هزاع المجالي.. بُورك الدَّم يا كركُ
ينعطف الهوى جنوباً، نحو الرَّبة الكركية الحانية في قلب الجنوب الأشم، في الذكرى الـ (58) لاستشهاد هزاع المجالي لنكون في حضرة فارس الشَّهادة، الذي وصفه المغفور له الملك الحسين بن طلال في كتابه «مهنتي كملك» بأنه كان رجلاً شجاعاً مولعاً بالحرية واسع الشعبية في سائر أنحاء المملكة.
ومن المؤكد هنا.. ان هزاع بركات المجالي ولد العام 1918 في مضارب أخواله الونديين في ماعين حيث كان والده في تلك الفترة مشاركاً في جيش الملك فيصل الأول وكانوا في طريقهم لتحرير سوريا، فولد في هذه المرحلة في ماعين عند جده وجدته الونديين في هذه القرية وهي من عشائر البلقاء المعروفة، وقد عاش مع جده وجدته إلى سن العاشرة ثم انتقل إلى الكرك حيث كان مبدعاً ومتفوقا، وبعدها انتقل إلى مدرسة السلط وتخرج منها ولم يكمل دراسته الجامعية بل التحق بدائرة الأراضي وتعلم المساحة وأصبح مساحاً بدائرة الأراضي ثم انتقل أيضاً لفترة من الوقت وعمل في محكمة صلح مأدبا ومن ثم وجد نتيجة لضغط بعض المسؤولين عليه أنه لا بد أن يكمل دراسته ثم رجع إلى الكرك وتحدث مع والده بذلك والتحق بجامعة دمشق ودرس الحقوق هناك وأنهى دراسته العام 1946 حيث عاد من دمشق ليعمل في حقل المحاماة في مدينة الكرك وذكر ذلك في مذكراته.
في غضون ذلك يقول أ.د. سعد ابو دية إن أول برقية صدرت من السفارة البريطانية في عمان 29 آب 1960 حول اغتيال هزاع المجالي لوزارة الخارجية بالشيفرة وسرية وعاجلة وأرسلت نسخ إلى مصر والقنصلية في القدس وتل أبيب وبيروت وبالأولوية إلى واشنطن ونيويورك وبغداد، وجاء في البرقية أن هزاع قتل في انفجار وقام السفير بزيارة الملك ونقل إليه التعازي وكتب السفير أن هزاع شخصية وطنية وشجاع وأن لندن دائماً احترمته وأحبته.. وقد عبر الملك عن امتنانه للسفير وكان الملك متماسكاً ولكن مصدوماً وقال للسفير إن هناك ثمانية ضحايا منهم أمين عام وزارة الخارجية (يقصد زهاد الحمود) وعاصم التاجي، مبينا ان السفير البريطاني كتب أن الملك طلب أن يمنع التجول لفترة غير طويلة، وطلب السفير توجهات من الخارجية البريطانية بخصوص تعزية وزير الخارجية الموجود خارج الأردن في بيروت وتعزية أرملة رئيس الوزراء وتعزية رئيس الأركان حابس المجالي.
امام ذلك.. اشارت المعلومات الأولية ان سبب وفاة هزاع المجالي كان كسرا في الجمجمة وكانت تعابير وجهه بعد استشهاده تدل على منتهى الدهشة، بحسب قول من رأى الجثمان، وقد قال السير تشارلز جونستون سفير بريطانيا الاسبق في الاردن ان الخطأ الاكبر لـ هزاع كان المبالغة في الثقة بالناس فقد احجم عن اساءة الظن بالآخرين، وانه لم يكن لديه اهتمام جدي بالمحافظة على حياته فلم يهتم بحماية نفسه وقد كان يشعر بخطر قتله.
ومن بين الذين قتلوا مع هزاع المجالي طفل عمره 10 سنوات جاء للرئيس لطلب المساعدة في امر ما، وان زيد الرفاعي كان في الرئاسة جالسا مع زهاء الدين الحمود وعاصم التاجي فطلب منه الحمود بعض الوثائق فخرج لكي يأتي بها ولما عاد كان زهاء وعاصم من الاموات ونجا زيد الرفاعي حيث كان ملحقا دبلوماسيا في وزارة الخارجية وكانت الوزارة ضمن مبنى الرئاسة، فيما كانت وزارة الصحة بجانب الرئاسة وجاء الوزير التوتنجي وفحص جثة رئيس الوزراء فوجد حرقا على ساقه اليسرى وتبين منه اتجاه الانفجار.
ومن المفيد القول ان لحظة إعلان نبأ استشهاد هزاع لم يسمع بأرجاء الكرك سوى صوت الاذاعة الاردنية وهي تطلق عبارات: بُورك الدَّم يا كركُ وصاحت النساء وزغردت النشميات للشهادة، وقد هرعت الكرك كلها تصرخ: بورك الدم يا كركُ.
دفن هزاع في مدينة الكرك وبعد فترة وجيزة نقل رفاته لدفنه من جديد في بستان له يتوسط السهول التي تقطنها عشيرته في قرية الربة، وبقي وحيدا الى ان جاوره قبل سنوات وبنفس المكان ابن عمه ورفيقه القائد العسكري المشير الركن حابس المجالي رحمهما الله تعالى.
