عودة الحياة النيابية في الأردن 1989 ( 2-5 )
د.احمد زياد ابو غنيمة
الحلقة الثانية من الدراسة التوثيقية:
– الحياة النيابية بعد نكسة 1967 وحتى عام 1989–
مقدمة:
كان عودة الحياة الديمقراطية في الأردن في العام 1989، حدثاً مفصليا في تاريخ المملكة ، فقد كانت الأحكام العرفية سيدة الموقف في السنوات التي تلت نكسة حزيران 1967 وما نتج عنها من خسارة الأردن لأراضي اردنية في الضفة الغربية التي كانت استناداً للدستور الأردني في العام 1952 ووحدة الضفتين في العام 1950 أراضي تتبع المملكة الأردنية الهاشمية التي نالت استقلالها عام 1946.
تميزت السنوات السابقة لعودة الحياة الديقراطية في العام 1989، بأجواء سياسية قاتمة، تمثلت في التضييق الذي مارسته حكومة زيد الرفاعي ( 1985-1989 ) على الحياة السياسية الأردنية بكافة مكوناتها الحزبية والنقابية والسياسية والثقافية والإقتصادية والجامعية، ناهيك عن الممارسات العُرفية التي تميزت فيها تلك الفترة، من تضييق واعتقالات للمعارضين لسياسات الحكومة.
لقد اوجدت حكومة الرفاعي أجواء احتقان وغضب غير مسبوقة في الشارع الأردني بكافة مكوناته، نتج عنه في نهاية المطاف احداث نيسان عام 1989 التي كانت المفتاح لأن تراجع الدولة سياساتها في تلك الفترة وتسير بخطوات نحو الإنفراج تمثل في إقالة حكومة الرفاعي والدعوة لعقد انتخابات نيابية كاملة وليست تكميلية كما كانت في عام 1984.
لقد مثّلت عودة الحياة النيابية في الأردن في العام 1989 بصيص امل للمواطنين في التفاؤل بمستقبل زاهر للوطن بوجود مجلس نواب منتخب بحرية وبدون أي تلاعب من قبل السلطات الاردنية في ذلك الوقت، إضافة إلى وجود بارقة أمل بمحاسبة بعض المسؤولين الذين كانت لسياساتهم الأقتصادية إثار مدمرة على الاقتصاد الأردني وانعكاس ذلك سلبيا على حياة المواطنين.
حاولت في هذه الدراسة، تصوير الاحداث التي سبقت عودة الحياة الديمقراطية، ومجريات أول انتخابات نيابية بعد احتلال الضفة الغربية، وأبرز نتائج تلك الانتخابات وما تمخض عنها قوانين وانظمة لتنظيم الحياة السياسية والحزبية في الأردن.
كما تم التطرق إلى تناول وسائل الإعلام الأردنية والعربية والاجنبية لمجريات تلك الانتخابات وصولا إلى نتائجها، وما كان واضحا من التناول السلبي لكثير من الكتاب والمحللين لتلك الانتخابات ونتائجها بما برز في كثير من منها تحريض سافر ضد من فازوا بتلك الانتخابات على غير توقعاتهم.
الحياة النيابية بعد نكسة 1967 وحتى عام 1989 ( 2 )
اصيبت الحياة النيابية في الأردن بنكستين اضطرارتين:
اولا: لسبب خارج عن الإرادة، وهو الإحتلال اليهودي للضفة الغربية سنة 1967م.
ثانيا: لسبب قاهر وهو اعتراف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شعريا ووحيدالاللشعب الفلسطيني سنة 1974م.
وقد كان من نتائج الاحتلال، وتعذر إجراء انتخابات نيابية في الضفة الغربية في ظله، أن تم التمديد لمجلس النواب التاسع مدة ثلاث سنوات، ابتداء من 3 آذار 1971 بعد ان انتهت مدته الدستورية ، اما تعبئة الشواغر الطارئة في عضوية المجلس فقد تم معالجة امرها في 4 نيسان 1973م عن طريق تعديل قانون الانتخابات تعديلاً خول المجلس حق انتخاب اعضاء جدد لملء المقاعد الثلاثة التي كانت شاغرة في ذلك التاريخ.
ومن المهم ان نسجل هنا ان تعديل 4 نيسان 1973 شمل ناحية من نواحي التطور الاجتماعي والسياسي وهي اعطاء المرأة حق الاشتراك في الانتخابات والإدلاء بصوتها الى جانب الرجل، وهذا كان لاول مرة في تاريخ الاردن ( ولكن لم تشهد الحياة النيابية مشاركة نسائية فاعلة في العملية الانتخابية سواء من حيث الترشيح والانتخاب إلا في انتخابات 1989 وانتخابات 1993م).
أما السبب القاهر الثاني فقد نشأ عن قرار مؤتمر القمة العربي في الرباط 28 تشرين أول 1974م، وهو القرار الذي اعترف الاردن بموجبه بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، ومن منطلق حرص الاردن على منح قرار الرباط مضمونا ايجابيا، ولترجمة ذلك إلى خطوات عملية وفورية، فقد دُعي مجلس النواب إلى اجتماع يوم 9 تشرين الثاني 1974م، حيث تقدمت الحكومة بمشروع تعديل المادتين 34 و 73 من الدستور يعطي للملك:
1- الحق في ان يحل مجلس الأعيان أو يعفي احد اعضائه من العضوية.
2- الحق في تأجيل الانتخاب العام لمدة لا تزيد عن سنة ‘ إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء أن إجراء الانتخاب امر متعذر بحيث تتمتع الهيئة التنفيذية ( مجلس الوزراء ) خلال ذلك بإصدار التشاريع واتخاذ الاجراءات التي ترتئيها دون رقابة من السلطة التشريعية.
وبعد اسبوعين من موافقة النواب والاعيان على تعديل الدستور صدرت ارادة ملكية يوم 23 تشرين الثاني بحل مجلسي النواب والاعيان.
وهكذا عاش الاردن دون حياة نيابية إلى ان خرجت في عام 1978 فكرة تأليف ( المجلس الوطني الإستشاري )، لكل يحل ولو بصورة مؤقتة ورمزية محل مجلس النواب.
ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى ان صوتا واحدا ( العين علي الهنداوي )، ارتفع محذرا من مغبة هيمنة السلطة التنفيذية على مقدرات البلاد ليصف وضع الحكومات الأردنية في غياب مجلس نواب منتخب، بأنها ‘ حكومات لها كل شيء وليست مسؤولة عن أي شيء ، وتستطيع أن تقول بكل اطمئنان : أنا الدولة والدولة انا ، ولا تجد من يسالها او يحاسبها على ذلك’ ، ثم يخلص إلى القول أن كل حكومة قائمة أو تقوم بظل الدستور ونظام الحكم فيه نيابي برلماني وبدون سلطة تشريعية كاملة، فإنها لا تكون هي أيضا حكومة نيابية برلمانية سياسية، وأن أكثر ما يمكن أن توصف به هو انها حكومة إدارية لا يصح ولا تستحق ان تستمر بالحكم.
المجلس الوطني الاستشاري ( 3 ) :
20 نيسان 1978 – 7 كانون الثاني 1984
في 3 نيسان 1978 ، وجه الملك حسين رسالة الى السيد مضر بدران رئيس الوزراء دعا فيها إلى وضع قانون مؤقت، يتم بموجبه انشاء مجلس وطني استشاري يحل بصورة مؤقتة محل مجلس النواب المجمد، وقد حددت الرسالة الملكية مهمة المجلس بإسداء الرأي والمشورة للسلطة التنفيذية والنظر في التشريعات والقوانين التي تسنها الحكومة ومناقشة السياسة العامة للدولة، والنظر في جميع التشريعات والقوانين التي تسنها الحكومة، في إطار من التعاون مع الحكومة، وبروح المصلحة العامة، وطلبت الرسالة من رئيس الوزراء أن يضم المجلس الاستشاري اشخاصا ذوي كفاءة وتمثيل شعبي صحيح وولاء للوطن والامة.
وبادرت الحكومة إلى العمل فصدر يوم 15 نيسان 1978 قانون ( المجلس الوطني الاستشاري ) بوصفه قانونا مؤقتا استلزمته الظروف السياسية الراهنة.
وفي 20 نيسان 1978، صدرت إرادة ملكية بناء على تنسيب رئيس الوزراء بتأليف المجلس من شخصيات، لكل منها مكانتها في المجتمع، اعتبارا من ذلك اليوم ولمدة سنتين.
استمرت هذه التجربة مدة ستة سنوات، في ثلاث دورات، مدة كل منها سنتان.
يجدر بالذكر أن المجلس الوطني الاستشاري لم يكن بديلا عن الحياة البرلمانية الانتخابية، التي درج عليها الاردن، فأعضاؤه جاؤوا عن طريق التعيين وليس عن طريق الانتخاب، ولم يكن لهم الحق في استجواب الوزراء او طرح الثقة بالوزارة، وكانت المهمة الرئيسية للمجلس ان يعاون السلطة التنفيذية في القيام باعماله السياسية والتشريعية، او فيما يتعلق الخدمات والمرافق العامة، وأن يسد الفراغ عن تجميد النشاط البرلماني الانتخابي.
والحقيقة أن المجلس الوطني الاستشاري في دوراته الثلاثة، كان ممثلا لكافة الاتجاهات الفكرية والسياسية والإجتماعية في البلاد.
عودة الحياة النيابية ( 4 ) :
إن استمرار الاحتلال اليهودي للضفة الغربية، دفع القيادة الأردنية إلى العودة لممارسة الحياة النيابيةعلى نحو ما، ومن هنا صدرت إرادة ملكية بدعوة مجلس الامة التاسع الى عقد دورة استثنائية اعتبارا من تاريخ 9 كانون الثاني 1984م من أجل النظر في تعديل المادة 73 من الدستور.
واجتمع مجلس الاعيان والنواب في اليوم المعين واقر التعديلات التي اقترحتها الحكومة على الدستور وخلاصتها ما يلي:
1- يحق للملك بناء على قرار مجلس الوزراء ان يعيد المجلس المنحل ويدعوه للانعقاد بحيث يعتبر قائما من جميع الوجوه ويمارس كامل صلاحياته الدستورية.
2- يحق للملك بناءا على قرار مجلس الوزراء، ان يامر بإجراء الانتخاب العام في نصف الدوائر الانتخابية ( بالرغم من استمرار الظروف القاهرة في الطرف الآخر).
3- يتولى اعضاء مجلس النواب انتخاب نواب لملء المقاعد الشاغرة في الدوائر التي تعذر إجراء الانتخابات فيها.
وبناءا على هذه التعديلات في الدستور ، استانف الأردن مسيرة الحياة النيابية، بعد انقطاع استمر عشر سنوات، وكانت الخطوة الاولى صدور إرادة ملكية بدعوة مجلس النواب المنحل إلى عقد دورة عادية ابتداءا من كانون الثاني 1984.
وعاد للإنضمام للمجلس العائد اعتباراً من 9 كانون الثاني 1984 ستة نواب كانوا قد عينوا سابقا اعضاء في مجلس الأعيان.
وبناءا على احكام الدستور بعد تعديله، فقد جرت انتخابات فرعية في الضفة الشرقية بتاريخ 12 آذار 1984م، لملء المقاعد الثمانية التي كانت شغرت في أثناء فترة تجميد المجلس النيابي وحله.
وكانت نتيجة الإقتراع، إعلان فوز النواب التالية أسماؤهم:
– محافظة العاصمة: ليث شبيلات ( تيار إسلامي ) المقعد الذي شغر بوفاة محمد المنور الحديد.
– محافظة السلط: مروان الحمود، زهير ذوقان، د. فوزي الطعيمة ( للمقاعد التي شغرت بوفاة محمد الخشمان وعبد الكريم الكايد وبشارة غصيب).
– محافظة اربد: د. احمد الكوفحي ( إخوان مسلمين )، للمقعد الذي شغر بوفاة فضل دلقموني.
– محافظة الكرك: د. رياض النوايسة، د. نزيه عمارين، للمقعدين الذين شغرا بوفاة عمران المعايطة وسابا العكشة.
– لواء الطفيلة: د. عبدالله العكايلة ( إخوان مسلمين)، للمقعد الذي شغر بوفاة وحيد العوران.
كانت الانتخابات حرة ونزيهة، وقد خاضها 101 مرشحا من مختلف الاتجاهات العقائدية والتنظيمية. كما تجلت في تلك الانتخابات التطورات التي دخلت على بنية المجتمع ومن جملتها:
1- قوة التيار الديني.
2- بروز حملة الشهادات العليا.
3- بروز قوة رأس المال الناشئ عن الإرتفاع الكبير في ثمن الأرض، مما أتاح لكثيرين من ميسوري الحال ، مجال إنفاق مبالغ طائلة على حملاتهم الانتخابية.
اما بالنسبة للضفة الغربية، فقد قام مجلس النواب يوم 19 كانون الثاني 1984 بانتخاب ثمانية نواب جدد للمقاعد الشاغرة في الضفة الغربية.
عاد المجلس النيابي لممارسة نشاطه ابتداء من 16 كانون الثاني 1984م، على أساس انه مجلس جديد ( المجلس العاشر )، وبعد ان اتم مدته الدستورية ( أربع سنوات )، تم التمديد له سنتين اخريين، ولكن نتيجة لقرار فك الإرتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، فقد صدرت إرادة ملكية بحله من يوم 30 تموز 1988م.
يلاحظ مما تقدم، ان معظم اعضاء هذا المجلس، الذي انتخب أصلا في نيسان 1967م، ظلوا يشغلون مقاعد النيابة ما يزيد على واحد وعشرين عاماً.
وتجدر الإشارة إلى ان الحكومة استعانت بهؤلاء النواب في عام 1967 لمدة ثلاثة أيام فقط، للموافقة على تعديل الدستور. وبعد ان تمت الموافقة، تم حل المجلس مرة اخرى إلى ان اعيدوا سنة 1984م، وغني عن القول أن الصفة التمثيلية لاؤلئك النواب، كانت فقدت الكثير من أصالتها وميزاتها في خلال السنوات الطوال التي مرت بين انتخاباهم عام 1967 وبين ذهابهم للمرة الاخيرة في عام 1988م.
—————————————-
( 2 ) المرجع السابق، أبو غنيمة ، ملامح الحياة السياسية، ص 257
( 3 ) المرجع السابق، أبو غنيمة ، ملامح الحياة السياسية، ص 259
( 4) المرجع السابق، أبو غنيمة ، ملامح الحياة السياسية، ص 260