د.عبدالله القضاة
في الدولة المدنية ؛الوظيفة العامة ترتبط بالمواطنة ، وتخضع بعدئذ لمعايير العدالة وتكافؤ الفرص والجدارة والإستحقاق والشفافية والمساءلة ، وهذه المعايير من المباديء الدولية للخدمة المدنية ، وعلى أساسها يقاس التميز في الاداء والتطوير المستمر في أي دولة من الدول .
التوجيه الملكي للحكومة واضح :’إطلاق مشروع نهضة وطني شامل، قوامه تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ ‘، وتضمن التوجيه أيضا : ‘ على الحكومة أن تضع الإصلاح الإداري والنهوض بأداء الجهاز الحكومي على رأس أولوياتها واعتباره مصلحة وطنية عليا؛ فلا مجال لأي تهاون مع موظف مقصر أو مسؤول يعيق الاستثمار بتعقيدات بيروقراطية أو تباطؤ يضيع فرص العمل على شبابنا’: وهذا يتطلب من الحكومة تبني خطة استجابة لترجمة التوجيهات الملكية بشكل واقعي وملموس لجميع المواطنين.
تناولت في مقالات سابقة ؛ شرحا لبعض المحاور ، ومنها رؤيتنا لحكومة رشيقة ، ورؤيتنا لتعديل نظام الخدمة المدنية بالشكل الذي يعالج اختلات تقييم الاداء ، ونتناول في هذا المقال رؤية لتطوير منهجية التوظيف في القطاع العام ، بالشكل الذي يحقق لامركزية في اجراءات التوظيف وتعزيز دور ديوان الخدمة المدنية في الرقابة على هذه الإجراءات وضمان جودتها ونزاهتها.
يأخذ التوظيف في القطاع العام الأردني عدة صورا منها : التوظيف العام ، والتوظيف الخاص ‘ عقد شامل ‘ وخاص الخاص ‘ عقد شامل من رئيس الوزراء ‘ من غير تدخل ديوان الخدمة المدنية ، وتعيين وظائف الفئة العليا بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير المعني .
أما التوظيف العام ، من مخزون الديوان ، فإن نسبة التوظيف السنوية لاتتجاوز (2%) من عدد المتقدمين والذي يتجاوز (360) الف طلب ، يتم توظيف قرابة (7000) شخص سنويا (70%) منهم لوزارتي التربية والصحة ، فهل يعقل أن يعيش (98%) من المتقدمين لديوان الخدمة المدنية عل الأمل ، والجميع يعرف أن الأمل مفقود !!!,
أما الحل الذي يمكن أن نقدمه في هذا المجال ؛ يتمثل في تغيير دور ديوان الخدمة المدنية بحيث يتم الإنتقال الى اللامركزية في التوظيف ، وتمكين وحدات الموارد البشرية في الدوائر الحكومية . وبالتالي ينتقل دور الديوان من التنفيذ الى الرقابة على اجراءات التوظيف، بعد أن يوافق على شواغر كل دائرة ، وهذا يتطلب تعديل الفقرة (ج) من المادة (41) لتصبح كما يلي : ‘ تتولى وحدة الموارد البشرية في الدائرة اجراء الامتحانات التنافسية و/ أو المقابلات الشخصة لاشغال الوظائف الشاغرة لديها بعد موافقة ديوان الخدمة المدنية من خلال الاعلان المفتوح في اللواء الذي تتبع له الوظيفة الشاغرة’. وكذلك الغاء الفقرة (د) من المادة (41) والتي تنص على ‘ تقوم الدوائر بالطلب من الديوان بترشيح طالبي االوظائف لتعبئة شواغرها…….الخ.
ولابد من تمكين وحدات الموارد البشرية في الدوائر لتمارس الدور الحقيقي لإدارة الموارد البشرية ، ويتطلب ذلك تعديل الفقرة (و) من المادة (41) بالغاء عبارة الديوان بعد كلمة يوثق ، لتصبح توثق الدائرة ……’ بهدف نقل هذه الصلاحية للدوائر، وكذلك تعديل الماده (44) بالغاء تقديم الطلبات للديوان ، وانما للدائرة مباشرة بعد موافقة الديوان على ذلك على ان يحتفظ الديوان بحق الرقابة على سلامة الاجراءات وشفافيتها.
وفي حال الانتقال لهذه الخطوة ؛ فإن الدائرة تعلن عن الوظيفة الشاغرة في المنطقة الادارية المستهدفة (اللواء ، المحافظة ) ويكون التنافس بين المتقدمين من أبناء المنطقة ، وبعد التعيين يتم الاحتفاظ بطلبات التوظيف لمدة عام فقط لغايات الاستنكافات أو الاعتراضات وبعد ذلك يتم اتلاف هذه الطلبات ، وفي غير ذلك لايتم قبول أي طلب توظيف لأي جهة حكومية (دائرة أو شركة ).
وفيما يتعلق بتوظيف الفئة العليا / المجموعة الثانية ، فانني اقترح أن يلغى نظام التعيين بعقد سنوي لما لذلك من أثر على استقرار القيادات ومنحهم الفرصة الكافية للانجاز وبالتالي استدامة العمل المؤسسي ، وعليه ؛ نقترح اضافة النص التالي للماده (45) أ ‘يتم يتعيين موظفي الفئة العليا / المجموعة الثانية بعقد لمدة لاتقل عن (4) سنوات ، واضافة نص بعدم جوازية انهاء خدماتهم الا من خلال تنسيب من لجنة وزارية تشكل لهذه الغاية برئاسة وزير العدل ، وذلك لضمان عدم تعسف الوزراء في إقصائهم لأسباب غير موضوعية.
نتناول في مقالات قادمة آلية التعيين على نظام العقود الشاملة والتعيين المباشر الواقع ضمن صلاحيات رئيس الوزراء والمنهجيات المقترحة لمأسستها والحد من السلطة التقديرية للمرجع المختص بالتعيين.
*امين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة سابقا