د.نبيل الشريف
لو أن مسؤولا أردنيا هو الذي قال إن الأردن قام بجهد إنساني خارق بإستضافة اللاجئين « نيابة عن العالم» لقلنا إن هذا المسؤول يحاول إبراز هذا المجهود الأردني الجبار بلغة يفهمها الناس في كل مكان، ولكن هذه العبارة جاءت على
لسان رئيس مجموعة البنك الدولي السيد جيم يونغ كيم في مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي في واشنطن على هامش اجتماعات الربيع التي يعقدها صندوق النقد والبنك الدوليين.
وأردف السيد كيم أن هذا دفع البنك لمنح المملكة معاملة إقراض خاصة.
ولاشك أن هذه القناعة، وأعني بها تفوق الأردن أخلاقيا في مجال استضافة لاجئين نيابة عن العالم، موجودة لدى الكثيرين من زعماء العالم ومسؤولي المنطمات الدولية.
إن الوجه الإنساني والأخلاقي لأية دولة ليس مرتبطا بحجم الموارد والإمكانات المتوفرة، فهاهي الولايات المتحدة الأميركية تتراجع في عهد الرئيس الحالي دونالد ترمب عن استقبال حتى الأعداد القليلة من اللاجئين الذين إلتزمت بإستقبالهم، فقد أعلن في بداية العام أن أميركا ستقوم بإستقبال 000.45 لاجئ هذا العام إلا أن العدد انخفض –
حسب المصادر الرسمية – إلى 000.21 لاجئ فقط.
وقد عاشت أوروبا كلها وماتزال حالة طوارئ جراء وصول أعداد من اللاجئين عبر «قوارب الموت» إلى شواطئها، وقامت بعض دول القارة العجوز بنصب الحواجز الشائكة في وجوههم وحددت أماكن خاصة لتواجدهم فيها، وماتزال بعض الدول الأوروبية تفكر في أنسب السبل لوقف تدفق اللاجئين وخفض الأعداد التي تسربت منهم إلى داخل إن وجود قناعة لدى مسؤولين دوليين رفيعي المستوى بأن الأردن ناب عن العالم باستضافة اللاجئين في بادرة إنسانية أخلاقية فريدة يعد نجاحا أخلاقيا كبيرا لأن الأردن – بمقياس الموارد – لايمكن أن يحل في المراكز الأولى للدول التي يتعين عليها فتح حدودها أمام اللاجئين، فقد تفاقمت معاناة المواطن الأردني الإقتصادية جراء استقبال أعداد كبيرة ممن هجروا أو هربوا من بلادهم خوفا على حياتهم، كما أن موارد الدولة تعرضت إلى ضغوط هائلة بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين الموجودين على الأرض الأردنية، فضلا عن العبء الذي وقع على بنيتنا التحتية ومواردنا الطبيعية وعلى رأسها
المياه.
جميل أن يتغنى بنا البنك الدولي وبتحملنا هذا العبء نيابة عن العالم، ولكن الأجمل عندما يتحول هذا التقدير المعنوي إلى دعم سخي للدولة والمواطن. وهذه بالدرجة الأولى مسؤولية دول العالم التي تخاذلت ولم تقم بواجبها رغم أنها تشارك مسؤول البنك الدولي نفس القناعة بأن الأردن بإنسانية قيادته وكرم شعبه قد أسقط هذا الفرض عن العالم كله.
ولكن المشكلة في اعتقادي أيضا هي مشكلة تسويق وإبراز هذا الجانب من قبل المعنيين لدينا بالتعريف بنقاط قوة الأردن وكيفية تقديمه للعالم وإظهار أهم مايميزه، وهو المفهوم الجديد الذي يسمى branding Nation أو الصورة الترويجية الدولة بناء على بعض المتغيرات، وقد لجأت بعض الدول إلى إعادة تقديم نفسها للعالم بصورة جديدة وأفكار مبتكرة بناء على مستجدات طرأت.
فقد فعلت ذلك اليونان مثلا لمساعدتها في الخروج من أزمتها الاقتصادية، كما اهتمت بهذا الأمر دول شقيقة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ودول على الساحة العالمية مثل الولايات المتحدة الأميركية فرنسا واليابان ونيوزيلاندا، فالدول تختزل في نهاية الأمر في صورة واحدة أو فكرة معينة تعرض برشاقة وكفاءة من قبل مؤسسات
مختصة في بعض الأحيان.
ثمة حاجة لنشر وتعزيز هذه القناعة التي مفادها أن الأردن ناب عن العالم في تحمل عبء إستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين بالإضافة إلى بعض الحقائق في مجال إعتباره عنوانا للإعتدال والوسطية والعيش المشترك على الساحة الدولية. ومن الضروري إطلاق حملات للتعريف بهذا الجهد الإنساني المميز الذي قام به الأردن رغم شح مورده
وذلك في العواصم الدولية المؤثرة بهدف استقطاب الدعم الإقتصادي في هذه الظروف الصعبة.
إن اعتراف كبار المسؤولين الدوليين بفضل الأردن على العالم فيما يتعلق بإستضافة اللاجئين مهم ويدل على تقدير كبير لبلدنا، ولكن يبقى أن يحول المسؤولون الدوليون قناعاتهم هذه إلى دعم حقيقي سخي للأردن، كما أننا مطالبون بإستثمار صورتنا الإنسانية الإيجابية هذه على الساحة الدولية وإعتماد مقاربات جديدة للتعريف بما يقوم به بلدنا نيابة عن العالم.