الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
الأرض المسطحة أم الأرض الكروية
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
مما أودع الله عز وجل في هذا المخلوق العجيب الذي جعله خليفة له على هذه الأرض هو ما يسميه العلماء بحب الاستطلاع وهو رغبة الإنسان في فهم الطريقة التي تعمل بها الأشياء من حوله. ويقول العلماء أنه ربما يكون حب الاستطلاع هو المحرك الأول وراء تقدم المعرفة الإنسانية واثبتوا كذلك وجود ترابط وثيق بين درجة التحصيل العلمي لدى المتعلمين ومقدار غريزة حب الاستطلاع لديهم. ولقد كان اهتمام البشر في فهم ما يجري في السماء من ظواهر هو الدافع في معرفة فيما إن كانت الأرض مسطحة أم مكورة وذلك لكي يتمكنوا من فك سر طلوع الشمس من المشرق ثم غيابها في المغرب ثم طلوعها من جديدمن المشرق. ولقد تمكن البشر على مدى ما يزيد عن ألفي عام من إثبات أن الأرض كروية الشكل وذلك باستخدام طرق مختلفة وقاموا بقياس قطرها بدقة عالية وتمكنوا من تفسير كثير من الظواهر بناء هذه الحقيقة.
وإذا كان دافع العلماء في السابق فيما إن كانت الأرض مسطحة أو كروية هو حب الاستطلاع إلا أنه في العصر الحديث أصبحت معرفة هذه الحقيقة بالغة الضرورة لكثير من التطبيقات الحديثة التي سهلت من حياة البشر كحركة الطائرات والسفن واطلاق مختلف أنواع الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية لتقديم خدمات لا حصر لها للبشر. إن نموذج الأرض الكروية ودورانها حول نفسها وحول الشمس استخدمه المشتغلون في المجالات التي تحتاج لمثل هذه النموذج كعلماء الفلك ومهندسي الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والرادارات والاتصالات بكل دقة في تصميم أنظمتهم المختلفة. ولا اعتقد أن أي من هؤلاء العلماء أو المهندسين يخطر في باله فكرة أن تكون الأرض مسطحة حيث أن نموذج مثل هذه الأرض المزعومة لا يمكنه حتى في تحديد أوقات الكسوف والخسوف ناهيك عن أبعاد مدارات الأقمار الصناعية ومسارات المركبات الفضائية وارتفاعات أبراج الرادارات والاتصالات وغيرها. ولطالما أن مثل هؤلاء الناس لا يعملون في مثل هذه المجالات فلهم الحرية في اعتقاد ما يعتقدون!
ومن المفارقات العجيبة أن يظهر في عصر النهضة العلمية الحديثة من يرفض نظرية الأرض الكروية ويتبنى نظرية الأرض المسطحة ويعمل لها نموذج مبني على ما ورد في الكتب المقدسة من نصوص. وتقوم عقيدة المؤمنين بالأرض المسطحة على ثلاثة ركائز الأولى هي الإيمان بالحقائق الواردة في الكتب المقدسة حول بنية الكون والثانية التصديق فقط بما تمليه عليهم حواسهم والثالثة رفض معظم قوانين الفيزياء التي تحكم الكون كما سأفصل ذلك. ويعتقد غالبة أنصار هذه النظرية أن العلوم الحديثة جاءت فقط لمحاربة وهدم الأديان ومع تمكن البشر من غزو الفضاء والتقاط صور للأرض الكروية إنصب سخطهم على وكالة الفضاء الأمريكية ناسا التي قالوا أنها تقود مؤامرة عالمية ضد الدين باختلاق صور وأفلام تقوم بتضليل الناس وبذلك فهم ينكرون وجود الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية. وعلى الرغم من أن جمعية الأرض المسطحة قد ظهرت في الغرب إلا أن بعض جهلة المتدينين وأشباه المتعلمين من المسلمين بدأوا بتبني فكرة الأرض المسطحة وقاموا بإنشاء مواقع الكترونية لهذا الغرض وفسروا الآيات القرآنية المتعلقة بالكون بما يدعم هذه الفكرة رغم أن الصورة التي رسمها القرآن الكريم للكون تختلف تماما عن الصورة التي رسمتها التوراة. وعلى الرغم من مرور أكثر من مائة وخمسين على ظهور جمعيات الأرض المسطحة إلا أن عدد أتباعها في عام 2000م لم يتجاوز ثلاثة آلاف شخص وذلك بسبب الوعي العلمي في الغرب بل كان أنصار الجمعية مثارا للسخرية بسبب جمود تفكيرهم والطريقة التي يفسرون بها ظواهر الكون. وبسبب التخوف من إنتشار مثل هذه الخرافات في أوساط المسلمين مع وجود وسائط التواصل الاجتماعي وذلك نتيجة لارتفاع نسبة الجهل للأسف بينهم قمت بكتابة هذه المقالة التي أوردت فيها كثير من الأدلة القديمة والحديثة التي تثبت كروية الأرض.
الإعتقاد بالأرض المسطحة
كان البشر حتى القرن السادس قبل الميلاد يؤمنون بأن الأرض مسطحة الشكل وهذا بالطبع ما تمليه عليهم حواسهم. ومع ظهور الفلسفة الطبيعية في العصر اليوناني والاهتمام بمختلف أنواع العلوم طرح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس فكرة الأرض الكروية وذلك في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. وقد تبني معظم الفلاسفة اليونانيين اللاحقين كسقراط وأفلاطون وأرسطو فكرة الأرض الكروية وقاموا بإيراد كثير من الأدلة التي تدعم هذه الفكرة. وفي القرن الثالث قبل الميلاد قام الفلكي اليونانيإراتوستينس بقياس محيط الأرض من خلال قياس طول الظل في مدينة الاسكندرية عندما كانت الشمس متعامدة تماما على مدينة أسوان في مصر. ومنذ ذلك الحين تم تبني نظرية الأرض الكروية في مختلف الأوساط العلمية وانحسار نظرية الأرض المسطحة. إن تبني نظرية الأرض الكروية من قبل الأوساط العلمية لا يعني أن جميع الناس مؤمنين بها فعامة الناس على مر العصور لا يهمهم فيما إذا كانت الأرض كروية أو مسطحة ومن الصعب كذلك إقناعهم بأمور قد تتناقض مع ما تراه أعينهم.
ولكن في عام 1849م قام الكاتب الإنجليزي صامويل روبوثام (Samuel Rowbotham) بنشر كتاب بعنوان الفلك الزيتيكي“Zetetic Astronomy” (من الحرف اليوناني زيتا) يدافع فيه عن نظرية الأرض المسطحة والهجوم على نظرية الأرض الكروية وقام في عام 1883 بتأسيس الجمعيات الزيتيكية (Zetetic Societies) في إنجلترا والولايات المتحدة. وبعد وفاة روبثام أنشأت الليدي اليزابيث بلونت (Lady Blount) في عام 1893 جمعية الأرض المسطحة العالمية في إنجلترا. وكانت بلونت تعتبر أن الإنجيل هو السلطة غير القابلة للمساءلة على الطبيعة وأن الشخص لا يمكن أن يكون مسيحياً ويؤمن بأن الأرض كروية. وفي عام 1956 قام الانجليزي سامويل شينتون (Samuel Shenton) بتأسيس الجمعية الدولية للأرض المسطحة كبديل للجمعيةالزيتيكية واستلم رئاستها بعد موته في عام 1971 شارلز جونسون حتى وفاته عام 2001م ولم يتجاوز عدد منتسبي الجمية عدة آلاف في عام 2000م. ومع انتشار شبكة الإنترنت وظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي قام دانييل شينتون (Daniel Shenton) في عام 2004م بإنشاء موقع إلكتروني للجمعية اشتمل على كتب ونشرات الجمعية.
تقوم عقيدة المؤمنين بالأرض المسطحة على ثلاثة ركائز الأولى هي الإيمان بالحقائق الواردة في الكتب المقدسة حول بنية الكون والثانية التصديق فقط بما تمليه عليهم الحواس والثالثة رفض معظم قوانين الفيزياء التي تحكم الكون . فحول الركيزة الأولى والثانية يقول مؤسس الجمعية روبوثام في نشرة بعنوان (تناقض الفلك الحديث ومعارضته للكتب المقدسة) (The inconsistency of modern astronomy and its opposition to the scriptures ) ما نصه (الكتاب المقدس إلى جانب حواسنا تدعم الفكرة بأن الأرض مسطحة وثابتة وهذه الحقيقة الأساسية يجب أن لا توضع جانبا لنظام مبني حصرا على الحدس البشري ) (Bible alongside our senses supported the idea that the earthwas flat and immovable and this essential truth should not set aside for a system based solely on human conjecture). وتقول السيدة بلاونت (Lady Blount) خليفة روبوثام ما نصه (رغم أننا كزيتيكين غير ملزميين بتفسير الظواهر أو إيجاد نظم فلكية افتراضية إلا أنه من واجبنا إظهار زيف الافتراضات الشائعة لأن النظرية الشائعة تشكل أساس الهجوم على مفهوم الكون في الكتاب المقدس) (While, as Zetetics, we are not called upon to explain phenomena, or construct hypothetical astronomical systems, it is our duty to show how far popular hypotheses fail, because the popular theory is made the basis of attacks upon the cosmogony of the Bible.). وحول الركيزة الثانية يقول جبرائيل هينريت (Gabrielle Henriet) في كتابه السماء والأرض (Heaven and Earth) ما نصة (يمكن القول في هذا المجال أنه بخصوص العلم الذي يجب أن يؤسس بالمطلق على المشاهدة وليس على التأمل كالفلك فإن دليل الحواس هو العامل الذي يمكن بل يجب أن تؤسس عليه النتائج ) (It can be said, in this connection, that in the case of a science which should be based exclusively on observation and not on speculation such as astronomy, the evidence of the senses is the only factor upon which conclusions can, and must be, based). وحول الركيزة الثالثة يقول جبرائيل هينريت (لأي عقل متزن فالنتيجة أن نظام الجذب بكل تناقضاته وتقلباته هو خيالي وغير مقبول ) (To any well balanced mind, the conclusion is that the system of gravitation, in view of all its contradictions and inconsistencies, is imaginary and not acceptable).
وبناءا على هذه الركائز نجد أن أنصار عقيدة الأرض المسطحة على قلتهم يتكونون في الغالب من بعض أتباع الأديان السماوية ذوي الخلفية العلمية الضعيفة والذين يفسرون النصوص الواردة في الكتب المقدسة بطريقة حرفية أو مغلوطة وكذلك من العوام الذين لا يؤمنون إلا بما تملي عليهم حواسهم. ولهذا يجد من يناقشهم في آرائهم صعوبة في التحاور معهم بسبب اعتبارهم هذا التصور جزء من عقيدتهم الدينية وكذلك بسبب إنكارهم أو عدم استيعابهم للقوانين الفيزيائية. وبرفض أنصار الأرض المسطحة لكروية الأرض فهم يرفضون بالتالي دوران الأرض حول محورها ودورانها حول الشمس ويرفضون كذلك وجود المجرات والنجوم في هذا الكون بهذه الأعداد الضخمة والمسافات الهائلة. وهم لا يصدقون بأن البشر قاموا بغزو الفضاء الخارجي بالمركبات الفضائية والأقمار الصناعية بل يعتقدون أن جميع هذه الأعمال قد تم اختلاقها من قبل وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والتي يعتبرونها عدوهم اللدود الذي يعمل على هدم كسمولوجيا الكتاب المقدس.
لا يوجد عند أنصار الأرض المسطحة أدلة علمية معتبرة تثبت تصوراتهم لهذا الكون بل يعتمدون على استخدام ما توحي به حاسة النظر عند مشاهدة ظواهر هذا الكون. وكذلك فإنهم يلجأون في الغالب إلى استخدام الأدلة المعاكسة التي يعتقدون أنه تبطل تصورات خصومهم. ومن هذه الأدلة المعاكسة والموجودة في كتبهم قولهم كيف يمكن للبشر الذين يعيشون في الجهة المقابلة من الأرض الكروية أن يمشوا وأجسامهم مقلوبة وقولهم كيف يمكن للأنهار الطويلة أن تسير على الأرض المنحنية فتصعد المياه بذلك عكس الجاذبية التي تزعمون. ويقولون عن حركة الأرض حول نفسها لماذا تعود الأجسام المقذوفة إلى الأعلى إلى نفس المكان وكان عليها أن تسقط في مكان آخر بسبب حركة الأرض تحتها ولما لا توجد رياح شديدة تسير بعكس حركة الأرض. ويقولون عن حركة الأرض حول الشمس لما لا تتجمع مياه المحيطات بأكملها في الجهة الخلفية للأرض وكذلك لما نرى الجبال والمباني الشاهقة تميل بزاوية ثلاثة وعشرين درجة عندما تميل الأرض. إن مثل هذه الأسئلة عادة ما يسألها غالبية الأميين من البشر عندما تشرح لهم مثل هذه المعلومات عن الأرض ومن الصعب جدا بالطبع أن تجيبهم على أسئلتهم هذه وهم لا يمتلكون الخلفية العلمية التي تساعدهم على فهم هذه الظواهر وصدق من قال (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).
فرضيات الأرض المسطحة
يعتمد مؤيدي فرضية الأرض المسطحة في تصورهم لبنية هذا الكون على تفسيرهم الحرفي لما ورد في سفر التكوين وعلى وجه الخصوص النص التالي (وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ».
7 فَعَمِلَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ الْجَلَدِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ الْجَلَدِ. وَكَانَ كَذلِكَ.
8 وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا. وَقَالَ اللهُ: «لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ». وَكَانَ كَذلِكَ.
10 وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.). ويتكون الكون حسب تصورهم من الأرض وهي على شكل قرص دائري تقع تضاريس الأرض على أحد وجهيه وتحيط بهذا الوجه نصف قبة معدنية وتحيط بقرص الأرض من الأسفل والقبة من الخارج محيط من المياه كما ورد ذلك في كتبهم (الأرض المسطحة للكتاب المقدس وكون القبة السماوية) (The Bible’s flat earth/solid sky dome universe) و(السماء والأرض) (Heaven and Earth). وعلى سطح القبة السماوية توجد الشمس والقمر والنجوم وهم مختلفون في طبيعة هذه الأجسام هل هي مادية أو وهمية وهل تشع الضوء من ذاتها أم من شقوق في القبة. فقد جاء في كتاب السماء والأرض ما نصه (هاتان هما الحقيقتان اللتان تفسران كل شيء تقريبا أما أولهما فهي الوجود الفعلي لقبة صلبة فوق الأرض تشكل السماء وثانيهما هي الطبيعة غير المادية للكواكب والبروج والتي ليست كتل فيزيائية بل مجرد مظاهر منيرة بدون مادة ) (These two facts which explain almost everything are firstly the positive existence above earth of a solid dome constituting the sky and secondly the nonmaterial nature of planets and constellations which are not physical masses but merely luminous manifestations without substances). أما ارتفاع القبة السماوية فقد كان لا يتجاوز المائة كيلومتر في تقديراتهم القديمة وقد اعتمدوا هذا الرقم بناء على التجارب التي قام بها علماء الفيزياء والاتصالات على طبقة الأينوسفير والتي تعكس موجات الراديو فاعتقدوا من جهلهم أن سقف القبة السماوية المعدنية هو الذي قام بعكسها. ولقد تم تعديل هذا الرقم إلى خمسة آلاف كيلومتر فيما بعد أن قاموا بقياس ارتفاع الشمس من خلال طول الظل مقلدين بذلك علماء الفلك ولكن بطريقة مغلوطة لا تمت للطرق العلمية بأي صلة .
وفي نموذج الأرض المسطحة يقع القطب الشمالي في منتصف الأرض بينما يحيط القطب الجنوبي بكامل أطراف الأرض وهو هلى شكل جدار جليدي يبلغ ارتفاعه ما يقرب من خمسين متر ولم أجد مصدر لهم يشير إلى الطريقة التي تم من خلالها قياس هذا الارتفاع. وقد حددوا قطر قرص الأرض بما مقداره أربعين ألف كيلومتر وهو يساوي محيط الأرض الكروية. ومن الواضح أنهم اعتمدوا هذا الرقم ليتوافق مح محيط الكرة الأرضية اعتباطا فمن المؤكد أنه لا يوجد أي طريقة لديهم للحصول على هذا الرقم كما سأبين ذلك لاحقا.
أما التصور الأكثر عجبا فهو المتعلق بالشمس والقمر من حيث حجمهما وارتفاعهما وحركتهما ومصدر إضائتهما. فقطر الشمس عندهم لا يتجاوز خمسين كيلومتر وهي على ارتفاع خمسة آلاف كيلومتر على اختلاف بينهم. وعلى الرغم من اضطرارهم للتسليم باستخدام الرادارات الراديوية لقياس المسافات إلا أنهم يتحججون بأن سرعة الضوء غير ثابتة في الفضاء الخارجي. وتدور الشمس فوق سطح الأرض على هذا الارتفاع في مدار دائرية حول محور القطب الشمالي وهو مركز الأرض عندهم. ويتغير قطر مدار الشمس باستمرار فهو يتناقص في فصل الصيف عندما تكون الشمس شمال خط الاستواء وذلك عن القطر وهي فوق خط الاستواء وهو يتزايد عنه في فصل الشتاء عندما تكون الشمس جنوب خط الاستواء. وبما أن طول اليوم ثابت على 24 ساعة اضطروا إلى القول بأن الشمس تخفض من سرعتها عندما تتجه شمالا وتزيد من سرعتها عندما تتجه جنوبا. ولكن هذا لم يحل إشكال اختلاف طول الليل والنهار فطول النهار شمال خط الاستواء في الصيف يبدأ من 12 ساعة عند الاستواء ويصل إلى 24 ساعة عند القطب الشمالي. والشمس في اعتقادهم لا تنتج الحرارة التي تسخن الأرض بل يوجد ما يسمى بالتنفس الكوني (cosmic breath) الذي يرسل حرارة إلى الأرض في الصيف وبرودة في الشتاء وهو مرتبط بحركة الشمس فقط وليس لها أي دور في التسخين والتبريد.
أما الطامة الكبرى في هذا النموذج فهو الطريقة التي يفسرون فيها وجود الليل والنهار على هذه الأرض المسطحة فلو أن شمسهم هذه تشع ضوئها في كل الاتجاهات كما هو الحال مع الشمس الحقيقية لكانت أرضهم نهار دائم ولا ليل فيها. ولذلك قالوا أن شمسهم تشع ضوئها بما يشبه المصباح اليدوي فهي تضيء المنطقة التي تقع تحتها فقط فيكون نهارا بينما يبقى باقي سطح الأرض في الليل, إن هذا المصباح الشمسي في غاية الغرابة فعلى الرغم من أن الناظر إلى الشمس يرى مقطعا دائريا لضوئه إلا أن اسقاطه على الأرض يظهر مقطعا نصف دائري مما يعني وجود حاجز نصف دائري (shutter) على فوهة المصباح الشمسي. ويعتقد هولاء أن المطر لا ينزل من الغيوم بل من الماء المحيط بهذه القبة من شقوق فيها فيقول كانب السماء والأرض بالنص (من الجدير بالذكر بهذا الخصوص أن المطر ينزل دائما في نهاية العاصفة الرعدية أي بعد صوت تشقق القبة) (It may be remarked in this connection that rain is always discharged at the end of a thunderstorm that is after the sound of the splitting of the dome). أما البرق عندهم فلا يحدث في داخل الغيوم بل يحدث في داخل القبة السماوية وأما الشهب فهي مظاهر ضوئية تحدث على سطح القبة السماوية وإلى غير ذلك من التخاريف,
كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس
على الرغم من أن فكرة الأرض الكروية فسرت كثير من الظواهر الفلكية إلا أنها فشلت في تفسير كثير من حركات النجوم والكواكب التي كان يعتقد أنها تدور حولها. ولقد دفعت هذه الظواهر الغريبة بعض الفلكيين بطرح فكرة أن الأرض ربما هي التي تدور حول نفسها وليس الشمس والنجوم والكواكب. وكان أول من أثار هذه القضية أبو الريحان البيروني في أوائل القرن الحادي عشر ومن ثم نصير الدين الطوسي في القرن الثالث عشر وابن الشاطر في القرن الرابع عشر والذي فسر كثير من حركات النجوم على افتراض أن الأرض هي التي تدور. وفي عام 1539م قام الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس بوضع نظرية مركزية الشمس التي نشرها في كتابه (حول دوران الأجرام السماوية) والتي أكد فيها أن الأرض وبقية الكواكب هي التي تدور حول الشمس وليس العكس وأن الأرض أيضا تدور حول نفسها كل يوم مرة واحدة. وفي عام 1609م قام الفلكي الالماني يوهانز كبلر بوضع ثلاثة قوانين تجريبية (empirical) تحكم حركات الكواكب التي تدور حول الشمس أو أية أجرام أخرى. فالقانون الأول يحدد شكل المدار وهو إهليجي أو دائري واالثاني يحدد سرعة الكوكب في المدار والثالث يحدد مدة الدورة. وفي عام 1687م أثبت العالم الانجليزي اسحق نيوتن نظريا قوانين كبلر التجريبية باستخدام قانون الجاذبية وقوانين الحركة التي اكتشفها بنفسه. وقد قام العلماء فيما بعد بالاعتماد على قوانين نيوتن بتحديد خصائص الشمس وجميع الكواكب حولها وكذلك أقمارها من حيث أحجامها وأوزانها وأشكال وأبعاد مدراتها وتحديد مسارات المذنبات ودراسة مجرات ونجوم الكون المرئي.
أدلة الأرض الكروية
لقد استخدم مؤيدي نظرية الأرض الكروية في السابق عشرات الطرق العملية لإثبات كروية الأرض وقياس قطرها ومقدار تفلطحها بشكل بالغ الدقة. ومع ظهور التقنيات الحديثة مع مطلع القرن العشرين تم استخدامها للتأكيد على كروية الأرض والتأكد كذلك من أبعادها. وسأشرح فيما يلي بعض الأدلة التي استخدمها الأوائل بهذا الخصوص وبعض الأدلة الحديثة التي يقع بعضها في مجال تخصصي وهو أنظمة الاتصالات الكهربائية.
تعاقب شروق الشمس وغروبها
إن أول ما أثار إهتمام البشر في طبيعة شكل الأرض هو طلوع الشمس من المشرق وتحركها في السماء باتجاه الغرب لمدة نصف يوم حتى تغيب في المغرب ومن ثم طلوعها من جديد من المشرق بعد غياب لمدة نصف يوم تقريبا. ومع استبعاد فكرة طلوع شمس جديدة كل يوم فإن التفسير المنطقي لهذه الظاهرة هو أن الأرض قد دارت حول جسم محدود الأبعاد بغض النظر عن شكل هذا الجسم كروي كان أم غير ذلك. ولا بد هنا من التذكير بأن أنصار الأرض المسطحة يقولون أن الشمس تدور في السماء فوق أرض مسطحة حول محور القطب الشمالي ولحل الاشكالات المترتبة على هذا الطرح افترضوا أن الشمس جسم بلا ماده تستمد نورها من مصدر ما خلفها وتتحرك على سطح قبة السماء ولا تشع في جميع الاتجاهات بل تم تركيز ضوءها من خلال ما يشبه العدسات لتعمل كالمصباح اليدوي.
اختلاف طول ظلال الأشياء
لقد تم دحض فكرة الأرض المسطحة من خلال قياس طول الظل عند خطوط عرض مختلفة وعند نفس خط الطول وفي نفس الوقت. ولقد وجد العلماء أن العلاقة بين طول الظل ومقدار خط العرض دالة أسية (exponential function) تبدأ بالصفر للخط الذي يقع تحت الشمس تماما وينتهي بطول لانهائي للخط الذي يتماس فيه شعاع الشمس مع سطح الأرض وهذا لا يتم إلا في فصل الشتاء. وعند حساب طول الظل نظريا على افتراض أن الأرض كروية الشكل وبمقدار القطر الصحيح تبين أن العلاقتان العملية والتظرية متطابقتان. وبسبب هذه الظاهرة يصل طول الليل إلى 24 ساعة في المناطق التي تقع شمال خط عرض ستةوستين درجة ونصف وذلك في الشتاء سواء كان ذلك في القطب الشمالي أو الجنوبي. إن مثل هذه العلاقة الأسية لطول الظل لا يمكن الحصول عليها بأي شكل من الأشكال في نموذج الأرض المسطحة فبحساب بسيط يتبين أن العلاقة خطية (linear). إن أول محاولة لقياس محيط الأرض كان بالاعتماد على اختلاف طول الظل في الأماكن المختلفة. ففي القرن الثالث قبل الميلاد قام الفلكي اليونانيإراتوستينس بقياس محيط الأرض من خلال قياس طول الظل في مدينة الاسكندرية عندما كانت الشمس متعامدة تماما على مدينة أسوان في مصر وكان النتيجة بنسبة خطأ لا تتجاوز عشرة بالمائة بسبب تدني الدقة في قياس المسافات. وفي عام 830م كلف الخليفة المأمون العباسي مجموعة من العلماء المسلمين لقياس محيط الأرض من خلال قياس الظلال في مدينتي تدمر والرقة في سوريا وكانت النتيجة هي 40248 كيلومتر وهو قريب جدا من الرقم الحالي وهو 40068 كيلومتر.
توسع الأفق مع الارتفاع
يعرف الأفق (Horizon) بأنه أقصى مسافة أو مدى يمكن أن ترى من الأرض من قبل مشاهد على ارتفاع ما في منطقة مفتوحة خالية من المعيقات البصرية كما في البحار والصحارى. وعند نهاية هذه المسافة يرى المشاهد خط التقاء السماء بالأرض. ومن السهل ملاحظة أن مدى الأفق يزداد مع ازدياد ارتفاع المشاهد عن سطح الأرض. ومن السهل أيضا باستخدام حساب المثلثات اشتقاق علاقة بين مدى الأفق وارتفاع المشاهد في حالة الأرض الكروية ومع مقارنة نتائج هذه العلاقة مع القياسات العملية وجدت أنها متطابقة تماما مما يؤكد صحة افتراض الأرض الكروية. وفي المقابل يجب أن يكون مدى الأفق لا نهائي على الأرض المسطحة بغض النظر عن الارتفاع وهو ما يناقض الواقع ولا يوجد حجة مقنعة لدى أنصار الأرض المسطحة لحل هذا التناقض. ويلاحظ تأثير مدى الأفق في حالات كثيرة كاختفاء السفن في عرض البحر عند ابتعادها عن الشاطيء واختفاء الطائرات عن شاشات الرادارات عند ابتعادها عن المطارات.
وبناء على هذه الظاهرة قام العالم المسلم أبو الريحان البيروني بعبقريته الفذة في أوائل القرن العاشر باستخدام طريقة جديدة وبسيطة لقياس نصف قطر الأرض. ولقد اختار البيروني جبل عالي في وسط صحراء مفتوحة ومنبسطة وقام بقياس ارتفاع الجبل عن سطح الأرض وقياس الزاوية بين الخط العمودي المار برأس الجبل والخط الواصل بين رأس الجبل (الخط المماس للأرض) وخط الأفق ومن ثم استخدم معادلة المثلت القائم الزاوية التي تقع رؤوسه عند رأس الجبل ونقطة المماس ومركز الأرض لحساب نصف قطر الأرض. وبلغ طول نصف قطر الأرض الذي قاسه البيروني 6339,6 كيلومتر وهي أقل بمقدار 31,4 كيلومتر عن القيمة الوسطية الحديثة والبالغة 6371 كيلومتر. لقد قطع البيروني بهذه الطريقة الفريدة أي شك في كون الأرض كروية وذلك بسبب اتفاق طريقتين مختلفتين للحصول على نفس النتيجة وكذل إلى جانب وجود أدلة أخرى.
إختلاف النجوم المشاهدة من مناطق الأرض
لفت انتباه الفيلسوف الشهير أرسطو والذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد إمكانية مشاهدة بعض نجوم السماء من مصر وقبرص ولا يمكن مشاهدتها من الدول الأوروبية. لقد فسر أرسطو هذه الظاهرة بناء على كون الأرض كروية معطيا بذلك مزيد من الدعم لاقتراح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس لفكرة الأرض الكروية وذلك في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. وقد قام الفلكيين فيما بعد برسم خرائط لجميع نجوم السماء المرئية من مخنلف مناطق الأرض وأثبتوا أن النجوم التي يشاهدها سكان النصف الشمالي للأرض تختلف عن تلك التي يشاهدها سكان النصف الجنوبي.
كسوف الشمس وخسوف القمر
إن كسوف الشمس وخسوف القمر من الظواهر التي احتار قدامى البشر في سبب حدوثها واختلقوا مختلف أنواع الأساطير حولها. ومع اكتشاف كروية الأرض ودورانها حول الشمس أصبح تفسير هاتين الظاهرتين بمنتهى السهولة فالشمس تنكسف عندما يقع القمر بينها وبين الأرض فيحجب ضوء الشمس كليا أو جزئيا عن الأرض والقمر ينخسف عندما تقع الأرض بينه وبين الشمس فتحجب ضوء الشمس كليا أو جزئيا عنه. وعند خسوف القمر يشاهد بكل وضوح ظل الأرض الدائري على سطح القمر مما يؤكد على كرويتها.
إنتشار الموجات الكهرومغناطيسية
لو كانت الأرض مسطحة كما يدعي مؤيديها لكان تصميم أنظمة الاتصالات المختلفة في غاية السهولة ولما احتاج مهندسي الاتصالات لهذه الحلول المعقدة والمكلفة لأنظمتهم. فالموجات الكهرومغناطيسية تسير في خطوط مستقيمة وإذا كانت الأرض مسطحة فيمكن لهذه الموجات الوصول إلى أي مكان على سطح الأرض المسطحة إذا ما تجنبنا العوائق ووضعنا الهوائيات على رؤوس الجبال العالية. ولكن مهندسي الاتصالات يصممون أنظمتهم بناءا على أن الأرض كروية وبنصف قطر معلوم تماما. فقبل ظهور أنظمة الأقمار الصناعية استخدم المهندسون الموجات المنخفضة الطول لنقل إشارات التلغراف للسفن في المحيطات وهذه الموجات المنخفضة يمكنها الانتشار متتبعة سطح الأرض الكروي بسبب ظاهرة حيود الموجات ولهذا تسمى الموجات الأرضية. ويمكن لبعض هذه الموجات الأرضية أن تدور حول الأرض دورة أو أكثر إذا ما كانت قدرة المرسل كافية ولقد تم التأكد من كروية الأرض من خلال هذه الأنظمة حيث تم توجيه هوائي الإرسال إلى الغرب وهوائي الاستقبال إلى الشرق وتم استلام الإشارة المرسلة بكل وضوح.
وفي أنظمة البث الراديوي قصير الموجة تم استخدام طبقات الأينوسفير الموجودة في أعلى الغلاف الجوي لعكس الموجات الموجهة لهذه الطبقات نحو أماكن بعيدة على سطح الأرض لا يمكن الوصول إليها إذا ما تم توجيه الهوائيات بموازاة سطح الأرض. وباستخدام مثل هذه الموجات والتي تسمى الموجات السماوية يمكن الوصول إلى مناطق بعيدة جدا كما بين القارات متغلبة بذلك على إعاقة تكور الأرض. وتم أيضا التأكد من كروية الأرض باستخدام هذه الأنظمة من خلال ما يسمى الأنظمة متعددة القفزات (multihop) حيث تنعكس الموجات من سطح طبقة الأينوسفير أولا ثم من سطح الأرض ثانيا وهكذا دواليك حتى تعود إلى المكان الذي اطلقت منه ولكن من الاتجاه المعاكس لاتجاه الاطلاق. وقي أنظمة الموجات الدقيقة أو الميكروييف يضطر مهندسي الاتصالات لوضع برج كل مسافة لا تزيد عن سبعين كيلومتر بين المرسل والمستقبل حتى لو كانت الأرض بينهما منبسطة وخالية من أية عوائق. ويعود السبب في ذلك إلى كروية الأرض التي تحدد مدى الأفق لكل برج والتي لا تزيد عن سبعين كيلومتر لأعلاها. ومرة أخرى لو كانت الأرض مسطحة لما استدعى الأمر وضع عشرات الأبراج المكلفة بين برجي الإرسال والاستقبال.
أنظمة الرادار
تستخدم معظم أنواع الرادار الموجات الدقيقة أو ما يسمى بالميكرويف () في تحديد أهدافها كالسفن في البحار والطائرات والصواريخ في الجو. وتنتشر مثل هذه الموجات في خطوط مستقيمة أو ما يسمى خط النظر فهي لا تتأثر بحيود الأرض للموجات ولا بطبقة الأينوسفير . ولهذا فإن مدى الرؤيا لهذه الرادارات تحكمه كروية الأرض وارتفاع الأبراج عن سطح الأرض وهو بذلك لا يتجاوز المائة كيلومتر في معظم الأحوال. ولو كانت الأرض مسطحة كما يزعمون لكان لا حدود لمدى رؤية الرادارات إذا ما وضعت على ارتفاع مناسب.
حركة الطائرات والسفن
تمكن المستكشف البرتغالي فرناندوا ماجلان وفريقه من الدوران حول الأرض في أسطول من السفن في عام 1522م وكان هذا أول إثبات عملي لكروية الأرض. ومع ظهور الطائرات في بداية القرن العشرين قام كثير من المستكشفين بالطيران حول الأرض لإثبات كرويتها. ويتم تحديد مسارات الطائرات وأطوالها بناءا على كون الأرض كروية وليست مسطحة ولا أعتقد أنه يوجد بين عشرات الآلاف من الطيارين ومهندسي الطيران من يعتقد بكون الأرض مسطحة.
الأقمار الصناعية
لقد كان لوضع الاتحاد السوفيتي لقمرهم الصناعي سبوتنيك في مدار بيضاوي منخفض حول الأرض تتويجا لجهود العلماء الذين ساهموا في اكتشاف هذا النموذج الرائع لبناء أجرام الكون. لقد تم وضع هذا القمر في مداره بالاعتماد على نموذج كوبرنيكوس لمركزية الشمس وقوانين كبلر لمدارات الأجرام السماوية وقوانين نيوتن في الجاذبية والحركة ولا ننسى العلماء القدامى الذين أثبتوا أن الأرض كروية وقاموا بقياس قطرها. لقد كان الدافع الرئيسي وراء وضع الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض هو في البداية سباق التسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في تقنية الصواريخ العابرة للقارات وغزو الفضاء. ولقد كان العلماء في مختلف التخصصات يستشرفون أهمية الأقمار الصناعية في حل كثير من المشاكل التي تواجههم. فعلى سبيل المثال اقترح كاتب الخيال العلمي ارثر كلارك وضع أقمار صناعية في المدار المتزامن للأرض لتوفير الاتصالات الهاتفية بين القارات وهذا ما كان ففي عام 1965م تم وضع ثلاثة أقمار صناعية فوق كل من المحيط الأطلسي والهندي والهادي وتمكنت من توفير الخدمة الهاتفية لمعظم دول العالم. ومنذ ذلك الحين تم اطلاق آلاف الأقمار الصناعية لمختلف التطبيقات كالمناخ والتصوير والتجسس والانقاذ وكشف ثروات ومشاكل الأرض وتحديد المواقع والبث التلفزيوني والاذاعي وخدمة الهواتف المتنقلة والتلسكوبات الفضائية وغيرها.
لقد قطعت الأقمار الصناعية كل شك حول كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس. فالأقمار الصناعية المنخفضة والتي تمر فوق قطبي الأرض كل ساعة ونصف يمكن مشاهدتها بالعين المجردة كنجم يتحرك بسرعة كبيرة فوق الأرض وخاصة عند الغروب. والأقمار الصناعية المتزامنة التي تقع على ارتفاع ستة وثلاثين ألف كيلومتر والتي تبدو ثابتة بالنسبة للأرض يمكن أن نلتقط منها البرامج التلفزيونية والمكالمات الهاتفية بهوائيات صحنية ثابتة التوجيه. وباستخدام 66 قمر صناعي على ارتفاع 800 كيلومتر تقريبا موزعة على ستة مدارات تمكنت شركات الاتصالات من توفير خدمة الهواتف المتنقلة لأي مكان على سطح الأرض. وباستخدام 24 قمر صناعي على ارتفاع متوسط يمكن للأشخاص والسفن والطائرات والسيارات أن يحددوا مواقعهم بكل دقة في أي مكان على سطح الأرض. وعلى الرغم من وجود آلاف الأقمار الصناعية التي تم اطلاقها من قبل كثير من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والدول الأوروبية واليابان والهند إلا أن أنصار الأرض المسطحة ينكرون وجودها لأنها تتعارض مع نموذجهم المزعوم ويعتقدون أن هذه الخدمات تقدم من خلال أبراج مقامة على سطح الأرض! ألا يعلم هؤلاء الجهلة أن مئات الألاف من العلماء والمهندسين والفنيين من شتى دول العالم ومختلف الأديان والعقائد واللغات الذين يعملون في مختلف قطاعات الأقمار الصناعية لا يمكنهم أن يتواطئوا مع وكالة ناسا لمحاربة معتقداتهم الزائفة! ألا يرون بأم أعينهم وهم الذين لا يؤمنون إلا بما تمليه حواسهم الأطباق اللاقطة فوق كل منزل وهي موجهة باتجاه السماء حيث توجد الأقمار الصناعية!
المركبات الفضائية واستكشاف الفضاء
لم يكتفي البشر بوضع أقمار صناعية حول الأرض بل قاموا بإرسال مركبات فضائية مأهولة وغير مأهولة إلى القمر والشمس وجميع كواكب المجموعة الشمسية. ففي عام 1961م قام الاتحاد السوفيتي بإرسال مركبة فضائية (s Vostok 1) تحمل إنسان (Yuri Gagarin ) لتدور حول الأرض ومن ثم إعادة رائد الفضاء سالما إلى الأرض بينما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بخطوة مماثلة في عام 1962م والصين في عام 2003م. وفي عام 1959م قام السوفيت بإنزال أول مركبة على سطح القمر ( Luna 2) ووضع قمر صناعي حول القمر ( Luna 9) في عام 1966م. وفي عام 1969م تمكن الأمريكان من إرسال مركبة تحمل ثلاثة من رواد الفضاء ( Apollo 11) نزل إثنان منهم على سطح القمر بمركبة ثانية عادت بهم إلى المركبة الأم والتي كانت تدور حول القمر ثم عادت بهم سالمين إلى الأرض مع بعض تراب القمر. ولقد تم إرسال منذ بدء غزو الفضاء مئات المركبات الفضائية لجميع كواكب المجموعة الشمسية وقامت بعضها بجمع معلومات وصور عن هذه الكواكب. وفي عام 1971م تمكن السوفييت من وضع أول محطة فضاء مأهولة ( Salyut 1) في مدار منخفض حول الأرض واستمرت بالعمل حتى عام 1986م حيث تم استبدالها محطة فضاء جديدة (MIR) والتي انتهت مهمتها عام 2001م. وفي عام 1998م تم إنشاء محطة الفضاء الدولية (International Space Station) بالتعاون بين السوفيت والأمريكان والتي لا زالت تعمل حتى الآن ويتم إرسال رواد الفضاء إلى المحطة والعودة إلى الأرض باستخدام مكوك الفضاء الأمريكي (space shuttle). لقد تم التقاط كثير من الصور للأرض من قبل المركبات الفضائية والأقمار الصناعية الأمريكية والسوفيتية والصينية وغيرها وأكدت على كروية الأرض وأظهرت أدق التفاصيل لمكونات سطحها.
صورة الكون في القرآن الكريم
إن الصورة التي رسمها القرآن الكريم عن هذا الكون تختلف تماما عن الصورة التي جاءت في التوراة وتتوافق مع ما اكتشفه العلماء من حقائق عن هذا الكون كما شرحت ذلك في مقالة (أيام الخلق في القرآن والتوراة). فقد أكد القرآن الكريم على أن جميع أجرام الكون قد تكونت من دخان أي جسيمات كان يملأ الكون كما في قوله تعالى “ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) ” فصلت. وقد يكون الفتق الذي جاء في قوله تعالى “ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)” الأنبياء هو الاتفجار العظيم الذي انبثق من هذا الدخان. وأكد القرآن الكريم على أن جميع أجرام الكون بما فيها الأرض في حركة دائمة وهي تدور في أفلاكها كما جاء في قوله تعالى “ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)” الأنبياء وقوله تعالى “ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)” يس. وكما أن ركاب الطائرة على صغرها لا يشعرون بحركتها وهي تطير فإن سكان الأرض أيضا لا يشعرون بحركاتها بل يرون الأجرام التي حولها هي التي تتحرك بناءا على مبدأ النسبية والذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى “ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)” النمل. وعلى العكس من التوراة التي تقول بوجود أرض واحدة وسماء واحدة فإن القرآن الكريم أكد على وجود سبع سموات وسبع آراضين كما في قوله تعالى “ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)” الطلاق. وبينما يقول أنصار الأرض المسطحة بأن الشمس والقمر والنجوم ما هي مظاهر ضوئية تحدث على سقف السماء يؤكد القرآن الكريم على أنها أجرام حقيقية تسبح في الفضاء الكوني وكل منها لها خصائصها فالشمس جرم وهاج يرسل الضياء الحار للكواكب التي حوله والقمر يرسل النور البارد المنعكس عن ضوء الشمس كما في قوله تعالى “ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)” يونس وقوله تعالى “ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)” النبأ. وأكد القرآن الكريم على أن أبعاد الكون أكبر مما يتخيلها البشر فقال عز من قائل حول مواقع النجوم “فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)” الواقعة.
موقف علماء الاسلام من كروية الأرض
لم يقف العلماء المسلمون في عصرهم الذهبي موقف المتفرج من حل أسرار هذا الكون بل ساهموا مساهمات كبرى في كثير من مجالات العلم. فإلى جانب حفاظهم على جميع علوم السابقين من اليونان والرومان والهنود وغيرهم من خلال ترجمتها إلى العربية قاموا بإضافة إسهامات بارزة في الفلك والرياضيات والهندسة والطب والفيزياء والكيمياء والجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم. وفيما يخص كروية الأرض لم يترددوا في قبول هذه الفكرة خاصة أنهم وجدوا ما يؤيدها في القرآن الكريم بل قام البيروني باستخدام طريقة جديدة ودقيقة لحساب قطر الأرض. أما ابن الشاطر فقد عمل نماذج جديدة لحركة الأجرام السماوية افترض فيها دوران الأرض حول نفسها ويقال أن كوبنيكوس قد استفاد من نماذجه هذه لوضع نظرية مركزية الشمس وليس الأرض. أما علماء الدين فإن معظمهم لم ينكر المكتشفات العلمية المبنية على الأدلة والبراهين ونورد هنا ما قاله إثنان من أشهر العلماء المسلمين وهما ابن حزم والغزالي. فقد أكد ابن حزم الأندلسي الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي وهو إمام المذهب الظاهري وهم الذين يأخذون بظاهر النصوص في تفسيرهم على إجماع القرآن والسنة وأئمة المسلمين على كروية الأرض فقال (وذلك أنهم قالوا إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن أحدا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل إن البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله تعالى “خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) ” الزمر وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض وهو مأخوذ من كور العمامة وهو إدارتها ).
وقد حذر حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله قبل ألف عام علماء الدين من مغبة إنكار الحقائق العلمية اعتمادا على التأويلات الخاطئة لنصوص الكتب المقدسة لما في ذلك من ضرر على الدين. وعلى الرغم من أن الغزالي قام بتأليف كتابه تهافت الفلاسفة لدحض كثير من أراء الفلاسفة إلا أنه لم ينكر علومهم التي تعتمد على أسس علمية واضحة ومما قاله بهذا الشأن “القسم الثاني: ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين، وليس من ضرورة تصديق الأنبياء والرسل منازعتهم فيه، كقولهم: إن كسوف القمر، عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس، والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب، وإن كسوف الشمس وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقيدتين على دقيقة واحدة. وهذا الفن أيضاً لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض ومن ظن أن المناظرة في ابطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضَعَّف أمره. فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابيَّة لا يبقى معها ريبة. فمن تطلَّع عليها ويتحقَّق أدلّتها حتى يُخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع وضرر الشرع ممَّن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممّن يطعن فيه بطريقة.وهو كما قيل: عدوّ عاقل خير من صديق جاهل. فان قيل: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (( ان الشمس والقمر لآيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فاذا رأيتم ذلك فافزعوا الى ذكر الله والصلاة)) ، فكيف يلائم هذا ماقالوه؟ قلنا: وليس فى هذا ما يناقض ما قالوه ، اذ ليس فيه الا نفى وقوع الكسوف لموت احد او لحياته والامر بالصلاة عنده. والشرع الذى يأمر بالصلاة عند الزوال والغروب والطلوع من أين يبعد منه ان يأمر عند الكسوف بها استحباباً؟ فان قيل: فقد روُى انه قال فى آخر الحديث: (( ولكن الله اذا تجلىّ لشىء خضع له)) فيدلّ على ان الكسوف خضوع بسبب التجلى، قلنا: هذه الزيادة لم يصحّ نقلها فيجب تكذيب ناقلها، وانما المروى ما ذكرناه كيف، ولو كان صحيحاً، لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطعية. فكم من ظواهر أُوّلت بالأدلة العقليَّة التي لا تنتهي في الوضوح إلى هذا الحد. وأعظم ما يفرح به المُلحدة، أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا، وأمثاله على خلاف الشرع، فيسهل عليه طريق إبطال الشرع، ان كان الشرع امثال ذلك. وهذا: لأنّ البحث في العالم عن كونه حادثاً أو قديماً، ثم إذا ثبت حدوثه فسواء كان كرة، أو بسيطاً، أو مثمناً، أو مسدّساً، وسواء كانت السماوات، وما تحتها ثلاثة عشرة طبقة، كما قالوه، أو أقلّ، أو أكثر، فنسبة النظر فيه الى البحث الالهىّ كنسبة النظر الى طبقات البصل وعددها وعدد حبّ الرمان. فالمقصود: كونه من فعل الله سبحانه وتعالى فقط، كيف ما كانت