مصطفى الشبول
في قصة يرويها احد أساتذة جامعة اللاذقية حدثت في بداية السبعينيات، يقول : كنا نستعين بالدكتور محمد البوطي ليأتينا كل يوم أربعاء لتدريس مادة القرآن الكريم حيث كان يشغل وقتها عميداً لكلية الشريعة في جامعة دمشق ، وكنا نستضيفه تلك الليلة ليعود إلى دمشق بعد ظهر الخميس ، وفي احد الأيام زارني رئيس الجامعة في مكتبي وكان الدكتور البوطي بضيافتي فقام الرئيس بدعوتنا لحضور العشاء مساء يوم الخميس في منزله ، فأجبت الدعوة بالشكر والقبول ، لكن الأستاذ البوطي طلب بلطف أن يستأذن والده في دمشق أولا ، فأجاب رئيس الجامعة (مستغرباً من رد البوطي) : اذهب يا أستاذ مع الدكتور البوطي إلى مكتبي ليتصل مباشرة بوالده في دمشق…فذهبت معه ورفع الدكتور البوطي السماعة وقال ( حرفياً) : ( السلام عليكم يا أبي ..السيد رئيس الجامعة دعاني مع بقية الأساتذة مساء الخميس للعشاء في منزله ، فهل استطيع حضور المأدبة وأعود إلى دمشق صباح الجمعة …شكراً أبي …السلام عليكم ) فقلت له مجاملاً : الحمد لله هكذا أصبحت الأمور أسهل وتستطيع الآن البقاء وأنت مطمئن ، فقال الدكتور البوطي: لا والله لا أستطيع ، أبي لم يوافق …
يقول الدكتور : لن استطيع أن أصور لكم معالم المفاجأة على وجهي وعلى وجه رئيس الجامعة حين وصفت له بدقة ما جرى على الهاتف ، وهل هذا معقول!! لا نقاش ولا حوار ولا إلحاح ولا حتى كلمة رجاء علماً أن الدكتور البوطي تجاوز الأربعين من عمره وعميداً لكلية كبيرة في جامعة كبيرة وله أبناء طلاب في الجامعة…
نقول هكذا هو الأدب الحقيقي مع الوالدين ، وهكذا هو البر الصادق، فلو نظرنا إلى شباب اليوم من كلا الجنسين لوجدنا أن هذا الأدب لم يعد موجود وبات مفقود إلا ما رحم ربي ، ولنا في مجرى الأيام وتداولها أكبر دليل ، اذهبوا إلى المحاكم واسألوا القضاة والمحامين عن عدد الدعاوى التي ترفع بحق الآباء والأمهات من قبل أبنائهم ، وزوروا البلديات ودائرة الأراضي وشاهدوا بأم أعينكم الشكاوى والاعتراضات على الإباء بسبب متر أرض..
وليت الأمور تقف هاهنا ، أنظروا كيف تغيرت الأحوال فقد أصبح الآباء والأمهات هم من يطلبون البر والستر من الأبناء ، وانظروا إلى طريقة التعامل والكلام من الأبناء كيف أصبحت تخلو من الأدب والاحترام مع آبائهم ولا يأخذوا لكلامهم ونصائحهم أي اعتبار ، حتى شرب الاراجيل والتدخين أصبح أمر عادي بحضرة الآباء والأمهات..
فعلموا أبنائكم الأدب ، وأخبروهم بأن الأدب أفضل من كل الشهادات وانه هو الأساس في كل شيء ، واجعلوا أولادكم يقرأون قصة الدكتور البوطي مع والده لعلها تنفعهم في تعلم الادب.