ليست مجرد أعواد خشب وقطع قماش، ومعجون يتشكل على ملامح شخصية ما، وقائد في الكواليس يمسك بيديه حبال شفافة متينة مربوطة بدمية، بل إبداع وإعادة إحياء «مسرح الدّمى».
يختبئ الفنان المصري محمد الصاوي خلف المسرح، ماسكاً بيديه حبالاً طويلة، في نهايتها دمية تجسّد في ملامحها شخصية فنية عادت بالذاكرة إلى فترة الستينات والسبعينات، وإلى أيام طرق الحب التي تؤدي إلى أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش.
اعتلت أم كلثوم خشبة المسرح في ليلة رمضانية في عمّان، رحبت بجمهورها بصوتها الرخيم، وبدأت فرقتها التي كانت تنتظر حضورها بعزف لحن أغنية «أنت عمري»، وسرعان ما اندمجت كوكب الشرق بملامح وجهها وحركات يديها بمنديلها الأبيض.
لم تبخل أم كلثوم على جمهورها في غناء بعض الأغاني خصوصاً تلك التي لا تغيب عن البال، ولم يبخل القائد محمد الصاوي أيضاً في أن يجسّد حالة أم كلثوم بحركات يديها التي اشتهرت بها، ورأسها الذي يتمايل مع كل إيقاع ونغمة.
وفيما كانت يد الصاوي منشغلة في إنهاء آخر أغنية لأم كلثوم، يجهز في يده الثانية شخصية عبدالحليم الذي كان يرتدي بذلة سوداء وربطة عنق حمراء، وحين تحَكَّم الصاوي من حركة شخصية عبدالحليم فتح الستار أمام جمهوره على أنغام أغنية «بحلم فيك». وتلتها أغنية «جانا الهوى» ومعها تفاعل الجمهور مع أداء الصاوي في تحريك شخصية عبدالحليم على أنغام وإيقاع الأغنية، ما زاد من حماسة الحضور في مشاهدة كل ما يمتلكه الصاوي من شخصيات فنية على «مسرح الدمى».
يقول أحمد عيسى أحد الحاضرين، إن هذه الأمسية مناسبة جداً لأجواء ليالي رمضان، خصوصاً وأن الغناء الأصيل يعيده إلى أيام وذكريات جميلة، ويشير إلى أن فن «مسرح الدمى الذي قدمه الصاوي يجب ألا يغيب عن المسارح الأردنية بكل تفاصيله».
بينما عبّر حسين سليم عن رغبته الملحة في أن يتسلل وراء الكواليس ليرى كيف يستطيع الصاوي تحريك تلك الدمى على إيقاع الأغاني وأن يستحضر حركات وتعبيرات الشخصيات بحرفية دون خطأ .
ولم تتوقف الأمسية على استضافة «أم كلثوم» و «عبد الحليم» فقط، بل كان لـفريد الأطرش وقع مختلف، حيث لم يتخلّ عن آلة العود التي رافقته في غالبية أغانيه على المسرح كأغنية «يا حبايبي وحشتوني» و «ماليش غيرك».
حالة فنية غابت منذ عشرات السنوات، أعدها الصاوي في مشروع «أم كلثوم تعود من جديد» خرج من القاهرة إلى عمّان لأول مرة منذ انطلاقة المشروع عام 2007، وهو امتداد لسلسلة عروض تقدم شهريا في مصر.
ويقول الفنان المـــصري محمد الصاوي في حديث الى «الحياة» إن اختياره لعمالقة الفن الأصيل يعود إلى حلم قديم عايشه منذ صغره، موضحاً أنه في بداية الأمر كان خائفاً من مواجهة انتقادات كثيرة بسبب تجسيد أم كلثوم وعبدالحليم على شكل عرائس، لكنه لقى المشروع استحساناً وإقبالاً من الكثير ما جعله يُكمل في تجسيد شخصيات أخرى كالمنشد المصري سيد النقشبندي وبعض الفرق المصرية المشهورة في الطرب الأصيل.
ويتابع الصاوي أنه واجه صعوبات مختلفة في تجسيد الشخصيات الفنية المشهورة، أبرزها حرصه الذي تعدى نقل الحركة فقط بل توصيل مشاعر حقيقية تحيي الشخصية بالطريقة التي عاهدها الجمهور دون تصنع.
واحترف الصاوي فن مسرح العرائس منذ أن كان في 15 من عمره، حيث قضى أكثر من 45 سنة من حياته وهو بين صناعة الدمى وكتابة سيناريوات مسرحية في فن مسرح العرائس. وألَّفَ أكثر من 30 مسرحية وشارك في العديد من العروض الهادفة كان آخرها «طابور الحيوانات» التي تتحدث عن أهمية عدم إطلاق الأحكام المسبقة على أي شخص مهما كان محدود القدرات والمهارات. ويحلم الصاوي أن تعود أيام الستينات في مرحلة كان لفن مسرح العرائس قيمة لا غنى عنها بين الناس، ويعود الفن وسيلة تربوية وتعليمية بين الأطفال هذا الجيل. (رويترز)