أ. سعيد ذياب سليم
فرسان الحق و شياطين الباطل
في روايتها “و في النهاية الصمت” تحدثت “لورانس تارديو” على لسان بطلتها كيف أثّر الرعب فيها و كيف اهتز واقعها عند حدوث مجزرة “شارلي إبيدو” ، وكيف دخلت في عالم أقرب إلى الهلوسة و الجنون، لم يعد الواقع كما كان أصبح للذكريات طعم آخر ، أحسّت بهشاشة الحياة و فوضاها ،تصف كيف استيقظ الطفل فيها و أخذت تبحث عن حضن أمها ليضمها ،تقول: أتيه في الشوارع بحثا عن عطر أمي ليلعق الرعب الذي زرعه رصاص الإرهاب غدرا.
يحدث ذلك في بقاع عالمنا الذي نعيش ، عند الاعتداء على دار للعبادة أو مسرح أو روضة للأطفال أو مكتبة، فهذا الوحش الذي تجسّد فيه الشيطان، لا يميز بين صلوات ترتفع إلى السماء أو نشيد طفل أو حفل فني لمهرجان يحتفل بالحضارة الإنسانية ، هذا المسخ لا يحب الحياة و يكره الفرح ، يريد أن يسبغ عالمنا بالأسود فهو لا يعرف ألوان الطيف و لا يميز بينها، ربما تختلف لغات البشر في أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو شرقنا الأوسط لكن المعاناة واحدة والألم والرعب هو نفسه.
يستخدم أدواته في تدمير الواقع الذي عاشت فيه الإنسانية و تآخت فيه الديانات و امتزجت فيه الحضارات، ذلك الواقع الذي بُني على التنوّع والتفاعل الخلّاق و الحب و السلام في بيئته الثقافية و الاجتماعية.
في مدينتنا الفحيص نسير كل موسم في موكب الميلاد نحتفل بالسلام و نحمل المشاعل ، و في رمضان نوزّع التمور على الصائمين و في صيفنا المجنون نحتفل بالأردن التاريخ و التراث ، اختارها ذلك المسخ الجبان ليطعن طعنة غدر يحاول فيها اسكات الفرح، اختار بعضا من أطهر الناس و أشرفهم حماة الديار تلك الطعنة التي اخترقت قلوبنا و تسمرنا في ذهول نرقب الأخبار لا نكاد نعي ما حدث ولا نصدقه، هل هذا يحدث لنا ؟
و ما هي إلا سويعات حتى تنادينا إلى السلط ، وخرجنا نلوذ بعباءة الوطن تسبقنا اللهفة ، ننظر في أعين أبنائنا نحمي ابتساماتهم ، نحفظ لهم ذكرياتهم في الربيع والصيف وهم يتفيؤون ظلال أشجار السرو و البلوط، يجمعون الدحنون و يطاردون الفراشات و يرددون أغانينا الفلكلورية، “يا الله على وادي السلط تنلم زهور يالله ” .
لكن نداء اليوم كان للتبرع بالدم ، والابتعاد عن محيط الحدث، فلم الرعب هذا نتابعه لحظة بلحظة ، نتنقل بين المحطات الفضائية المحلية و العالمية نبحث عن عاجل الأخبار، تفجير المبنى و حركة سيارات الإسعاف باتجاه المستشفيات ، تدافع فرسان الحق وحماة الوطن لإيقاف هذا الرعب ، ترتقي كوكبة من الشهداء تُرصّع سماء الوطن وتُنير ظلمته، هذا يحدث لنا فعلا !
لماذا يحدث ذلك ؟ هل هو بسبب السعار الذي خرج من قمقمه ليجتاح الإقليم و العالم؟ أهو الجهل و الفراغ الذي تشتريه قطع من الفضة لتصنع “يهوذا الإسخريوطي” مرة أخرى و يبيع الأخ و الجار و الوطن ؟
وتبكي الأمهات و المدن أبناءها، وتبحث أعين الأطفال عن آبائهم ، تبكي الأخت أخاها الذي تراه حاملا نعشه بين الرفاق الذين حضروا يحملون على أكتافهم قديسي الوطن و شهداءه ، تزفهم الجموع إلى السماء، نرحل و يبقى الوطن نموت من أجل أن يستمر السلام، لن تقهرنا تلك المسوخ حقدهم، لن ينالوا من تكاتفنا و لن يستطيعوا إثارة الفوضى و لن يفقدونا إيماننا بفرساننا و رايتنا و قيادتنا الهاشمية، و “على طريق السلط ياما مشينا” .