سوار الأغنيات” الذي يحمل اسم حفيدته لابنته الثالثة التي عملت على تجميع بعض من أشعاره، وخص ابنه عمرو بـ”ملحمة شعرية” كتبت كباقي شعره في مخيلته قبل أن تختط ورقياً. جاء إهداء دواوينه إلى زوجته نهيل التي أهداها الجزء الأكبر من شعره، حيث كانت مصدر إلهام قوي بدا ظاهراً في أغلب قصائده.
انتسب الراحل إلى عضوية رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وللشاعر إرث لم ينشر بعد، نذكر منه المخطوطات التالية: ديوان أجراس قبل الرحيل، ديوان ليالي القمر، ديوان اغنيات إلى يارا، ديوان في الشعر الشعبي، مسرحيات شعرية غنائية، مخطوطات في الفلسفة وعلوم اللغة
ومن جانب اخر ….
ليالي القمر وموقع الكتروني لادوارد عويس في الذكرى الرابعة لرحيله
صدر حديثا وبدعم من وزارة الثقافة ديوان ( ليالي القمر ) للشاعر والمفكر الأردني الراحل ادوارد عويس الملقب ( بقلعة الضاد ) .
ويأتي صدور الكتاب الذي هو عبارة عن مجموعة من القصائد الشعرية تركها الشاعر لتقوم ابنته بجمعها ، بمناسبة الذكرى الرابعة لوفاته التي وافقت أمس ، وتزامنا مع اطلاق موقع الكتروني بعنوان( قلعة الضاد ) خصص لمجمل أعماله وسيرته وصوره في مراحل مختلفة من حياته وما كتب عن شعره من دراسات وأبحاث .
يتضمن الديوان الذي يقع في 208 صفحات من القطع المتوسط والصادر عن دار البيروني للنشر والتوزيع 42 قصيدة تؤطر جميع مناحي الحياة شعراً محتفية بلغة جزلة بليغة ، واقفة على صلب الظروف العربية، وكأنها كتبت لزماننا الذي نعيش ، خصوصاً في القصائد التي حملت هاجساً وطنياً قومياً مثل حنين القدس ، في ترب نابلس ، وفد الجليل ، شاتيلا .
يحمل الديوان صوراً شخصية لعويس في ثلاث مراحل من حياته وجاء الغلاف حاملا صورته بلوحة إبداعية للفنان المصري عادل أمين ، بإخراج الفنانة أسمى جرادات , وجاء عنوانه حاملاً اسم ابنته ليال بإهداء إلى زوجته نهيل حيث ضمت بعض قصائده هذه الخصوصية .
ِوغلب على المجموعة الشعرية الطابع العاطفي الذي أخذ منحى من الحزن الممتزج بالمعاناة وتضمنت بعضاً من قصائد الرثاء مثل أهزوجة رحيل الشاعر عبد الكريم الكرمي , وليلى الأخيلية, وعشاق الذرى .
ولم تغب الأجواء الفلسفية عن هذه المجموعة الشعرية كعادة عويس بأنه يوجز معتركات الحياة من خلال جدلية شعرية تفضي عن البال، فجاءت قصيدة اراني بادئاً وقصيدة ،إشراقة الأمل ،الحالة سيئة ،حريق الأوراق الصفراء .
وليالي القمر هي المجموعة الشعرية الخامسة لعويس، ومن اصداراته ريادة 1977 ، رواء المساء 1985 ، سوار الأغنيات 2007 ، أجراس قبل الرحيل 2009 .
وعملت ابنة الشاعر على اصدار الديوان بالصوت محتوياً على ما يقارب عشرين قصيدة صوتية منها ما جاء بصوته ومنها بصوت ابنته مع الموسيقى التعبيرية وتم اطلاقه من خلال موقع التواصل الاجتماعي .
يذكر أن عويس ولد في عجلون عام 1936 ودرس في مدارسها ثم التحق بسلك التعليم ليعمل مدرسا في وزارة التربية والتعليم لمدة تقارب الثلاثين عاما وحصل على البكالوريوس في الادب العربي عام 1972 وشهادة الدبلوم العام في الدراسات العليا قسم اللغة العربية وآدابها ،وتوفي في العام 2008 .
عاش ادوارد عويس شطراً من طفولته المبكرة في فلسطين حيث كان والده يعمل هناك ، وتركت هذه السنوات آثرا عميقاً في حياته .
الشاعر إدوارد عويس صاحب قلعة الضاد…
الشاعر ادوارد عويس امام منزله …
خلِّد حياتك في مجدٍ تؤسسه
ولا عليك إذا امتدت يد القدر
عجلون والسحر والأحلام والصور
نبع الجمال وحسن خالد عَطِر
عجلون والقلب لا يخلى مرابعه
يممت صوبك والآمال تنتظر
وقلعة الربض الشماء ناطقة
بالخلد والمجد والأجيال تعتبر.
نظم هذه الكلمات ادوارد عويس ابن عجلون الذي ولد فيها عام 1936 ورحل عنها عام 2008، وكان يلقب بـ»قلعة الضاد»، وهو صاحب نظرية العروض اللوني، ونظريات أخرى فنية تقنية في علوم اللغة العربية والخط العربي.
متميز منذ الطفولة
بدأ ادوارد عويس، يكتب محاولاته الشعرية منذ كان تلميذاً في الصف الرابع الابتدائي في عجلون.. وعاش طفولة شاقة ورغم ذلك كان متفوقاً في دراسته حيث كان يُرفع من صف إلى آخر بسرعة بسبب ذكائه وتميزه عن الطلاب الآخرين من أبناء جيله.
وأصدر إدوارد في صباه بعجلون جريدة كانت تُكتب بخط اليد وتُوزع على المدارس والمؤسسات والدوائر!! وكان له حضور اجتماعي منذ أيام الحرب العالمية الثانية وذلك من خلال إلقائه الأشعار في مقهى مدينة عجلون على مسامع من هم أكبر منه سناً. ومن الطريف أنه وأثناء فترة الحرب هذه أخذ يحفظ ما يُبث عبر الراديو الوحيد في بلدة عجلون وذلك ليقوم في ذات المقهى بنقاشها مع الكبار، وإخبار جده بها في البيت.
حبه للعروبة والوطن
وعاش ادوارد شطراً من طفولته في فلسطين حيث كان يعمل والده في بيسان وطبريا ومنطقة جسر المجامع، حيث تركت تلك الفترة اثراً عميقاً في وجدانه.
ومن ذلك فقد احب عويس أرض العروبة جميعها ودافع عن قضاياها عبر أشعاره.. فقد كان شاعراً وطنياً وقومياً عروبياً تشهد له بذلك مواقفه وقصائده.. ونذكر منها مثلاً قصيدة «وفد الجليل»:
وفد الجليل من الجليل – من الربوع الهادرة.
من لوعة الاقصى اطل – كبرق سحب ماطرة
من غضبة المهد المعذب – والخليل الساهرة
من حزن غزة وجهة – ومن الجراح الغائرة
يزجي البشارة والرجاء – لكل روح حائرة
عربية انسابه – وفعالة والآصرة
أهلا بمقدمك السعيد الى الربوع الزاهرة
عجلون تسعد بالمتوج – في القلوب الشاعرة
ابلغ لغرب النهر – اغنية الرفاق الآسرة
عمان ذاكرة العلا – ليست بلهو سادرة
لا شغل بغداد يدوم – ولا ضياع القاهرة.
إدوارد ابن ملك بريطانيا
أما لماذا سُميّ إدوارد عويس بهذا الاسم؟! فلذلك حكاية لطيفة وهي ان عائلة عويس كانت على صلة بامرأة بريطانية وهي «مس باتن» وكانت تسكن في جرش عام 1936 حيث كانوا يتبادلون الزيارات.. وذات مرة حدثتهم مس باتن ان ابن ملك بريطانيا وكان اسمه ادوارد تنازل لأخيه جورج عن وراثة منصب العرش هناك!! لان العادات البريطانية تمنع الملوك من الزواج بغير فتاة بريطانية.. فقد كان ادوارد في الحقيقة يحب فتاة يونانية ويود الزواج بها..وهذا ما كان فعلا.. ومن هذه الحادثة احب والدا «ادوارد عويس» تسمية ابنهما المولود الجديد بهذا الاسم الذي يدل على التواضع والمحبة بالدرجة الاولى.
العائلة المحبة
إنها عائلة وأُسرة محبة لبعضها البعض وللآخرين وللحياة والوطن وللإنسانية.. فقد اهدى ادوارد كل دواوينه القديمة والحديثة الى زوجته «نهيل» وكتب العديد من القصائد إلى بناته وأولاده.. ومن قصيدة مهداة الى نهيل عروس الجمال يقول مؤكداً حبه الرائع:
نهيل نهيل نهيل نهيل
عروس الجمال والاسم الجميل
اقول نهيل فتهفو الزهور
وتشدو الطيور وتزهو الحقول
نهيل نبيذ وعطر وسحر
ونقل شهي وظل ظليل
اقول نهيل تضوع الخزامى
يفيض الربيع ويندى النخيل
ايا نهل اني الوفي الابي
ولي في ودادك عهد اصيل
وتدرين اني عميق الوداد
وانى بحفظ الجميل نبيل
المسيرة الادبية
والشاعر ادوارد عويس عمل مدرسا لمادة اللغة العربية لمدة (30) عاما في شمال الاردن.. لكنه واصل تعليمه حتى حصل على بكالوريوس في الادب العربي ودبلوم دراسات عليا كذلك.. وقد تخرج من بين يديه المئات من طلاب العلم ورجال الوطن والمبدعين.
وعن اهتمامات الشاعر فلم تقتصر فقط على الشعر.. فقد ساهم بالكتابة المسرحية وتأليف الاغاني والاناشيد للاطفال.. كما كتب بعض القصائد باللغة المحكية وكذلك الاغنيات.
وللشاعر قصائد واناشيد معروفة تتغنى بمجد الاردن وجماله ومنها ما يُدرس في كتب المناهج المدرسية الاردنية.. وقد ترجمت بعض اشعاره الى اللغات العالمية.
في عشق عمان
ورغم حبه الجارف لمسقط الرأس عجلون الجميلة بمناظرها الطبيعية والتاريخية الجذابة.. فقد كان يأتي كل فترة الى عمان العاصمة حيث الاصدقاء والمعارف في رابطة الكتّاب الاردنيين نشاهده ونتحادث معه ونجلس معا ليلقي لنا بعض اشعاره ومنها مثلا:
عمان عشقتك فاتنتي
من اقدم عهد
وتظل ورودك ساكنتي
في احلى مهد
وتناجي الرصد
فأهدهد قسوة ايامي
بشموس الغد
عمان بهاؤك منتجعي
واللقيا وعد
سأشيد مجدك في وجعي
ودمي والوجد
قطامي عن عويس
يقول دكتور اللغة العربية سمير قطامي عنه ما يلي «كان ادوارد عويس شاعرا ملأ الجو باشعاره السياسية والوطنية.. ابن عجلون شامخا شموخ جبالها، عميق الجذور كآثارها الخالدة، معطاء كزيتونها، طيب النفس كهوائها، صلب المواقف كصخورها.. فكان لعجلون ان تعطي ببيئتها دورا قويا في تشكيل شخصية المبدع.
انه شاعر نذر نفسه لقضايا وطنه وامته مؤمنا بالحرية والعلد والاخاء، غنى للارض والانسان والوطن والحرية اعذب الشعر واصدقه وبكى حال امته، وبرحيله فقدنا سيفا قاطعا وقلما جريئا ورمزا وطنيا وقلبا نقيا.
ماذا وراءك يا اشراقة الامل
بحر من الحب ام بحر من العلل
فهل أُرتب اوراقي على ثقة
ام هل ارتب اوراقي على خلل
وفاء للشاعر…
وكانت المهندسة يارا ادوارد عويس ابنته قد اشرفت واخوتها على جمع واصدار ديوان شعري للراحل بعد رحيله صدر في هذا العام وكان بعنوان «ليالي القمر» والذي استشهدنا بعدد من القصائد الواردة به في هذا المقال.
ولاجل الوفاء لهذه الشخصية الاردنية الشعرية التي يمتزج فيها الحب والمعاناة والوطنية والوصفية والفلسفة والسياسة والوجود وحب المرأة والانسانية فقد قامت الجهات الحكومية المختصة بالعمل والاعداد للامور التالية:
– تسمية شارع في منطقة دابوق بعمان باسمه
– تسمية شارع في عجلون باسمه
– يجري عمل نصب تذكاري للراحل الكبير ادوارد عويس على مدخل مكتبة عجلون العامة
– اطلاق اسمه على القاعة الثقافية الرئيسية لمدينة عجلون فور اتمام بنائها.
قصائد فلسطين في مجموعة شعرية لادوارد عويس
صدر مؤخراً في تموز2013م المجموعة الشعرية الإلكترونية للشاعر الأردني الراحل ادوارد عويس والتي جاءت لتحمل عنوان احد أهم قصائده” القدس مرمى العصا” وتصدّر شاشة المجلة الثقافية قلعة الضاد، وكانت قد عملت على تجميعه اسرة الشاعر بمناسبة حفل استذكار الشاعر في جامعة القدس المفتوحة في رفح، ونشر بمناسبة اقتراب ذكرى رحيله.
الديوان الواقع في تسلسل مباشر يمكّن القاريء من تصفحه مباشرة، والذي لاقى عدداً كبيراً من القرّاء وسعة انتشار عبر صفحات التواصل الاجتماعي، تضمن 16 قصيدة من الشعر الملتزم العامودي بالاضافة الى بعض القصائد من الشعر الحر والتي خصّ بها الشاعر القدس وبعض المدن الفلسطينية بوقفة نظالية،فجاءت قصائده كظاهرة غير مسبوقة بأن خصّت القدس معبّرة عن عدم الحياد عن قضية العرب الرئيسية فتناولت قصائد حنين القدس، والقدس وسلمى والكأس، والقدس تُسفح، وأغنية فلسطين، وفلسطين تسافر،ومسفوحة أشواق كنعان والمزيد من القصائد التي وقفت شاهدة على احداث المرحلة التاريخية وازمة الصراع العربي الاسرائيلي الى أن انتهت المجموعة الشعرية بحوارية شعرية بين عمان والقدس تصف التآخي والتوأمة والوقفة الأردنية المساندة للقدس.
مَنْ يَهتفُ باســـمي.. مَنْ يبعــــثُ هَمـــي
من ايقظني في ليل الصمت.. ما كانَ غريباً هذا الصوت
من غاصَ بجرحي المدفونِ .. وكوى بالجمر شراييني
القدس- يا أختُ تمرُ الأعوامُ .. وتزيدُ بقلبي الآلآمُ
جَثَمَ الجلادُ على صَدري..داست قدماهُ مُنى عمري
عمان- القدسُ الصوتُ كما الظنُ.. الحزنُ الراحلُ والظعنُ
أُختاهُ دهتني الأشجانُ .. وجفت أفيائي الألحانُ
الشوقُ العَاصفُ يجلدني .. والبينُ سهامٌ في بدني
القدس –أَأُخية هل ضاعَ العَهدُ.. لا الفارسُ جاءَ ولا الوردُ
أترنَحُ في ثوب العرسِ.. والغاشمُ يمعِنُ في حَبسي
أَدمت أحشائي الأَهوالُ.. لم يقحم ساحي الأَبطالُ
أَأُخية قد طالَ البعدُ.. وتناءى عن روحي السعدُ
وجاء في بعض قصائد المجموعة الشعرية توثيقاً تاريخياً للمرحلة مثل قصيدة فلسطين تسافرالتي كتبت للفلسطينين الراحلين عن بيروت، وفي ترب نابلس التي كتبت للمناظل بسام الشكعة، ومذبحة الدوايمة، ومرج الزهور، وقصيدة فجع الخليل والتي كتبت في الهجمة على المصلين في الحرم الابراهيمي والتي أكد من خلالها الشاعرعلى الاتفاق العربي والتي اختتمها بقوله: بالعزمِ تُـزْهِرُ في معابدنا المنى…… ويُرَتَّـلُ الـقرآنُ والانجيلُ .
من جانبها أكدت ابنة الشاعر الكاتبة يارا عويس على حرص العائلة الشديد في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي ونشره ليرى النور، مشيرة الى أنه سيصدر قريباً مختارات شعرية من عجلون مدينة الثقافة الأردنية، وجاري العمل على تجميع بقية أوراق الراحل للنشر ومنها مجموعة من الشعر الشعبي وكتاب نظريات ادوارد عويس واعمال نثرية.
الشاعر الأردني ادوارد عويس والملقب بقلعة الضاد عربياً ،ولدّ في عجلون تشرين الثاني عام 1936م ورحل في تموزعام 2008م، صدر له ريادة، ورواء المساء، وسوار الأغنيات، واجراس قبل الرحيل، وليالي القمر .
2 تعليقات
جوليا
والله اشتقت لعمي ادوارد وعمي جورج وبالاخص اشتتقت لجدي
جوليا
شكرا جزيلا لك يا دكتور على هذا المقال