الشيخ محمود المطلق ابو عناب الخطاطبه
من اقوى رجالات كفرنجة بالعصر الحديث
الكاتب : الباحث محمود الشريدة
#المقدمة : عند الكتابة عن الرعيل الأول الذين شاركوا في بناء الأردن الحديث ، تبرز شخصيات مؤثرة تركت بصماتها على صفحات التاريخ الوطني ، فالرجال والمواقف تصنع بعضها بعضاً، وبالمواقف تعرف معادن الرجال، ولولا الرجال لما كانت المواقف التي تقف عندها الاجيال وتنحني لها الهامات … ذاع صيته في جبل عجلون في الغور والشفا والجبل ، أطاعه ربعه وسمعوا قوله والتفوا حوله ، أصبح الرجل الأول في كفرنجة بدون منازع ، له ملامح يغلب عليها المهابة والشدة ، تأثر بتضاريس عجلون ، والده الوجيه المتعلم في مجتمع يغلب عليه الأمية، جده وجيه قومه ، توارثوا الشيخه والوجاهة كابرا عن كابر، تميز بإكرام ضيوفه الكثر ، ديوانه كان نقطة المرجع في كفرنجة … إنه الشيخ والمختار / محمود مطلق الحمد أبو عناب .
#نشأته : ولد محمود المطلق ابو عناب في كفرنجة عام 1899م ، والده مطلق الحمد ابو عناب ، والدته حمده المفلح الفلاح بني نصر ، نشاء محمود المطلق في بيت والده الذي يعد من ابرز وجهاء وشيوخ كفرنجة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الماضي ، نال مطلق الحمد قسطا كبيرا من التعليم لم يكتف والده حمد ابو عناب بتدريس ولده مطلق في كتاتيب كفرنجة وعجلون بل بعث به الى الشام ، حيث درس في مدرسة عنبر العثمانية والتي كانت تعد مستوى عالياً من التعليم في بلاد الشام ، زامله بالدراسة في هذه المدرسة الشيخ حسين البركات الفريحات الذي أصبح فيما بعد زعيما لعشيرة الفريحات وجبل عجلون في نهاية القرن التاسع عشر الماضي .
أصبح مطلق الحمد #مختارا لعشيرة الخطاطبه بكل أفرعها مدة من الزمن في حين كان شقيقه محمود الحمد أبو عناب مختارا في خربة الوهادنة، ظل مطلق الحمد مختارا لعشيرة الخطاطبة الى ان توفي عام 1914م ، تسلم ألشيخه والمخترة من بعده قريبة عزبي المفلح بني نصر الخطاطبة مختارا للعشيرة ، علما بان المختار كان في تلك الفترة بمثابة الحاكم الإداري في قريته ، يتمتع بسلطة واسعة تأييد عثماني ، ولهذا نرى كم كان نفوذ عشيرة الخطاطبة قويا ليس في كفرنجة فحسب بل وفي خارجها أيضا .
درس محمود المطلق الحمد في كتاتيب كفرنجة وتعلم القراءة والكتابة والحساب ، وكان يتميز من صغره بقوة الشخصية والشجاعة ، وقد نمت هذه الصفات في حياته العملية من ملازمته ديوان والده والذي كان جامعا لوجهاء وأبناء كفرنجة وما حولها وتعلم محمود المطلق من مجالسة الناس والتعامل معهم في ديوان والده (ديوان العشيرة ) واكتسب كثيرا من القيم العربية الأصيلة في الشجاعة والشهامة والمروءة والقدرة على التعامل مع القضايا التي كانت تعرض في ديوان العشيرة ويشارك في حلولها ، أكسبته قوة الشخصية والشجاعة في قول الحق .
#زواجه : تزوج الشيخ محمود المطلق زوجتين في حياته ، الزوجة الأولى كانت من السيدة أميرة عزبي المفلح بني نصر وأنجبت ثلاثة من أولاده هم : محمد (توفي صغيرا)، واحمد ، وفريد ، والزوجة الثانية السيدة أمنه إبراهيم الصمادي من عجلون وأنجبت ولدين هما : شفيق ومحمد .
بناء #البيت : كان من مستلزمات الوجاهةوالشيخة في ذاك الوقت امتلاك بيت وديوان يليق بمكانتهم الاجتماعية ، اهتم محمود المطلق مثل غيره من الشيوخ ببناء البيت في وقت مبكر من حياته وفي بداية العشرينيات من القرن العشرين الماضي اختار لبيته مكانا مناسبا في كفرنجة ، وموقعه الآن مقابل ألدوار الرئيسي في منتصف مدينة كفرنجة من الشرق، كان يعرف قديماً باسم” دار المختار” أو علية محمود المطلق أو المضافة .وكان هذا البيت من احمل بيوت كفرنجة وبيت المختار والرجل القوي فيها نتحدث بشئ من التفصيل عن إنشائه …ونظرا لان محمود المطلق من كبار ملاكي الأراضي في منطقة كفرنجة ومقتدر ماليا بنى بيته بمواصفات تتناسب مع وضعه الاجتماعي …
يتكون البيت من طابقين: الطابق الأرضي مخصص لسكن المختار وأسرته ، وهو مؤلف من فناءين واسعين متقابلين مبنيين بنظام العقود ، “العقد” عبارة عن فناء مبني من الحجر مسقوف بسلسلة متصلة من القناطر الحجرية المبنية من الحجر المشذب ، يرتكز السقف على الجدران تعلوه قبة قلية الارتفاع يخلو من الدعائم الداخلية ، والواجهة الخارجية مبنية من الحجر الأبيض المشذب بطريقة هندسية ، بينهما ساحة مسقوفة بنفس طريقة بناء البيت “العقد”،وتسمى”الليوان”.
يتكون الليوان من مدخل على شكل قوس مبنيّ بعناية، يتصل معه من كلا الجانبينفنائين : الأوّل مخصص لأسرة المختار والثاني مخصص للمؤنة.
يتألف الطابق العلوي: والمعروف بالعليّة من غرفتين واسعتين تصل إليهما بدرج حجري أنيق مخصصة لاستقبال الضيوف ذوي ألمكانه المميزة ، حيث يجلسون أو ينامونويأكلون أو يسهرون ويتابعون ما يجري في البلدة.. لاسيّما إذا كانوا من طرف الدولة، وتبقى ضيافتهم قائمة حتى يلقى القبض على المطلوبين من قبل أعوان المختار .
بني في ساحة البيت الواسعة فنائين واسعين مبنيين من الحجر والطين بنظام القناطر الحجرية مسقوفة بأخشاب سيقان الأشجار (الحور والطرفا ) وفوقها طبقة من أغصانالأشجار ونبات البلان تعلوها طبقة من التراب ، وأخيرا طبقه من الطين المخلوط بمادة التبن لمنع تسرب مياه الأمطار الى داخل البيت كان أحداها يستعمل ديوان للضيوف والمساير والاجتماعات التي تهم أمور كفرنجة والأخرى تستعمل لمبيت الضيوف ، بالإضافة الى ملحقات أخرى للتخزين ومأوى للمواشي والخيول والدواب ، ويقال بأنه كان يوجد من ملحقات البيت حجرة صغيرة تستعمل لحجز الأشخاص المطلوبين لقضايا تستحق العقاب بالحبس .
وبالعودة الى تاريخ بناء البيت والصعوبة الكبيرة في توفير مواد البناء ، فقد تم توفير رمل الفوليّة بطريقة تكسير الحجارة باستخدام الشاكوش؛ حيث لم يكن في ذلك الزمن كسارات لطحن الحجارة، لذلك كان العمال يقومون بتكسير الحجارة إلى قطع صغيرة، وكان هذا العمل يستغرق وقتاً طويلاً حتى يتمّ إنجازه، أما الرمل الناعم، فقد تم أحضاره من وادي كفرنجة على ظهور الدواب ، تم جلبالإسمنت من مدينة حيفا وتكلفة الكيس الواحد 15 قرشاً واصل مدينة كفرنجة ، تم إحضار الدرج الموصل للعلية من الشام على ظهور الجمال .
قام ببناء البيت معلم عمار من الشام يدعى “أبو فريال الشعيا” ، ساعده في ذالك معلم عمار آخر من فلسطين ، وكانت أجرة العامل من الذين عملوا في بناء البيت خمسة قروش .
يعد بيت محمود المطلق نقطة مرجع في كفرنجة معروفا ومميزا للجميع ، وقد حصلت قصه حقيقية فيما بعد ، حيث أن أحد أبناء كفرنجة خرج في اربعينيات القرن الماضي وعاد إليها بعد أربعين عاما ، فعندما أوصلتهسيارة الأجرة إلى بلدته كفرنجة لم يكد يعرفها ، حيث أنّ معالمهاقد تغيّرت. ولم يبق معلم يتعرف به عليها إلاّ عليّة محمود المطلق ..
كان ديوان محمود المطلق مشرع الأبواب للضيوف على مدار اليوم ، كان يستقبل الناس في ديوانه لقضاء حوائجهم حسب الاعراف العشائرية والمبنية على حسن النوايا والتعاون والتفاهم مع الجميع او عن طريق القانون والسلطة أحيانا اخرى ، يذكر الحاج عبده فاضل الخطاطبة وهو من أكبر المعمرين في مدينة كفرنجة وممن عاصر محمود المطلق ايام كان مختارا ورئيس البلدية وكيف ان جميع رجال كفرنجة كانت تؤم بيته للسلام علية أيام الاعياد الدينية وفي المناسبات الاجتماعية الاخرى …
أما اليوم أصبح هذا البيت التراثي الذي كان منارة كبيرة يفوح منها عبق التاريخ والجاه والسلطة
وكانت العلية شاهدا صامتا على حياة من سكنها عبر السنين الماضية ، وكانت تسجل تاريخهم وتدون أمجادهم وتحفظ أسرارهم ، واليوم فقد وهن هذا البيت وأصابهالإهمال الشديد وهو بحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل وخاصة العلية وأتمنى على ورثة هذا البيت أن يسعوا بمساعدة الهيئات الثقافية والتراثية في محافظة عجلون ، ترميم هذا البيت التراثي واستخدامه في مجال السياحة والتراث .
#حياته العامة :
1 . كان محمود المطلق رجلا فارعاً الطول ممتلئ الجسم تبدو على وجهه علامات الخشونة ، ولهذا كان مهاب الجانب ، فصيح اللسان قوي العبارة ، سريع البديهة ، في قوله فصل ولا يحتمل التعقيب عليه ، يعد من أقوى الشخصيات في بلدة كفرنجة في (النصف الأول) من القرن العشرين الماضي ، كان حسب المعاصرين له ليس مختاراً لكفرنجة فحسب بل وزعيما لها ، يشهد له من عايشه في كفرنجة بأنه لم يكن متسلطا على الناس ومتعسفا في سلطاته بقدر ما كان يهمهإحلالالأمن والوئام بين الناس ، ولمعالجة هذه السلوكيات كانلابد من وجود شخصية قوية مثل محمود المطلق يساعد إدارة الدولة في قضاء عجلون .
تم تعيينه مختارا عام 1925م بعد وفاة قريبه مختار الخطاطبة آنذاك عزبي المفلح بني نصر الخطاطبة ، كانت هذه الفترة التي تسلم بها محمود المطلق وظيفة المخترة فترة التبدل السياسي ما بين انتهاء الحكم التركي وتأسيسإمارة شرق الأردن، وما فيها من صعوبة التخلص من الممارسات السلبية التي انتشرت بين الناس خلال الحرب العالمية الأولىوتأسيسالإمارة، فنشأت بين المختار محمود المطلق وقائم مقام عجلون وقائد الدرك وبقية الإدارات الأخرىعلاقات عمل قوية .
2 . تم تأسيس بلدية كفرنجة عام 1946م وتم اختيار الشيخ محمود المطلق رئيساً للبلدية في دورتها الأولى من عام 1946م ولغاية 1950م ، وعلى الرغم من ان العمل في البلدية كان جديدا في قضاء عجلون في ذالك الوقت وتعد بلدية كفرنجة البلدية الثانية بعد بلدية عجلون ، الا ان رئيس البلدية عمل حسب إمكانية البلدية المادية على فتح الشوارع وبناء خزانات صغيرة من الاسمنت عند منبع العين لحفظها من التلوث وسحبها بواسطة المواسير وتوصيلها الى أكثر من نقطة في أماكن محددة في كفرنجة ، وتعد كل نقطة منها مركزا لتوزيع الماء على المواطنين ، وتركيب عدد من الحنفيات ليستطيعوا أخذ حاجتهم من مياه الشرب والاستخدام المنزلي بسهولة ، وتم شراء ماتور كهرباء لإنارة المنازل ليلا وإضاءة الشوارع .
في عام 1965م ترك محمود المطلق عملة كمختار الذي استمر لمدة أربعين عاما في كفرنجة بعد تراجع دور المختار في المجتمع وتعدد المخاتير في كفرنجة وأصبح مختارا خاصا لكل عشيرة ، لكنه بقي يمارس عملة كأحد وجهاء كفرنجة
3 . كان محمود المطلق يتمتع بصلاة قوية مع وجهاء قضاء عجلون في مختلف أنحاء القضاء ، كانت تربطه صلات اجتماعية مع محمد باشا المفلح القضاة ومحمد باشا الأمين المومني ومع الشيخ احمد الحامد ابو سيف والحاج موسى الحمود الزغول والشيخ قاسم السليم الصمادي ، وله صلات مع وجهاء الربضيه ووجهاء قرى خيط اللبن ، كان يتشارك في حل عديد من قضايا الدم والشرف ، وترأس في حياته عديداً من الصلحات العشائرية التي كانت تحصل في كفرنجة وغيرها ومثال على حل مشاكل الدم المعقدة ، نموذجا : استجارت به وبعشيرة العنانبه القوية في كفرنجة ، إحدى العشائر من خربة الوهادنة المجاورة في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين الماضي ، لقيام احد أبنائها بقتل احد الأشخاص من عشائر كفرنجة ، وعلى الرغم من أن القضية مركبة ( تضم أكثر من حدث ) إلا أنه استطاع بحنكته وسعة اطلاعه وتجاربه الكثيرة في حل المشاكل ، استطاع أن يجري صلحة عشائرية ناجحة بكل المعايير ، ويحل الوئام محل الخصام …
4. كان محمود المطلق يتمتع بكريزما قوية استطاع من خلالها أن يفرض الأمن والأمان في بلده كفرنجة بالإقناع حينا وبالقانون والسلطة حينا أخر ، فكان له صلات تعاون وعمل قوية مع مؤسسات الدولة في مركز القضاء في عجلون وخاصة قأم مقام القضاء وقائد الدرك ومع قضاة المحكمة ودائرة الزراعة / الحراج ، وكثيرا كان يستقبلهم في بيته ويقدم له الطعام والمنامة ، ويروي بعض من عرفه او سمع عنه انه كان يحتفظ بمكان في ساحة بيته أتُخذ كسجن مؤقت للمطلوبين للعدالة يحجزون به حتى البت في قضاياهم او توديعهم لسجن الدولة في عجلون .
5 . ساهم محمود المطلق في نشر التعليم بين أبناء كفرنجة وكان له السبق في توسيع المدرسة وزيادة الصفوف التعليمية فيها حتى أصبحت اكبر مدرسة في قضاء عجلون في ذالك الوقت ، تستقطب أبناء القرى المجاورة مثل قرى فارة (الهاشمية ) وخربة الوهادنه (الوهادنه) وراجب ليتعلموا فيها . كما كان له مساهمة كبيرة في النواحي الصحية بتوفير مكان مناسب لاستعماله مركزا للعيادة الطبية في كفرنجة ، وكونه أصبح رئيسا لبلدية كفرنجة اهتم بنظافة شوارع وأزقة البلدة وكانت من أنظف بلدات قضاء عجلون ، كما ان له الدور الكبير في توصيل خدمة الاتصالات الهاتفية إلى كفرنجة
#الخلاصة : ترجل الشيخ محمود المطلق الخطاطبة عن صهوة جواده ، راحلابعد مسيرة حافلة بالعطاء والتميز قابضاً على عهد الولاء والإخلاص للوطن والقيادة ، وقد افنى زهرة شبابه وهو يحمل هم العمل العام دفاعا عن مسيرة الإردن.
يعد الشيخ محمود المطلق أبو عناب الخطاطبة من أقوى الشخصيات التي تسلمت المخترة والوجاهة في كفرنجة بعد الحرب العالمية الأولى ، شخصية كبيرة معروفة ولها احترام وتقدير في كل مناطق جبل عجلون ، كان بيته نقطة مرجع وعلامة بارزة في بلدة كفرنجة ، استقبل فيه الضيوف من رجال الدولة ومن خارج كفرنجة ، تداول فيه الحديث مع وجهاء كفرنجة وغيرها لحل كثير من القضايا التي كانت تحدث عندهم …
كان الرجل ذا تعابير تدل على الشدة والمهابة ، وعلى الرغم من ذلك كان حريصا على إصلاح ذات البين مقنعا في حديثة نادرا ما يتم التعقيب على حديثة .
عمل مختارا لمدة أربعين عاما في كفرنجة وكان يمثل كل عشائرها ، وهو أول رئيس لبلدية كفرنجة تسلم رئاستها منذ بداية تأسيسها عام 1946م ولغاية عام 1950م رحل الشيخ محمود الطلق عام …وبرحيله خسرت كفرنجة شيخا من أهم شيوخها، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته
#المراجع والمصادر
1 . مقابلة مع الدكتور احمد عناب – كفرنجة .
2 . مقابلة مع المهندس خالد عناب – كفرنجة .
3 . مقابلة مع الحاج عبده فاضل عبيدالله الخطاطبة – كفرنجة .
4 . مقابلة مع المقدم .م. محمد عبيدالله الخطاطبة – كفرنجة .
5 . مقابلة مع الأستاذ علي احمد ألعبدي الفريح – كفرنجة .
……………………………………………………………