رمزي الغزوي
لن أقف عند محاولة قرصة 50 مليون حساب على فيسبوك. فلمواقع التواصل الاجتماعي زوابعها الهافية المنسية كذلك. تثور وتدور، لكنها تموت كعاصفة تخلقت في فنجان. ولأهلها ذاكرة سمك ينسون بأسرع مما توجعوا وتألموا؛ شرط أن يجيء ما يلههم عما في يدهم، أو عن خنجر مغروس في صدرهم. ولهذا غدت حياتنا مسبحة طويلة تتشابها خرزاتها، نكرُّ حباتها كرا مملا نحو عوالم التوهان والتشتت.
في الفضاء الأزرق (فيسبوك) لم يعد ثمة كبير أبداً. (لا كبير إلا أنت). الكل يعتقد أنه بيضة الكون ومركزه. وأن ما يكتبه على حائطه المبجل؛ سيغير الدنيا، ويقلب طنجرتها، ويطفئ نارها. وأنه بمنشوره العرمرمي سيشعرنا بحجمنا الطبيعي، ويوقفنا عنده.
لست ضد هذه المنصة الهامة العظيمة، بل هي في نظري نعمة كبرى. فالعبرة في أية وسيلة إعلامية الطريقة التي نستخدمها، وفي فهمنا لها وطريقة إدارتها. فليس هناك حرية مطلقة، بل حريتنا تقترن بمسؤوليتنا تجاه كل كلمة نطلقها، أو صورة نبثها، أو تعيلق نسجله.
هذا الفضاء الجديد خلق فينا شعورا عدائيا. وإلا ما معنى أن نستخدمه منصة لإطلاق صواريخنا وقنابلنا شذرا مذرا، دون أن نعي إين ستسقط، وكيف ستؤثر، وكم ستقتل وتؤذي؟.
فمع أن الكلمة تساوي حصاناً، إذا قيلت في زمانها، إلا أن ما يميز بعض الشعب الأزرق (شعب فيسبوك)، ليس سرعة غضبه وثورانه وهيجانه، واندغامه في أية معركة مواتية متاحة، دون أن يعرف من يقاتل، أو لماذا أو كيف. بل ما يميزه أنه يهاجم ليصب ما في داخله، غير آبه أنه قد يقتل إنسانا، أو يغتال شخصيته.
نحن فنانون في مضغ لحومنا. سكاكيننا تتحمحم لكل جمل يسقط، أو دجاجة، أو حتى عصفور. ورحانا لا ترحم من يطيح حبه فيها. نطحنه (على الزيرو)، ونذره لفياقي الأرض. ونحن ازدواجيون. ننتقد الواسطات، ونحن نلهث وراءها، ما استطعنا السبيلا. ننتقد المحسوبية، ونحن نطمح لها. نشجب الغش والدهلزة. ولا نرضاها من مسؤول، ومعظمنا يمارسها في عمله، من الدهين إلى الموسرجي إلى الطبيب إلى الصحفي إلخ إلخ.
لن أقف عند الوصف العربي القديم للموغلين بالعداء اللئيم، بأن دمهم أزرق. بل سأقف عند هذا الاخطبوط العالمي (فيسبوك). وأقول الحمد لله أن دمه أزرق. ولهذا فهو يتعب بسرعة، لأن ذرة النحاس مركز دم الأخطبوط، وليست ذرة الحديد. ولولا هذه الميزة لالتف اخطبوطنا على أعناقنا، وخنقنا منذ زمن. والحمد لله من قبل ومن بعد على ذاكرتنا السمكية.