مكرم الطراونة
نعيش وسط إقليم فاشل سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وقد أسقطت الأحداث الكثيرة “ورقة التوت” عن وجه كثير من الدول والجماعات، وكشفت عن نواياها التخريبية. تحت غطاء المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين، تحشد إيران وحزب الله آلاف الأفراد من مليشياتها على حدودنا. العنوان جميل يمكن أن يستقطب كثيرا من السذج، ولكن النوايا فاسدة وخبيثة، فالهدف الأول يأتي في محاولة لزعزعة استقرار الأردن.
منذ سنوات طويلة تحاول إيران أن تجد لها موطئ قدم في أرضنا، لكن صحوة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة منعت مثل هذا الاختراق الخطير. المحبط والمحزن، أن هناك كثيرا من الأردنيين ما يزالون يصدقون الدعاوى الكاذبة لنظام الملالي، ويروّجون له، كما لو أن تحرير فلسطين سيكون على يديه، ومنهم من يقتنع، أيضا، أن تحرير فلسطين يمرّ عبر الأردن، بل ويبررون لنظام الملالي سلوكه الانتهازي خلال العدوان على غزة.
هناك حرب حقيقية تخوضها إيران وأذرعها في سورية ولبنان والعراق ضد الأردن، ويتوفر في عدد “الغد” الصادر أمس معلومات مهمة لمن يرغب بالاطلاع على الجهود المبذولة على تلك الحدود طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، وكميات المخدرات التي تم ضبطها، والأسلحة ونوعيتها التي حاولوا إدخالها للأردن. ولأن الفشل كان حليف قوى الخراب، فقد انتهجت أساليب جديدة لمحاولات اختراق حدودنا بصورة مكثفة، وتحديدا منذ السابع من أكتوبر الماضي، أي منذ إعلان الحرب على قطاع غزة.
على الحدود الأردنية العراقية احتشد الآلاف من الجماعات التنظيمية تحت غطاء التوجه لتحرير فلسطين، ونصرة الأشقاء في غزة، وقد مارسوا الترهيب عبر منع وصول النفط إلى المملكة، حتى تفتح حدودها، وقد تم التعامل مع هذا الحدث في حينه، وإعلان فشله ودحره.
وبعد ذلك كانت هناك محاولات على الجانب السوري، وعبر حدودنا أيضا، رغم أن الجولان أقرب لهم وللتنظيمات العراقية. وقد فشل هؤلاء أيضا في مساعيهم.
وعلى مدى السنوات، نجحت إيران في تشكيل مليشيات مسلحة لتجارة المخدرات والسلاح، وكونت شبكات في الداخل السوري، تتعاون معها شبكات محلية، ينفق عليها عشرات المليارات من الدولارات. التقييم الرسمي يقول إن الأسلحة التي يتم تهريبها إلى الأردن تكون مصاحبة لكميات المخدرات المهربة أيضا، وهدفها حماية عمليات التهريب، وتعزيز قوة الشبكات الداخلية المرتبطة بها، والتي بدورها ستوجهها ضد القوات المسلحة والأمن الأردني في الوقت المطلوب، ما يؤدي إلى خلق الفوضى المطلوبة لتحقيق اختراق إيراني في البلاد. القرار الأردني المتخذ، وعلى أعلى المستويات، أنه لا تراجع عن خوض هذه الحرب، والتصدي بحزم لمحاولات التهريب، وردع المهربين ومن هم وراءهم.
الإعلام السوري تحدث مؤخرا عن 10 محاور تحاول عصابات التهريب الدخول من خلالها، وهذا في حقيقة الأمر مرهق جدا لقواتنا المسلحة، ومن السذاجة أن تعتقد أي دولة في المحيط والعالم، بأن هذه القوات تحمي الأردن فقط، وإنما تحمي ظهور جميع الدول من آفة المخدرات القاتلة، وعليه لا بد من أن يقوم العالم بدوره تجاه دعم الأردن في هذا السياق، وإلا فإن المخدرات والأسلحة ستغرق الجميع وليس الأردن وحده، وستزدهر تجارة المخدرات والسلاح لدى الجميع، لتعم الفوضى التي ترغب بها إيران وحزب الله.
في المستقبل، لن يكون الأمر مرتبطا فقط بتهريب السلاح من أجل حماية عمليات التهريب، بل سنجد أنفسنا أمام جماعات وعناصر متطرفة من هذه المنظومة تمتلك الأسلحة، وقادرة على التغلغل في ساحاتنا المستقرة، لتحولها إلى خراب لن تقوى أي دولة على إصلاحه.
كلنا يعلم أن لإيران أجندةً واضحةً تسعى من خلالها إلى إسقاط الدول وتحويلها إلى فاشلة لتفرض هيمنتها على الأرض والبشر، من أجل أن تمتلك أوراق ضغط متجددة لـ”عمليات المقايضة” الانتهازية التي تجريها مع الغرب. لقد حذر الأردن على الدوام من أطماع الملالي في دول المنطقة، ولكن لم يكن هناك من يصغي. أكثر ما نخشاه أن تظل اللامبالاة مسيطرة تجاه ما تفعله إيران، وما تحققه من نجاحات بإستراتيجية الخطوات القصيرة، والتي ستمثل، يوما ما، قفزة كبيرة ضد مصالحنا ووجودنا.