
الدكتور عثمان الطاهات
تضاعف أسعار الغازعدة مرات منذ بداية جائحة كورونا وحتى الآن في أوروبا، مما يضع القارة العجوز أمام جملة من التحديات المفصلية التي تؤثر فى مختلف القطاعات، مع زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال حول العالم. وتواجه أوروبا أزمة نقص غير مسبوقة في إمدادات الغاز، تعد الأخطر منذ عقود، يقابلها في الناحية الأخرى مستفيدون من ارتفاعات أسعار الغاز العالمية من جانب الدول المُصدرة.
ارتفعت أسعار الغاز بنسبة تصل إلى نحو ??? بالمئة هذا العام في أوروبا، مدفوعة بانخفاض المخزون مع زيادة الطلب مع عودة النشاط الاقتصادي الصناعي، وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى احتماليات تواصل استمرار ارتفاع الأسعار خلال الشهر المقبل أيضاً، وقبيل حلول فصل الشتاء، بما يزيد الضغوط على المستهلكين، كما تواجه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أزمة تتفاقم يوماً تلو الآخر مع تصاعد أزمة الغاز، وبشكل خاص القارة العجوز.
في تموز الماضي، تراجعت إمدادات الغاز الطبيعي المسال التي دخلت خطوط الإمداد الأوروبية، إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثة أعوام، بينما تعد توقعات الأشهر المتبقية من عام ???? أشد ظلاماً، حيث من المنتظر وصول شحنة واحدة فقط إلى المملكة المتحدة، ومن المتوقع أيضاً أن يُصدّر المُتداولون، الذين يمتلكون خزانات للغاز في إسبانيا، ست شحنات إلى آسيا، ليستفيدوا من الأسعار الأعلى هناك. ويأتي ذلك في وقت تتدفق فيه كميات غاز أقل من روسيا إلى أوروبا، مما يهيئ القارة لمواجهة شتاء قارص، في حال وصلت درجات الحرارة إلى التجمد، وفي ظل انخفاض المخزونات إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد، باتت أسعار الغاز في أوروبا في حالة تقلب مستمرة، محطمة الأرقام القياسية مرة بعد أخرى، وذلك مع حالة تأهب تعيشها السوق، بانتظار تحديثات حول الإمدادات الجديدة التي ستأتي عبر خط أنابيب نورد ستريم الذي لم يكتمل بعد، والذي يربط بين روسيا وألمانيا.
رويداً رويداً تتبدّى الأسباب، وفي مقدمتها بلا شك سرعة دوران عجلة الاقتصاد الأوروبي بعد رصاصة الكورونا القاتلة، تلك التي أوقفت المصانع وقطعت وسائل المواصلات خلال فترات حظر الطيران. ولذا عندما عادت الحياة إلى ما يشبه نصابها الطبيعي، تبدّى العجز واضحاً في مخزونات الغاز تحديداً، الذي تعتمد عليه دول القارة الأوروبية أكثر من النفط.
يفوق الغاز الذي تستورده الدول الأوروبية من روسيا ، والذي يمثل نسبة ??? من إجمالي الغاز المستورد ما تحصل عليه هذه الدول من أكبر منتجي القارة، وسيطرة شركة غازبرومالروسية على سوق الغاز في القارة العجوز، وفي الوقت الذي تسعى فيه موسكو لرفع مخزونها من الغاز قبل الشتاء، تسابق دول أوروبا الزمن لملء مستودعاتها من الغاز قبيل الفصل نفسه.
وفي ظل انخفاض الإنتاج المحلي، واحتمالية إغلاق حقل غاز خرونينجن العملاق في هولندا، قبل ثلاثة أعوام من الموعد المحدد، أصبحت القارة أكثر اعتماداً على السوق العالمية المتقلبة للحصول على الغاز الطبيعي المسال اللازم للحفاظ على تدفئة المنازل وإبقاء الأضواء تعمل خلال الشتاء. ومع ذلك، فإن نقص الإمدادات في آسيا يشير إلى أن الدول من الصين، إلى اليابان، وكوريا، ستكون مستعدة لدفع المزيد من أجل الحفاظ على إمدادات الغاز، بل وحتى، الاستحواذ على الإمدادات المخزنة منه في الخزانات الإسبانية.